بعد أقل من عام من اكتشاف هيومن رايتس ووتش ارتكاب حرس الحدود السعوديين عمليات قتل واسعة النطاق ومنهجية للمهاجرين الإثيوبيين على امتداد حدود السعودية مع اليمن، يبدو أن الولايات المتحدة تعتزم رفع الحظر الذي فرضته منذ سنوات على مبيعات الأسلحة الهجومية إلى المملكة.
سيُرفع الحظر رغم غياب المحاسبة على جرائم الحرب التي ارتكبتها السعودية لسنوات في اليمن، والجرائم المحتملة ضد الإنسانية على الحدود اليمنية السعودية، وما خلص إليه تقرير استخباراتي أمريكي يفيد بموافقة محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد، على قتل الصحفي جمال خاشقجي. سيُثبت ذلك للقيادة السعودية أنها قادرة على الإفلات من جريمة القتل دون عقاب.
نشأ الحظر المفروض على مبيعات الولايات المتحدة للأسلحة الهجومية إلى السعودية من وعد قطعته حملة جو بايدن الانتخابية بـ"التأكد من عدم إلقاء أمريكا لقِيَمها في مهب الريح بهدف بيع الأسلحة أو شراء النفط"، في إشارة إلى الحرب التي تدعمها السعودية في اليمن.
نشرنا الصيف الماضي تقريرا يُفصّل الجرائم المروعة التي ارتكبها حرس الحدود السعوديون ضد المهاجرين الإثيوبيين العُزَّل. من بين الأدلة الكارثية، أخبرنا صبي (17 عاما)، كيف نجا من هجوم بالأسلحة المتفجرة على الحدود بين السعودية واليمن. قال إنه أثناء اقترابه من الحدود برفقة مجموعة كبيرة من المهاجرين، أطلق حرس الحدود السعوديون النار عليهم بقاذفات الصواريخ.
وصف أيضا رؤيته لأشلاء المجموعة التي معه – ومعظمهم من النساء والأطفال – متناثرة في أنحاء الجبل. نجا من الهجوم بمعجزة، لكن اعترضه حرس الحدود السعودي لاحقا. وجد صعوبة في إخبارنا بما حصل بعد ذلك. قال إن حرس الحدود أجبروه على اغتصاب ناجية أخرى (15 عاما). شاهد حرس الحدود يُعدمون بإجراءات موجزة رجلا رفض اغتصاب الناجية فلم يعد لدى الفتى سوى الاختيار بين اغتصاب الناجية أو الموت.
الأخبار المتعلقة بقتل حرس الحدود السعوديين لمهاجرين غير مسلحين أرعبت الناس من البرازيل إلى كوريا الجنوبية. أشار إليها دبلوماسيون وسياسيون علنا، ودعا بعضهم إلى إجراء تحقيق مستقل. تحدث أكبر مسؤول في مجال حقوق الإنسان لدى "الأمم المتحدة" في كلمته الافتتاحية في جلسة "مجلس حقوق الإنسان" في سبتمبر/أيلول عن عمليات القتل هذه. أعلنت الولايات المتحدة وألمانيا إنهاءهما التدريب والدعم المالي لقوة حرس الحدود السعودية.
رغم مرور عشرة أشهر، لم يتوقف الزخم بقدر ما اتخذ مسارا عكسيا. وما زاد الأمر سوءا قدوم هذا وسط أنباء تفيد بعزم الولايات المتحدة استئناف مبيعات الأسلحة الهجومية إلى المملكة.
لم تتحقق العدالة أو المساءلة عن عمليات القتل التي وثقناها، رغم موجة القلق الأولية التي أبداها المجتمع الدولي، ولا دليل على انحسار عمليات القتل. ليست هذه المرة الأولى التي تنجح فيها السعودية في تفادي المساءلة عن الجرائم الجسيمة.
بين 2015 و2022، تسببت الغارات الجوية للتحالف بقيادة السعودية في اليمن في سقوط قرابة 20 ألف ضحية بين المدنيين. وثقت هيومن رايتس ووتش لسنوات استخدام التحالف بقيادة السعودية لأسلحة أمريكية في بعض هجماته غير القانونية الأكثر تدميرا على المدنيين في اليمن، بما في ذلك هجومان على سوق وجنازة في 2016 أسفر كل منهما عن مقتل قرابة 100 شخص، وكلاهما جريمتا حرب مفترضتان.
مع ذلك، استمرت السعودية في تفادي المساءلة عن عشرات الضربات الجوية غير القانونية والإصابات بين صفوف المدنيين في اليمن. في أكتوبر/تشرين الأول 2021، رفض مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بعد حملة ضغط قوية قامت بها السعودية والإمارات، تجديد ولاية فريق الخبراء البارزين - الهيئة الدولية الوحيدة والمحايدة والمستقلة المعنية بالتحقيق وإعداد تقارير بشأن انتهاكات الحقوق والتجاوزات المرتبطة بالنزاع في اليمن.
مع الأخبار التي تفيد باقتراب السعودية والولايات المتحدة من التوصل إلى اتفاق بشأن اتفاقية دفاع مشترك جديدة، يبدو أن صفحة القلق والانزعاج بشأن الجرائم الجسيمة التي يرتكبها السعوديون قد طُويت منذ أمد بعيد. دون المساءلة، ستستمر هذه الجرائم. مع اتفاقية دفاع جديدة ونية رفع الحظر على بيع الأسلحة الهجومية، ترسل إدارة بايدن برسالة مفادها أنه يمكن ارتكاب جرائم بشعة، بل وحتى مكافأتها، لتحقيق مآرب سياسية.
بصفتنا باحثتين في هيومن رايتس ووتش، قطعنا وعدا لأشخاص مثل الصبي ذي الـ17 ربيعا بأننا سنخبر العالم بقصصهم ونحاول إقناع المسؤولين بأن الجرائم الوحشية، مثل القتل الجماعي، ينبغي ألا تمر بدون عقاب.
يتعين على إدارة بايدن الإبقاء على حظرها على الأسلحة الهجومية وإنهاء مبيعات الأسلحة إلى السعودية ما لم تتخذ المملكة خطوات هادفة ويمكن التحقق منها بشكل مستقل لإنهاء انتهاكاتها ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب. ينبغي لإدارة بايدن أيضا التحرك لتطبيق "قوانين ليهي" والمعايير المماثلة ضد تقديم المساعدة العسكرية للكيانات التعسفية، والتي من شأنها تعليق مبيعات المعدات والأسلحة والتدريب الأمريكي للوحدات المتورطة في انتهاكات حقوقية جسيمة في السعودية وفي أي مكان آخر تُستخدم فيه أصول أمريكية لارتكاب جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.