(القدس) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن الجيش الإسرائيلي شارك في هجمات المستوطنين العنيفة في الضفة الغربية أو لم يحمِ الفلسطينيين منها. هجّرت هذه الهجمات أفرادا من 20 تجمعا سكانيا، وأزالت سبعة تجمعات سكانية على الأقل بالكامل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
اعتدى المستوطنون الإسرائيليون على الفلسطينيين وعذبوهم وارتكبوا العنف الجنسي ضدهم، وسرقوا ممتلكاتهم ومواشيهم، وهددوا بقتلهم إذا لم يغادروا بشكل دائم، ودمروا منازلهم ومدارسهم تحت غطاء القتال المستمر في غزة. فرّ العديد من الفلسطينيين، بما يشمل تجمعات سكانية بأكملها، من منازلهم وأراضيهم. لم يؤكد الجيش للسكان النازحين أنه سيحمي أمنهم أو يسمح لهم بالعودة، ما يجبرهم على العيش في ظروف خطيرة في أماكن أخرى.
قال بيل فان إسفلد، المدير المشارك لحقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش: "هجّر المستوطنون والجنود تجمّعاتٍ فلسطينية بأكملها ودمروا كل منزل فيها بدعم مفترض من السلطات الإسرائيلية. بينما يتركز اهتمام العالم على غزة، تتصاعد الانتهاكات في الضفة الغربية، التي تغذيها عقود الإفلات من العقاب ولامبالاة حلفاء إسرائيل".
حققت هيومن رايتس ووتش في الهجمات التي أدت إلى التهجير القسري لجميع سكان خربة زنوتا وخربة الرظيم جنوب الخليل، والقانوب شرق الخليل، وعين الرشاش ووادي السيق شرق رام الله، في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني. تُظهر الأدلة أن المستوطنين المسلحين، بمشاركة نشطة من وحدات الجيش، قطعوا الطرق بشكل متكرر وداهموا التجمعات الفلسطينية، واحتجزوا السكان واعتدوا عليهم وعذبوهم، وطردوهم من منازلهم وأراضيهم تحت تهديد السلاح أو أجبروهم على المغادرة تحت تهديدهم بالقتل، ومنعوهم من أخذ ممتلكاتهم.
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى 27 شاهدا على الهجمات، واطلعت على فيديوهات صورها السكان، تُظهر مضايقات من قبل رجال يرتدون الزي العسكري الإسرائيلي ويحملون بنادق حربية "إم 16" (M16). حتى 16 أبريل/نيسان، لم يكن الجيش الإسرائيلي قد أجاب بعد على أسئلة أرسلتها هيومن رايتس ووتش عبر البريد الإلكتروني في 7 أبريل/نيسان.
تصاعدت هجمات المستوطنين على الفلسطينيين عام 2023 إلى أعلى مستوى منذ أن بدأت "الأمم المتحدة" بتسجيلها عام 2006. كان هذا هو الحال حتى قبل الهجمات التي قادتها "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول وقتلت حوالي 1,100 شخص داخل إسرائيل.
بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، استدعى الجيش الإسرائيلي 5,500 مستوطن من جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، بينهم ذوو سجلات جنائية في العنف ضد الفلسطينيين، وعيّنهم في "ألوية الدفاع الإقليمي" في الضفة الغربية. وزعت السلطات 7 آلاف قطعة سلاح على عناصر هذه الفرقة وقوات أخرى، بما فيها "فرق الأمن المدنية" التي أُنشئت في المستوطنات، وفقا لصحيفة "هآرتس" ومنظمات حقوقية إسرائيلية. أفادت وسائل إعلام أن المستوطنين تركوا منشورات وأرسلوا تهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي للفلسطينيين بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، مثل تحذيرات تقول "اهربوا إلى الأردن" وإلا "[تعرضتم] للإبادة"، وأن "يوم الانتقام قادم".
سجلت الأمم المتحدة أكثر من 700 هجوم من قبل مستوطنين بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و3 أبريل/نيسان، وكان جنود يرتدون الزي العسكري موجودين في نصف الهجمات تقريبا. هجّرت الهجمات منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول أكثر من 1,200 شخص، بينهم 600 طفل، من التجمعات الرعوية الريفية. أفادت الأمم المتحدة أن 17 فلسطينيا على الأقل قتلوا وأصيب 400 آخرون، في حين قتل الفلسطينيون 7 مستوطنين في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
في 12 أبريل/نيسان، عُثر على جثة فتى إسرائيلي عمره 14 عاما بعد اختفائه من موقع ملاخي هاشالوم الاستيطاني المستحدث. ومنذئذ، هاجم المستوطنون ما لا يقل عن 17 قرية وتجمعا فلسطينيا في الضفة الغربية، وفقًا لـ "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا). وأفادت منظمة "ييش دين" الحقوقية الإسرائيلية أن أربعة فلسطينيين، بينهم صبي عمره 16 عاما، قُتلوا في هذه الحوادث، وأُحرِقت المنازل والمركبات، وقُتلت رؤوس ماشية.
وجدت هيومن رايتس ووتش أنه لم يتمكن من العودة أي شخص من أولئك الذين طُردوا من التجمعات الخمسة التي شملها التحقيق. أما الجيش الإسرائيلي، فإما رفض طلبات السماح للسكان بالعودة أو لم يجِب عليها، ما جعل الفلسطينيين بدون حماية من المستوطنين المسلحين والجنود ذاتهم الذين هددوا بقتلهم إذا عادوا. أُجبِرت عائلة لديها سبعة أطفال على الفرار سيرا من القانوب، وتعيش الآن في مستودع صغير مبني بحجارة إسمنتية بدون مال لدفع الإيجار.
قدّمت المنظمة الحقوقية الإسرائيلية "حقل: تضامن لحماية حقوق الإنسان" التماسا إلى "المحكمة العليا الإسرائيلية لإصدار تعليمات للجيش بحماية خمس تجمّعات من مخاطر التهجير بسبب عنف المستوطنين، وللسماح لعائلات خربة زنوتة بالعودة إلى أراضيها. زعم المدعي العام الإسرائيلي في 20 فبراير/شباط في رده أنه لم يحدث أي تهجير قسري في خربة زنوتة، وأن الفلسطينيين غادروا طوعا بسبب مشاكل الرعي والزراعة، بحسب منظمة حقل. الجلسة القادمة في القضية مقررة في 1 مايو/أيار.
كان السكان المهجّرون يربون الأغنام. قال بعضهم إن المهاجمين الإسرائيليين سرقوا مركبات وأموالا وأجهزة منزلية، بالإضافة إلى الأغنام والأعلاف التي اشترتها العائلات بالدين ولا يمكنها الآن سداد ثمنها. فرّت عائلات أخرى مع قطعانها لكنها اضطرت إلى بناء ملاجئ جديدة وليس لديها مكان لرعي الأغنام.
لاحقا، رعى المستوطنون أغنامهم في أراضي التجمعات المهجَّرة، وفقا لمجموعات حقوقية. أفادت منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية أنه حتى منتصف مارس/آذار، استولى المستوطنون على أكثر من 4 آلاف دونم من أراضي الرعي الفلسطينية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
تسببت هجمات المستوطنين المتكررة، والتي تحدث غالبا ليلا، بإثارة الخوف والأذى النفسي. قال الأطفال وأولياء أمورهم إن الأطفال يعانون من كوابيس وصعوبة في التركيز. دمرت الهجمات مدارس في اثنين من التجمعات الخمسة، ولم يتمكن معظم الأطفال من ارتياد المدرسة لشهر أو أكثر بعد تهجيرهم.
لدى الشرطة الإسرائيلية سلطة إنفاذ القانون على المستوطنين، في حين أن لدى الجيش سلطة على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، أصدر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير تعليمات للشرطة بعدم تطبيق القانون ضد المستوطنين الذين يرتكبون أعمال عنف، بحسب صحفي استقصائي إسرائيلي. نفت الشرطة صحة التقرير، لكن بن غفير لم يفعل ذلك. الغالبية الساحقة من الشكاوى الفلسطينية ضد المستوطنين والجيش الإسرائيلي لا تؤدي إلى توجيه اتهامات، بحسب البيانات الرسمية التي جمعتها ييش دين.
بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وزعت وزارة الأمن القومي آلاف الأسلحة على أشخاص منهم المستوطنون. في ديسمبر/كانون الأول، صرّح مكتب النائب العام أمام في "الكنيست" أنه توصل إلى أن الوزارة وافقت بشكل غير قانوني على 14 ألف تصريح للأسلحة النارية.
سمحت دول منها الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا بتصدير الأسلحة، بما فيها البنادق الهجومية والذخيرة، إلى إسرائيل. وافقت الولايات المتحدة على أكثر من 100 عملية نقل سلاح إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وصدّرت 8 آلاف بندقية حربية و43 ألف مسدس عام 2023 قبل أن تجمّد شحنة 24 ألف بندقية هجومية في ديسمبر/كانون الأول بسبب مخاوف من هجمات المستوطنين. قال مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية إنه "من شبه المؤكد" أن المستوطنين يستخدمون أسلحة أمريكية الصنع.
منذ ديسمبر/كانون الأول، أعلنت بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا إجراءات تأشيرات تمنع بعض المستوطنين الذين يرتكبون أعمال العنف من الدخول. فرضت بريطانيا والولايات المتحدة عقوبات مالية على ما مجموعه ثمانية مستوطنين وتجمّعين استيطانيَّيْن مستحدثين. ما تزال عقوبات "الاتحاد الأوروبي" قيد المناقشة، بسبب المقاومة الشديدة من قبل جمهورية التشيك وهنغاريا.
النقل القسري أو الترحيل والتدمير والاستيلاء الواسع على الممتلكات في الأراضي المحتلة هي جرائم حرب. القمع المنهجي والأفعال اللاإنسانية التي تمارسها السلطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، بما فيها جرائم الحرب، المرتكبة بهدف الحفاظ على هيمنة اليهود الإسرائيليين على الفلسطينيين تشكل الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد.
على الحكومات تعليق دعمها العسكري لإسرائيل نظرا لخطر التواطؤ في الانتهاكات. ينبغي لها أيضا مراجعة وربما تعليق الاتفاقيات الثنائية، مثل اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وحظر التجارة مع المستوطنات في الأراضي المحتلة. ينبغي لبريطانيا فورا أن تسحب "مشروع قانون النشاط الاقتصادي للهيئات العامة (المسائل الخارجية)"، الذي يقيد قدرة الهيئات العامة البريطانية على اتخاذ قرار بعدم التعامل مع الشركات العاملة في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية.
ينبغي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وغيرها من الدول اتخاذ إجراءات لضمان محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما يشمل التحقيقات والمحاكمات الجنائية بموجب الولاية القضائية العالمية وفي "المحكمة الجنائية الدولية". ينبغي أن يشمل ذلك المسؤولين بموجب مسؤولية القيادة عن عدم منع الجرائم المرتكبة من قبل أولئك الذين هم تحت إمرتهم أو المعاقبة عليها.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه بالإضافة إلى ذلك، على الدول النظر في فرض عقوبات على المسؤولين عن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على التجمعات الفلسطينية أو منع المهجّرين الفلسطينيين من العودة إلى أراضيهم، إلى أن ينهي الخاضعون للعقوبات الهجمات ويضمنوا عودة المهجّرين الفلسطينيين.
قال فان إسفلد: "رأى الأطفال الفلسطينيون عائلاتهم وهي تتعرض للمعاملة الوحشية، ومنازلهم ومدارسهم تُدَمر، والسلطات الإسرائيلية هي المسؤولة في نهاية المطاف. كبار المسؤولين في الدولة يؤججون هذه الهجمات أو لا يمنعونها، وحلفاء إسرائيل لا يفعلون ما يكفي لوقف ذلك".
التحقيق في الهجمات الإسرائيلية
***غُيِّرت الأسماء لحماية الأشخاص.
القانوب
أجبرت هجمات المستوطنين سكان القانوب، الواقعة على بعد 10 كيلومترات شرق بلدة سعير، قرب الخليل في جنوب الضفة الغربية، على الفرار مساء 9 أكتوبر/تشرين الأول، ولم يتمكن التجمع الذي يضم نحو 40 شخصا من العودة.
قالت سلمى (29 عاما) التي هربت مع زوجها سليم وأطفالهما السبعة، إنه بين 7 و9 أكتوبر/تشرين الأول، كان 10 إلى 12 مستوطنا بملابس مدنية، مسلحين بمسدسات وبنادق هجومية، يضعون الحجارة كل يوم لإغلاق الطريق الوحيد المؤدي إلى القانوب الذي يربطها ببلدة سعير.
الساعة 4:30 بعد ظهر 9 أكتوبر/تشرين الأول، وصل عشرات المستوطنين المسلحين. قال سالم: "ذهب البعض لأخذ الأغنام، وجاء تسعة منهم إلينا. كان معهم بنادق وسكاكين". أمرهم المستوطنون بالمغادرة خلال ساعة وإلا قُتلوا، وقال رجل إنه "سيقطع رقابنا، وأشار إلينا وإلى أطفالنا".
قال سالم إن عشرات الرجال، مع الكلاب، سرقوا واقتادوا 200 غنمة يملكها سليم ووالده نحو نقطة استيطانية مستحدثة. ركض هو وعدد من الجيران نحوهم، ولكن "بدا أن ذلك استفزّ [المستوطنين]". خشي والده أن يطلقوا النار وحذّر السكان بضرورة المغادرة. فر الرجال والنساء والأطفال في مجموعات مختلفة: "قلت لزوجتي أن تأخذ الأطفال وتهرب".
قالت سلمى إنها حملت طفلها البالغ من العمر 8 أشهر وسارت مع أطفالها الآخرين عبر أرض صخرية لأكثر من خمس ساعات في الظلام، حتى الساعة 10 ليلا، للوصول إلى منزل والديها.
سليم (35 عاما) ووالده (75 عاما) وأولاده جميعهم من مواليد القانوب. قال سليم: "حياتنا كلها كانت هناك". قال إنه مدين بمبلغ 18 ألف شيكل (حوالي 4,800 دولار) ثمن علف أغنام سرقه المستوطنون. تعيش الأسرة في مخزن بلا نوافذ، في بلدة مجاورة، دون دخل لدفع الإيجار.
قال سليم إن مستوطنين من تجمع استيطاني مستحدث يبعد 400 متر غرب القانوب بدأوا بمضايقة سكان القانوب قبل خمس سنوات. يبدو أن المستوطنين جاؤوا من الموقع المسمى بني كديم الشمالي. منع المستوطنون السكان من رعي أغنامهم، و"قطعوا الكهرباء، وقبل ثلاثة أشهر قطعوا المياه. حتى أنهم أخذوا الأنابيب". في ديسمبر/كانون الأول 2021، هاجم المستوطنون شقيقين في القانوب بالكلاب وصدموا أحدهما بمركبة رباعية الدفع، وفي فبراير/شباط 2022، هاجم المستوطنون والد الشقيقين (76 عاما)، ما أدى إلى كسر اثنين من أصابعه وجمجمته، بحسب بتسيلم.
وادي السيق
أدت هجمات شارك فيها مستوطنون مسلحون بملابس مدنية ووحدة تابعة للجيش الإسرائيلي إلى نزوح جميع العائلات الـ 30 – حوالي 180 شخصا، بينهم 90 طفلا – من وادي السيق، شمال شرق رام الله، في 12 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب شهادات السكان ومجموعات حقوقية وتقارير إخبارية إسرائيلية.
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تجمع المستوطنون يوميا عند مدخل الطريق المؤدي إلى التجمع. قال أبو حسن (46 عاما) إنه في الساعة 8 مساء في 11 أكتوبر/تشرين الأول، وصلت مجموعة من 8 إلى 10 رجال يرتدون زيا عسكريا، مسلحين ببنادق إم 16 وبعضهم ملثمون، في شاحنتين.
قال أبو حسن إن الرجال الذين يرتدون الزي العسكري دخلوا أولا خيام أبو نايف وأبنائه، ودمروا وسرقوا ممتلكات الأسرة، ثم فتشوا خيام الآخرين حتى الساعة 3 صباحا تقريبا.
لاحقا، صباح ذلك اليوم، قاد مستوطن محلي بارز، مسلح ويرتدي ملابس مدنية، مجموعة من الرجال المسلحين يرتدون زيا عسكريا ولا يحملون شارات أسماء وصلوا في سيارات مدنية لإغلاق طريق الوصول بينما كانت هناك مركبة عسكرية وسيارتا دورية للشرطة متمركزة في مكان قريب، حسبما قال أربعة من السكان.
قال السكان إن أربع مركبات تحمل جنودا، عرفوا بعضهم أنهم مستوطنون من هجمات سابقة، دخلت بعد ذلك وادي السيق. قال مروان م. (30 عاما) إن الجنود أخذوا هواتف السكان ومفاتيح سياراتهم وهوياتهم، وضربوا الناس ودخلوا الخيام، حيث كانت النساء والأطفال يحتمون، وألقوا ممتلكاتهم على الأرض.
قال المهاجمون إنهم سيطلقون النار على السكان إذا لم يغادروا خلال ساعة. قال أبو بشار: "قالوا لا يمكنك أن تأخذ معك أي شيء، وحتى السيارات ممنوعة". أفادت تقارير إخبارية أن نحو 30 شخصا أصيبوا في الهجوم.
دخل الجنود خيمة ريم ر. ودفعوها هي وأولادها، وأخذوا هواتفهم. قالت ريم: "ركلني رجل يرتدي الزي العسكري في مؤخرة رقبتي. قالوا اذهبوا إلى الوادي، وإذا رجعتم سنقتلكم". أثناء فرارها، رأت ريم ابنها البالغ من العمر 20 عاما الذي لديه حالة خلْقية في العظام وإعاقة جسدية، ملقى على الأرض، وأحد المستوطنين "يدوس على ظهره". قالت ريم إن النساء والأطفال، ومن بينهم اثنان من ذوي الإعاقات الجسدية، فروا إلى كهف، حيث احتموا لثماني ساعات بدون طعام أو ماء أو هواتفهم، حتى حوالي الساعة 8 مساء، ثم ساروا نحو بلدة الطيبة.
في هذه الأثناء، أجبر الجنود مروان م. وأبو حسن، ورجل ثالث هو نديم ن.، على الاستلقاء أرضا، وقيدوهم، وضربوهم، وركلوهم، كما ضربوهم بأعقاب بنادقهم، حسبما قال الرجال. وصلت مجموعة أخرى من الجنود وغادرت، ووصلت سيارة مدنية تقل رجالا يرتدون الزي العسكري. سحب الجنود الرجال الثلاثة إلى حظيرة للأغنام، وعصبوا أعينهم وجردوهم من ملابسهم الداخلية، واستبدلوا الرباط الذي كان على معصمي أبو حسن بسلك معدني مؤلم، وضربوا الرجال وركلوهم لأكثر من ساعتين في الرأس والوجه. حرقوا نديم ن. بالسجائر. قال مروان م. إنه فقد وعيه. نشر المهاجمون صور الرجال على الإنترنت.
قال أبو حسن: "تناوبوا على ضربنا، مرارا، وهو يهددونا قائلين: عندما تموت، لن تتمكن زوجتك من إطعام أطفالك". تبول أحدهم عليه، وركله آخر في صدره وبطنه وأعضائه التناسلية. قال أبو حسن: "كنت أصرخ من الألم. بعد ذلك أحضر مقبض مكنسة وقفز على ظهري وضربني بها وحاول إدخالها في شرجي".
قال أبو حسن إن المهاجمين سرقوا ثلاثة هواتف ومبلغ 2,700 شيكل (حوالي 700 دولار) من الرجال الثلاثة، بالإضافة إلى ممتلكات أخرى. في المساء، وصل مسعف عسكري إسرائيلي برفقة جنود آخرين. قال مروان م.: "أعطوني الغلوكوز واعتذروا. أخبرناهم كيف سرقوا سياراتنا وهواتفنا وأموالنا وكل شيء، وأصرينا على أن يستعيدوا أغراضنا، لكنهم لم يستجيبوا [لطلباتنا]". نُقل هو وأبو حسن إلى المستشفى.
قالت ريم ر. إنه بعد حوالي خمسة أيام، رافقت السلطات الإسرائيلية في سيارتَيْ شرطة بعض السكان للعودة لمدة ساعتين لاستعادة ممتلكاتهم. قالت إنه فُقدت ممتلكات هي فرشات وبطانيات وملابس ومعدات كهربائية وثلاجة ومقطورة سيارة و250 دجاجة وعلف أغنام بقيمة 35 ألف شيكل (حوالي 9,400 دولار) تم شراؤها بالدين. قال أبو بشار إن وثائق السكان الآخرين، بما فيها شهادات الميلاد والزواج، احترقت أو فُقدت، كما سُرقت سيارتان وخزانات مياه وحمير ودجاج و13 خروفا، ودمرت منازلهم.
قال السكان إنهم قدموا شكوى إلى مركز الشرطة في مستوطنة بنيامين لكنهم لم يسمعوا شيئا منذ ذلك الحين. طلب الجيش من رجلين تقديم شكاوى.
أفادت هآرتس أن الجنود المشاركين في الهجوم كانوا جزءا من "وحدة حدود الصحراء" التابعة للجيش، التي تجند سكان المواقع الاستيطانية المستحدثة، بينهم مستوطنون ذوو سجلات جنائية. أفادت هآرتس أن الجيش أقال القائد في أكتوبر/تشرين الأول ردا على تقارير حول الهجوم، وفي ديسمبر/كانون الأول طرد خمسة جنود مقاتلين، وجمّد عمليات الوحدة بعد حوادث عنف إضافية. ليس لدى هيومن رايتس ووتش علم بمحاكمة أي شخص على صلة بالأحداث.
في ديسمبر/كانون الأول، أصدر الجيش الإسرائيلي أمرا بمنع زعيم المستوطنين من دخول معظم أنحاء الضفة الغربية لثلاثة أشهر. استأنف المستوطن البارز الأمر. فرضت الولايات المتحدة عليه عقوبات في مارس/آذار.
تعيش ريم ر. وعائلتها في خيمة قرب الطيبة. ظل أطفالها خارج المدرسة لأكثر من شهرين. بعد الهجوم، دُمرت المدرسة في وادي السيق، التي افتتحت في العام 2017 وكان فيها أكثر من 100 طالب في الصفوف من الأول إلى الثامن، بينهم أطفال من التجمعات المجاورة.
نزحت هذه العائلات سابقا خلال حرب عام 1948 من أراضٍ أصبحت اليوم جزءا من إسرائيل. بين 2010 و2023، أصدر الجيش الإسرائيلي أوامر هدم 110 مبان في التجمع، بما فيها المدرسة، بحجة افتقارها إلى تصاريح بناء، والتي يكاد يستحيل على الفلسطينيين الحصول عليها.
قال السكان إن المستوطنين بدأوا برعي الأغنام على أراضي التجمع والتضييق على السكان في فبراير/شباط 2023. في 3 أغسطس/آب، ضرب المستوطنون أطفالا وشبابا بالعصي وحاولوا سرقة أغنامهم. اعتقل الجيش ثلاثة رجال منعوا السرقة، واحتجز كريم ك. (35 عاما)، بتهمتي الاعتداء ومقاومة الاعتقال، والتي قال عمه إنهما ملفقتان. أُطلق سراحه في فبراير/شباط بكفالة وضمانة طرف ثالث.
خربة الرظيم
بين 14 و23 أكتوبر/تشرين الأول، نزح جميع سكان خربة الرظيم في جنوب الضفة الغربية، وهم 50 شخصا تقريبا، في أعقاب هجمات نفذها مسلحون يرتدون الزي العسكري، تعرف عليهم السكان على أنهم مستوطنون من هجمات سابقة، يرافقهم جنود لم يتعرف عليهم السكان.
قال سكان سابقون إن المستوطنين بدأوا يعتدون عليهم منذ 2021 عبر إتلاف المحاصيل ومداهمة المنازل ليلا.
في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، جاء الجنود وحذّروهم من مغادرة منازلهم أو رعي خرافهم، وأغلقوا جميع الطرقات. في 8 أكتوبر/تشرين الأول، داهم مستوطنون منزل غسان ج. (50 عاما) وزوجته فرح (44 عاما) وأطفالهما الثلاثة تحت سن الـ 18، ودمروا خزانَيْ مياه وحطّموا ألواح الطاقة الشمسية بالحجار.
قالت فرح إنه عند الساعة 10 ليلا في 12 أكتوبر/تشرين الأول، قام خمسة رجال ملثمين ومسلحين يرتدون الزي العسكري بإجبار ثلاث عائلات على دخول خيمة غسان، وجرّ والد غسان الذي كان يسير بصعوبة، وتوجيه بندقية إم 16 إلى رأسه. أفاد غسان بأن أحد الرجال قال لهم: "لديكم 24 ساعة للمغادرة، وإلا قتلناكم وأخذنا خرافكم". ثقب المهاجمون خزانات مياههم وقطعوا أنابيب الغاز والمياه. وقال غسان إنه اتصل بوكالة إغاثة وببلدية السموع القريبة ليطلب المساعدة على الإخلاء، لكنهم أجابوه أن ليس بإمكانهم التنسيق مع الجيش الإسرائيلي.
في ليل 13 أكتوبر/تشرين الأول، اقتحم منزل العائلة مجددا جنود ملثمون ومسلحون عرفت فتاة، من أصواتهم، أنهم "مستوطنون أصبحنا معتادين عليهم"، وهددوهم وأمروهم بتسليم هواتفهم. وعرضت الفتاة، التي خبأت هاتفها وآلة التصوير، على هيومن رايتس ووتش فيديوهات لهجمات سابقة للمستوطنين.
قال أفراد من عائلة غسان الموسعة إنه، بينما كانوا يهمّون بالمغادرة في 14 أكتوبر/تشرين الأول، عاد المستوطنون وأجبروهم على الانبطاح أرضا، وأخذوا يضربونهم ويركلونهم ويهددونهم بالقتل. هربت العائلة إلى بلدة السموع، التي تبعد 15 كيلومتر، مع 220 خروفا، وبعض الألواح الشمسية، والمعدات، والأفرشة. لاحقا، صوّر أحد الجيران مستوطنا يجرف منزلهم.
اضطر غسان إلى بناء مأوى لخرافه على أطراف بلدة السموع، بتكلفة 50 ألف شيكل (13,300 دولار أمريكي)، وشراء العلف. في السابق، كانت الخراف ترعى أرضا مساحتها 30 دنما.
كانت أسرة أبو أ. (76 عاما) وزوجته لانا وأطفالهما الخمسة تحت سن الـ 18، بالإضافة إلى أبنائهم البالغين وعائلاتهم، يعيشون في مكان قريب. في 8 أو 9 أكتوبر/تشرين الأول، دخل رجال منزل العائلة، عرف أبو أ. أنهم مستوطنون من موقع متقدم يتبع لمستوطنة أسائيل، وهددوهم إما أن يرحلوا أو "نقطع رقابكم". في 11 أكتوبر/تشرين الأول، وجدت العائلة أحد خرافها مذبوحا بالقرب من باب المنزل. قال أبو أ. إن المستوطنين حطموا الألواح الشمسية الساعة 11 ليلا في 12 أو 13 أكتوبر/تشرين الأول.
في 16 أكتوبر/تشرين الأول، عند الساعة 9 مساء، وصل خمسة رجال مسلحين، أحدهم يرتدي زيا عسكريا ويحمل بندقية إم16، إلى منزل أبو أ. قال: "دفعوني أرضا، والشخص الذي يرتدي الزي العسكري ركلني في معدتي، وضربني بعقب بندقيته على جبيني". ثقب الرجال خزان مياه، وهددوهم قائلين إن عليهم الرحيل قبل 21 أكتوبر/تشرين الأول "وإلا أحرقناكم". اختبأت لانا في الداخل مع زوجة ابنها وبناتها، بينهن أنان (8 سنوات). قالت أنان إنها كانت خائفة جدا: "كنتُ مختبئة في الخزانة وأشاهد ما يحصل من ثقب المفتاح".
قال إياد، ابن أبو أ.، إنه، في 20 أكتوبر/تشرين الأول، احتجزته مجموعة جنود إسرائيليين يلبسون الزي العسكري مع ثلاثة من أشقائه. وأضاف أن بعض الجنود ضربوهم وداسوا عليهم، وهددوهم وأمروهم بالرحيل، بينما كان الباقون "جالسين جانبا".
في 21 أكتوبر/تشرين الأول، عند الظهيرة، وبينما كانت العائلة تهم بالرحيل مع ممتلكاتها، قام ثلاثة جنود يحملون بنادق إم 16 بعصب عينَيْ إياد وتكبيل يديه بسلك بلاستيكي. قال إياد إنه تعرض للضرب على رأسه بأعقاب البنادق، ثم اقتيد إلى موقع استيطاني مستحدث ثم إلى مستوطنتين، وفي النهاية إلى قاعدة عسكرية في مستوطنة عتنائيل. أُطلق سراحه الساعة 10 ليلا، بعد مجيء الشرطة إلى المستوطنة. يظهر في صورة التُقطت في 22 أكتوبر/تشرين الأول الورم في يدَيْ إياد، وعلامات واضحة على معصميه تتفق مع آثار القيود البلاستيكية.
قال أبو أ.، الذي لديه 11 أخا وأختا، إن عائلته كانت تملك أرضا مساحتها 600 دونم في المنطقة، حيث وُلد عام 1947. عائلته الآن في السموع، لكنه لا يستطيع رعي قطيعه، ما اضطره إلى بيع 100 رأس من خرافه. في السابق، كان قد باع أبقاره الست بعدما منعه الجيش الإسرائيلي من الوصول إلى مرعاها. وقال: "نحن مديونون، ليس لدينا أي مدخول".
أُجبر ثلاثة أشقاء، من فرع مختلف من العائلة، على المغادرة على يد جنود تعرف عليهم السكان على أنهم مستوطنون. قال أيمن أ. (43 عاما)، أحد الأشقاء، إن مستوطنين يرتدون سراويل الزي العسكري، ويقودون جرافة وسيارتين، هددوه وزوجته وأطفالهما السبعة أكثر من مرة، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، قائلين إن عليه المغادرة "وإلا أحرقناكم".
في 23 أكتوبر/تشرين الأول، أطلق جنود يرتدون الزي العسكري، قال إياد إنهم مستوطنون، الرصاص من بنادق إم 16 في الهواء "وطرحونا أرضا". قال هو وشقيقاه محمد وعامر إن المستوطنين ضربوهم وداسوا على ظهورهم. حوالي الساعة 9 ليلا، هرب الأشقاء وعائلاتهم إلى السموع، لكنهم اضطروا إلى ترك الأثاث وتجهيزات المنزل وراءهم.
تقيم زوجاتهم وأطفالهم في منزل أحد الأقارب في السموع، بينما يبقى الأشقاء، وأبناؤهم الأكبر سنا، بالقرب من المأوى الذي بنوه لخرافهم الـ 150. قال أيمن: "كلفت الجرافة لتسوية الأرض 8 آلاف شيكل [2100 دولار]"، وآلاف أخرى لمواد البناء. تحتاج الخراف، المقطوعة عن المراعي، إلى 125 كيلوغرام علف يوميا.
في أعقاب 7 أكتوبر/تشرين الأول، تحولت المدارس في المنطقة إلى التعليم عبر الإنترنت بسبب القيود التي فرضتها إسرائيل على التنقل. قال أحد أفراد العائلة إن خمسة أطفال فقط، من أصل 23 طفلا في سن الدراسة في العائلة الموسعة، يملكون أجهزة أو هواتف تمكّنهم من متابعة الدروس. فتحت بعض المدارس أبوابها مجددا في منتصف ديسمبر/كانون الأول.
خربة زنوتة
قابلت هيومن رايتس ووتش أفرادا من عائلة س. وعائلة ن. الموسعتين، اللتين هربتا من خربة زنوتة، في جنوب الضفة الغربية، في 1 نوفمبر/تشرين الثاني جراء هجمات المستوطنين. نزح جميع السكان، الذين يتخطى عددهم الـ 140.
قال صالح س. (38 عاما) وزوجته وأطفاله الأربعة، بين سن 5 و11، إن عائلاتهم تعيش في خربة زنوتة "من أيام أجدادنا". أقام المستوطنون موقعا متقدما قريبا قبل ثلاثة أعوام، وهم يضايقون السكان منذ ذلك الحين. قال صالح إنه بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، "دخلوا منزلنا، وهم يشتموننا، ويضايقون الأطفال، ويصرخون في وجههم. تكرر الأمر يوما بعد يوم، إن لم يكن في الصباح، ففي الليل".
قالت عبير (45 عاما)، شقيقة صالح، إنه في 7 أكتوبر/تشرين الأول جرف المستوطنون وأغلقوا مدخل الطريق المؤدية إلى خربة زنوتة من الضهيرية، التي تبعد ثمانية كيلومتر. وفي الأسابيع التالية، أخذ المستوطنون يرمون الحجارة ليلا على أسقف المعدنية لمنازلهم. قال سامي (53 عاما)، شقيق صالح، "لم نتمكن من النوم على مدى 10 أيام". كان يسكن في مكان قريب مع زوجته وأطفالهما الثلاثة، اثنان منهم تحت سن الـ 18. حطّم المستوطنون ألواح الطاقة الشمسية ونوافذ منزل صالح وسيارات العديد من السكان.
في 31 أكتوبر/تشرين الأول، جاء ستة مستوطنين مسلحين في سيارة رباعية الدفع إلى منزل محمود (42 عاما) شقيق صالح، وزوجته وأطفالهما الثلاثة، بين سن الثانية والتاسعة. قال محمود إنهم احتجزوه وضربوه. أضاف: أخذوا يخنقونني، اعتقدت أنهم سيقتلونني. ضربوني ببنادق إم 16 في جميع أنحاء جسدي، على ظهري، على ذراعيّ. شتموني وهددوا عائلتي، بالعربية والعبرية. طرحوني أرضا، وكانت أشواك الصبار عالقة في جسمي".
قال صالح ومحمود إنهما تعرفا على قائد المستوطنين الذي هدد السكان إذا لم يغادروا بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول. وأضافا أن هذا الرجل كان يحمل في السابق بندقية إم 16 أو مسدسا، وقاد مستوطنين قطعوا أنابيب المياه، وثقبوا الخزانات، واستخدم طائرة مسيّرة لتخويف خراف العائلة. في 1 نوفمبر/تشرين الثاني، هربت العائلة الموسعة. قال سامي إن مستوطنين يحملون بنادق إم 16 "رموا الحجارة علينا حتى عندما كنا نغادر". وقالت شقيقته عبير: "أخذنا الألواح الشمسية، والخراف، وأدوات المطبخ"، لكنهم اضطروا إلى ترك كل ما عدا ذلك. اضطرت العائلة إلى إطلاق 100 حمامة كانت تملكها. استأجرت ثلاث شاحنات كبيرة لنقل 300 خروف، بتكلفة حوالي 3,200 شيكل (نحو 854 دولار أمريكي).
دفعت العائلة 60 ألف شيكل (16 ألف دولار) لبناء مأوى جديد للخراف، لكن في غياب إمكانية الوصول إلى أرضها، بما في ذلك أربعة خزانات مياه، لا يمكنها تحمل تكاليف القطيع. بنى الأشقاء الثلاثة غرفا يسكنون فيها، غرفة لكل عائلة، في حقل قرب الضهيرية. قال صالح: "لا أستطيع أن أنام، لا أستطيع أن آكل. فرضوا علينا نكبة".
كان منير وسارة ن.، كلاهما في عمر 38 سنة، يعيشان مع أطفالهما التسعة في جزء آخر من خربة زنوتة. بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول بأيام، جاء المستوطنون الساعة 7 صباحا، في شاحنتين مسلحين ببنادق هجومية، برفقة جنود، فضربوا ستة من جيران منير، وهددوهم بإطلاق النار عليهم. وحطم المستوطنون نوافذ شاحنة "ميتسوبيشي" تعود لأحد الجيران ونوافذ منازل قريبة.
وبعدها بيومين، عند الساعة 10 ليلا، عاد المستوطنون والجنود. قالت سارة إن رجلا رمى قنبلة صوتية داخل منزل العائلة، حيث كان ينام الأطفال. وقالت ابنتها يارا (13 عاما): "رمى الجنود قنبلة صوتية قربنا وخفت كثيرا". وأضاف منير: "الأسلحة ترعب الأطفال الصغار، وكنا خائفين على حياتهم".
بعد أيام، عند منتصف الليل، وصل ثمانية أو تسعة مستوطنين، برفقة آلية عسكرية نزل منها ثلاثة جنود. اعتدى المستوطنون على أربع عائلات تسكن قرب المكان، وضربوا منير بأعقاب البنادق، وهددوهم قائلين: "لديكم 24 ساعة للمغادرة، وإلا أحرقناكم". في اليوم التالي، استأجرت العائلة شاحنات بتكلفة 2,100 شيكل (حوالي 550 دولار) لنقل ماشيتهم، التي تأوي الآن في مبنى غير مكتمل.
قال منير إنه بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، أطلق المستوطنون طائرات مسيرة فوق القطيع المحبوس، المؤلف من 250 خروفا، ما تسبب بخوفها فداست بعضها على بعض، وماتت 10 خراف.
قال منير: "جميعنا مديونون. إذا كان بإمكان أحد تأمين سلامة أطفالي وحمايتهم من المستوطنين، فسنعود [إلى منزلنا]". في 31 يناير/كانون الثاني، صوّر نشطاء حقوقيون المستوطنين وهم يسيّجون أراضي خربة زنوتة.
كان أطفال سارة يرتادون المدرسة في خربة زنوتة قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكن منذ ذلك الحين، انتقلت المدارس إلى التعليم عبر الإنترنت "وليس لدينا أجهزة إنترنت".
قال مسؤول تربوي إن المدرسة كانت تضم 27 تلميذا، من الروضة إلى الصف السادس. وقد أُحرقت في هجوم متعمد في 20 نوفمبر/تشرين الثاني. وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني، صوّرها أحد أعضاء بتسيلم ونشر الصور والفيديوهات على الإنترنت. لاحقا، جُرفت المدرسة التي كانت قد شُيِّدت بدعم إنساني من الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، ودول أوروبية أخرى.
كان صف الروضة في المدرسة مدعوما، وتكلفته على الأهل 150 شيكل (حوالي 40 دولار) في السنة. قالت ناديا (4 أعوام) التي كانت في صف الروضة في المدرسة: "رأيتها مشتعلة [على منصات التواصل الاجتماعي]. كلها. حزنت وبدأت أصرخ. كنت ألعب بأدوات الدكتور، وأدوات المطبخ، والعرايس، وباربي". لا تستطيع عائلة ناديا تحمّل كلفة الروضة في المنطقة التي نزحت إليها، التي تبلغ 200 شيكل (حوالي 53 دولار) في الشهر.
قال المسؤول التربوي إن مسؤولي المدرسة يقدمون، بالتعاون مع المجتمع المدني، برامج دعم نفسي- اجتماعي، وعيادة صحية أسبوعية، واشتروا سماعات طبية لأحد التلاميذ. وأضاف: "خسر التلاميذ الكثير بخسارة مدرستهم".
عين الرشاش
بحسب السكان وتقارير إخبارية، هربت جميع العائلات الثماني التي كانت تعيش في عين الرشاش في 13 أكتوبر/تشرين الأول خوفا من عنف المستوطنين، كما نزحت العائلات البدوية في المنطقة، في الأسبوع نفسه، بعد تلقيهم تهديدات.
منذ 2010، أصدر الجيش الإسرائيلي أوامر بهدم 73 مبنى في عين الرشاش. بدأ المستوطنون بالتضييق على السكان في 2014، بعد إنشاء موقع للرعي اسمه "ملائكة السلام" في قاعدة عسكرية قديمة، يقودهم مستوطن يعرفه السكان باسمه الأول.
قال وسام و. (25 عاما) إن الرجال أنفسهم ظهروا في 8 أكتوبر/تشرين الأول يرتدون الزي العسكري ويحملون بنادق إم 16، وقطعوا الطريق على السكان. في 11 و12 أكتوبر/تشرين الأول، قتل مستوطنون ستة فلسطينيين في قصرة، التي تبعد نحو 10 كيلومتر عن عين الرشاش. قال عمر (33 عاما)، شقيق وسام، إنه في 13 أكتوبر/تشرين الأول، قرر جميع السكان "المغادرة للحفاظ على سلامتنا وكرامتنا" خوفا من هجوم قاتل. اصطحب عمر زوجته وأطفاله الستة، ومشوا إلى بلدة المغاير المجاورة.
في 27 أكتوبر/تشرين الأول، اصطحب ناشطان حقوقيان إسرائيليان عمر إلى عين الرشاش بالسيارة، على أمل استرجاع بعض ممتلكاته. قال إنه تبين له فقدان 18 خيمة، ومقطورة، وأدوات كهربائية، وألواح طاقة شمسية، وعلف للخراف بقيمة 150 ألف شيكل (حوالي 40 ألف دولار). قال وسام وأحد الناشطين إن سبعة مستوطنين يرتدون ملابس مدنية جاؤوا سيرا على الأقدام وضربوهم وركلوهم.
قال بعض السكان إن الشرطة الإسرائيلية في مستوطنة بنيامين لم تسمح لهم بتقديم شكاوى إلا إذا جاؤوا شخصيا لتقديمها، لكنهم رفضوا ذلك لأن الشرطة كانت قد احتجزتهم سابقا واستجوبتهم بشأن شكاوى كاذبة قدمها المستوطنون.
هرب جدّا عمر إلى الضفة الغربية في 1948 كلاجئين من الأراضي التي أصبحت اليوم إسرائيل. تستأجر العائلة اليوم منزلا من سبع غرف في المغاير، لـ 35 شخصا. لا يمكنهم رعي قطيعهم.