(جنيف) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن جميع ضحايا الانتهاكات الحقوقية الجسيمة في فلسطين وإسرائيل يستحقون التعويضات. قدمت هيومن رايتس ووتش في 26 يونيو/حزيران توصيات إلى المقرِّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967. وكانت المقررة، فرانشيسكا ألبانيزي، قد دعت إلى تقديم مساهمات في تقريرها الذي سترفعه في أكتوبر/تشرين الأول 2024 إلى "الجمعية العامة للأمم المتحدة" بشأن القتال المستمر.
بموجب القانون الدولي، يقع على عاتق الحكومات المسؤولة عن الانتهاكات توفير سبل انتصاف فعالة لمعالجة الانتهاكات الحقوقية، تشمل الحقيقة، والعدالة، والتعويض، وإحياء الذكرى، وضمان عدم تكرار ما حصل. تتحمل الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة أيضا مسؤوليات تقديم التعويضات. ينبغي أن تركز عمليات التعويض على حقوق الضحايا، وأن تُنفّذ بعد إجراء مشاورات هادفة وفعالة معهم. وينبغي للدول الأخرى التي دعمت هي أو شركاتها طرفا أو آخر المساهمة في التعويضات، وينبغي لجميع الدول الأخرى الضغط على أطراف النزاع للالتزام بتقديم التعويضات.
قال كلايف بالدوين، مستشار قانوني أول في هيومن رايتس ووتش: "على أطراف النزاع إصلاح الضرر الذي ألحقته بالضحايا في القتال المستمر. ينبغي للحكومات الداعمة لإسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة استخدام نفوذها لوقف أي انتهاكات إضافية، وضمان تلقي الضحايا والناجين تعويضات مجدية".
طلبت ألبانيزي من المجتمع المدني والأكاديميين والحكومات وآخرين تقديم مساهماتهم بشأن تقريرها القادم، الذي سيبحث "كيف أثرت سياسات وممارسات إسرائيل بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول على حقوق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية (منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، وغزة (منذ 1 مارس/آذار 2024، والذي يمثل نهاية الفترة المشمولة بالتقرير الأخير)".
هاجمت القوات الإسرائيلية على نحو غير قانوني المباني السكنية والمرافق الطبية وعمال الإغاثة، واستخدمت التجويع سلاحَ حرب في قطاع غزة، الذي عانى من عدد هائل من الوفيات بلغ 37,600 قتيل. قيّدت إسرائيل واردات المساعدات إلى غزة وكذلك عمليات الإجلاء الطبي، ما تسبب في عواقب وخيمة على الجرحى، والنساء والفتيات في مرحلة الولادة، والأشخاص ذوي الإعاقة والحالات الصحية المزمنة، وغيرهم ممن لا يتلقون عناية صحية مناسبة أو أي رعاية. اعتقلت السلطات الإسرائيلية آلاف الفلسطينيين وأساءت معاملتهم، مع استمرار التقارير عن التعذيب.
في قطاع غزة، هجّرت القوات الإسرائيلية غالبية السكان، بسبلٍ شملت أوامر الإخلاء غير القانونية، ودمّرت غالبية المنازل والمدارس والمستشفيات والأراضي الزراعية وغيرها من البنى التحتية المدنية، مع اضطرار الكثيرين إلى العيش في ظروف غير آمنة وغير صحية. وفي الضفة الغربية، حيث قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 500 فلسطيني، هجّرت السلطات الإسرائيلية قسرا مجتمعات فلسطينية بأكملها. تحدث هذه الانتهاكات في ظل تسريع السلطات الإسرائيلية التوسع الاستيطاني غير القانوني، وإخضاع السجناء الفلسطينيين لظروف متدهورة، واستمرار ارتكاب الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد بحق الفلسطينيين.
قتلت الفصائل الفلسطينية المسلحة في 7 أكتوبر/تشرين الأول أكثر من 800 مدني في جنوب إسرائيل، وأساءت معاملة من اعتقلتهم، ومارست العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي، واحتجزت 251 رهينة، ودمرت المنازل، وواصلت إطلاق الصواريخ العشوائية على التجمعات السكانية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية المسلحة وقف جميع الانتهاكات، وضمان عدم تكرارها، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمعالجة الضرر الذي تسببت فيه.
ينبغي للسلطات الإسرائيلية على وجه الخصوص ضمان قدرة الجرحى الفلسطينيين الذين يحتاجون إلى العلاج الطبي وإعادة التأهيل على مغادرة غزة لتلقيه وضمان حقهم في العودة.
وينبغي لإسرائيل أيضا أن تضمن الدعم المالي وغيره من أشكال الدعم والتعاون لإعادة بناء غزة، ودعم عودة الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجّروا منها في الضفة الغربية. قالت هيومن رايتس ووتش إن على إسرائيل توفير التعويضات عن طريق رفع الحظر المفروض على عودة الفلسطينيين بشكل دائم إلى مجتمعاتهم السابقة في الأراضي التي تشكّل الآن إسرائيل. وينبغي تقديم تعويضات مالية لجميع الفلسطينيين عن الضرر الذي لحق بهم من الجرائم المرتكبة ضدهم، بما في ذلك الضرر الجسدي والنفسي والاقتصادي.
على إسرائيل دعم حصول الناجين على الحقيقة من خلال السماح بزيارات محققين حقوقيين مستقلين، والامتثال لأمر "محكمة العدل الدولية" بمنح هيئات تقصي الحقائق والتحقيق إمكانية الوصول بدون عوائق إلى غزة، ووقف الجهود التي، بحسب تقارير، تهدف إلى تقويض تحقيق المدعي العام لـ "المحكمة الجنائية الدولية".
من جانبها، على الفصائل الفلسطينية المسلحة وحماس إطلاق سراح الرهائن المدنيين فورا، وضمان المساءلة، وتقديم التعويضات إلى أسر الضحايا والناجين من الهجمات غير القانونية وغيرها من الانتهاكات الجسيمة في إسرائيل، بحسب هيومن رايتس ووتش.
وينبغي لجميع الأطراف جعل التشريعات والأوامر العسكرية متوافقة مع القانون الدولي. على سبيل المثال، ينبغي لإسرائيل أن تؤكد قابلية تطبيق القانون الدولي على التزاماتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتفكيك جميع أشكال القمع والتمييز المنهجيَّيْن، بما في ذلك القوانين والسياسات التي تنتهك الحظر على الفصل العنصري والاضطهاد.
وينبغي للدول الثالثة التي وفّرت أسلحة هجومية إلى طرفي النزاع رغم معرفتها بالانتهاكات الحقوقية الجسيمة – ومنها ألمانيا، وإيران، وإيطاليا وبريطانيا، والولايات المتحدة باعتبارها أكبر مورد للأسلحة – المساهمة في التعويضات. على البلدان الأصلية للشركات التي ساهمت في الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة أو استفادت منها أن تضمن أيضا تعويضات عن دور الشركات في الانتهاكات. ينبغي للحكومات أن تلتزم بدعم ومساعدة الفلسطينيين على العودة إلى مجتمعاتهم في غزة والضفة الغربية وإسرائيل، وينبغي للدول الثالثة وغيرها دعم التعويضات حسب الحاجة.
ويمكن أن تشمل التعويضات اعتذارات كاملة من إسرائيل والولايات المتحدة وحماس و"الجهاد الإسلامي"، فضلا عن إجراء تحقيقات في الجرائم الفظيعة في فلسطين وإسرائيل ومحاسبة المسؤولين عنها.
قال بالدوين: "من الضروري ضمان إجراء مشاورات هادفة وفعالة مع الضحايا الفلسطينيين والإسرائيليين لأي مناقشات مستقبلية بشأن التعويضات، إذ يجب أن تتمحور التعويضات حول حقوقهم".