(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن قوات الأمن العراقية فتحت النار على ما يبدو على متظاهرين بدون سابق إنذار في كركوك في 2 سبتمبر/أيلول 2023، ما أسفر عن مقتل 4 أشخاص على الأقل وإصابة 16 آخرين.
تأتي أعمال العنف وسط أشهر من التوترات المتزايدة بين سكان كركوك من الأكراد والعرب والتركمان. ينبغي للتحقيق في مزاعم استخدام قوات الأمن العراقية المفرط للقوة القاتلة، الذي فتحه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أن يكون مستقلا ومحايدا.
قالت سارة صنبر، باحثة العراق في هيومن رايتس ووتش: "لطالما ردت الحكومة العراقية على الاحتجاجات بالقوة القاتلة واعتقال الصحفيين. ينبغي للحكومة اتخاذ خطوات ملموسة تؤدي إلى المساءلة عن هذه الأفعال".
تتركز التوترات العرقية حول مبنى في كركوك كان في السابق مقرا "للحزب الديمقراطي الكردستاني"، أكبر حزب في حكومة إقليم كردستان. تحتل قوات الأمن العراقية الاتحادية المبنى منذ العام 2017، بُعيد سيطرتها على المدينة ردا على استفتاء الاستقلال الكردي. اندلعت التوترات بعد أن أمر رئيس الوزراء السوداني بإعادة المبنى إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني في 1 سبتمبر/أيلول بموجب اتفاق تم التوصل إليه مع حكومة الإقليم عندما شكّل السوداني حكومته في أكتوبر/تشرين الأول 2022.
في 28 أغسطس/آب، نظم المتظاهرون العرب والتركمان اعتصاما أمام المقر السابق للحزب الديمقراطي الكردستاني، مطالبين بوقف تسليم المبنى ومنع الحزب من استئناف عملياته في كركوك. أفادت تقارير أن المتظاهرين نصبوا خيمة وأغلقوا الطريق الرئيسي بين كركوك وإربيل، عاصمة إقليم كردستان، متسببين في إعاقة الحركة بين كركوك والإقليم.
تصاعدت التوترات مع وصول متظاهرين أكراد مناهضين لهم، وبلغت ذروتها بانتشار قوات الأمن العراقية واحتمال استخدام القوة المفرطة والقاتلة لتفريق المتظاهرين.
قال شهود لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن فتحت النار فجأة وبدون سابق إنذار، ربما ردا على إلقاء المتظاهرين الحجارة على سياراتها.
قال لطيف فاتح فريج، وهو كاتب كردي مستقل التقى بعائلات الضحايا، إن القتلى الأربعة جميعهم أكراد، كما أصيب عنصرا أمن عراقيان في الاشتباكات مع المتظاهرين. أضاف فريج لـ هيومن رايتس ووتش أن أحد القتلى كان مقاتلا خارج الخدمة في قوات "البشمركة" الكردية. تلقت هيومن رايتس ووتش تقارير عن اعتقال صحفيين يغطون الاحتجاجات، لكنها لم تتمكن من التحقق من عددهم.
على إثر اندلاع أعمال العنف في 2 سبتمبر/أيلول، أصدر رئيس الوزراء السوداني بيانا يدعو جميع الأطراف إلى خفض التصعيد وضمان الاستقرار في كركوك وفرَض حظر تجول لمدة 48 ساعة. كما وجه بتشكيل لجنة تحقيق لكشف ملابسات مقتل وإصابة المتظاهرين.
قال هزار رمضان، وهو كردي من سكان كركوك، لـ هيومن رايتس ووتش إن شقيقه قُتل بالرصاص أثناء الحادث. أضاف: "أخي هوكر عبد الله رمضان، عمره 38 عاما، وأب لأربعة أطفال، فقد حياته بشكل مأساوي خلال مظاهرة في كركوك. أصيب برصاصتين قاتلتين في القلب، وجريمته الوحيدة كانت أنه رفع بفخر علم كردستان".
قال الصحفي من "آفا ميديا" روكان محمود جاف لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات مكافحة الإرهاب العراقية أطلقت النار عليه في ذراعه بينما كان يغطي الاحتجاجات. كان يغطي الحدث على الهواء مباشرة مع مصوره عندما بدأت قوات مكافحة الإرهاب بإطلاق النار بدون سابق إنذار. يظهر في مقطع فيديو أرسله إلى هيومن رايتس ووتش وهو يركض بسرعة نحو سيارة بينما يطلق عليه النار شخص يرفع العلم العراقي في سيارة همفي سوداء متحركة.
قال جاف، "حاولت الاحتماء بسيارة، لكن أصابت رصاصة ذراعي وأخرى السيارة. شاهدتُ قبل لحظات من إصابتي شابا يصاب برصاصة قاتلة في صدره على يد قوات مكافحة الإرهاب. يمكنني أن أقول إنهم من قوات مكافحة الإرهاب من سياراتهم. كنا نتحدث معهم قبل دقائق قليلة من التصعيد". قال إنه رأى أكثر من 50 مركبة تحمل علامات مكافحة الإرهاب في المنطقة.
أضاف أن المتظاهرين نقلوه إلى المستشفى، وذكر أنه ينوي تقديم شكوى رسمية ضد قوات مكافحة الإرهاب، وقد قدم بالفعل شهادته إلى لجنة التحقيق التابعة لرئيس الوزراء.
قال مراسل "كردستان 24" هيمن دلو لـ هيومن رايتس ووتش إن فريقه تلقى استدعاء من جهاز الأمن الوطني العراقي للمثول في مقرهم في كركوك بعد أعمال العنف. أضاف، "اخترنا عدم الامتثال. واجه موظفونا العديد من حالات المضايقات من قبل قوات الأمن والسلطات المحلية في كركوك منذ العام 2017".
ردا على أعمال العنف، أوقفت المحكمة العليا في العراق أمر السوداني بتسليم المبنى إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، في حُكم وصفه رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني بـ "المهزلة".
في 3 سبتمبر/أيلول، أكد السوداني مجددا أن القوات الأمنية في كركوك ملتزمة التزاما راسخا بحماية حقوق سكان كركوك في حياة كريمة وحرية التعبير والتمتع ببيئة آمنة.
كركوك هي مدينة متعددة الإثنيات والأديان وإحدى المناطق المتنازع عليها بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية. شهدت المدينة بعض أسوأ أعمال العنف في البلاد بعد داعش. تضم المحافظة أيضا أقدم حقول النفط المنتجة باستمرار في العراق. تدعو المادة 140 من الدستور العراقي إلى حل وضع المناطق المتنازع عليها في العراق، بما فيها كركوك، من خلال الاستفتاء، لكن لم تُتخذ أي خطوات لتنفيذ المادة 140 منذ العام 2005.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للحكومة العراقية إعلان النتائج الأولية للتحقيق في أسرع وقت ممكن، وتقديم المسؤولين عن ارتكاب تجاوزات، حيثما يُوجد أدلة عليها، إلى العدالة في محاكمات منصفة.
لم تحقق الحكومة العراقية حتى الآن العدالة في مقتل أكثر من 600 متظاهر وإصابة 20 ألف آخرين خلال احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019 على الفساد ونقص الخدمات، والمعروفة باسم "حراك تشرين".
قالت صنبر: "الرد المعتاد للحكومة العراقية على حالات العنف ضد المتظاهرين هو فتح تحقيق، لكن نادرا ما يتم التوصل إلى أي شيء. ينبغي لهذا التحقيق الأخير وضع معيار جديد وأفضل لضمان تحقيق العدالة للضحايا وأسرهم".