(القدس) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن القصف، والحصار، والهجوم البري الكبير من جانب الحكومة الإسرائيلية على غزة يتسبب في خسائر فادحة في صفوف المدنيين الفلسطينيين ذوي الإعاقة. كما أنهم يواجهون صعوبات أكبر في الفرار من الهجمات وتلبية الاحتياجات الأساسية والحصول المساعدات الإنسانية التي هم في أمس الحاجة إليها.
المخاطر الجسيمة التي يواجهها جميع المدنيين في غزة جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية تتضاعف على الأشخاص ذوي الإعاقة. فالأمر الذي أصدرته إسرائيل في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لجميع المدنيين في شمال قطاع غزة بالإخلاء إلى الجنوب لم يأخذ بعين الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ لا يستطيع الكثيرون منهم المغادرة. وقد عرّضهم أمر الإخلاء لمخاطر الحرب ولم يضمن توفير سكن مناسب وظروف مقبولة لهم.
قالت أمينة تشيريموفيتش، باحثة أولى في حقوق ذوي الإعاقة في هيومن رايتس ووتش: "يزيد الهجوم البري الكبير الذي شنه الجيش الإسرائيلي في غزة بشكل لا يوصف الصعوبات الخطيرة التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في الفرار، والعثور على مأوى، والحصول على المياه والغذاء والدواء والأجهزة المساعِدة التي يحتاجون إليها بشدة. على الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل الآخرين الضغط على إسرائيل لاتخاذ جميع الخطوات اللازمة لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة ورفع الحصار".
بين 18 و29 أكتوبر/تشرين الأول، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات هاتفية مع 13 شخصا من ذوي الإعاقة في غزة، عشرة منهم قالوا إنهم نزحوا داخليا، واثنان من أفراد عائلات الأشخاص ذوي الإعاقة، وأخصائي نفسي.
وصف أولئك الذين تمكنوا من الإخلاء الرعب الذي شعروا به لاضطرارهم إلى مغادرة منازلهم، والتي صممت لتتكيف مع احتياجاتهم، إضافة إلى الأجهزة المساعِدة، كالكراسي المتحركة، وأجهزة المشي، وأجهزة السمع. كما أثاروا مخاوف بشأن عدم حصولهم على الأدوية الأساسية وتأثير ذلك على صحتهم النفسية. وقد اضطروا هم ومئات الآلاف غيرهم إلى اللجوء إلى مراكز إيواء طارئة مكتظة؛ ومعظمها في المراكز الصحية والمدارس، حيث يوجد شح في المياه والغذاء ومرافق الصرف الصحي.
كما أن النقص العام في الأجهزة المساعِدة في غزة، كالكراسي المتحركة والأطراف الاصطناعية والعكازات وأجهزة السمع، نتيجة القيود المرتبطة بالحصار غير القانوني الذي تفرضه إسرائيل على غزة منذ 16 عاما، يؤثر أيضا على قدرة الناس على الفرار. الأشخاص ذوو الإعاقات البصرية أو السمعية أو النمائية أو الذهنية قد لا يسمعون ما يحدث أو يعرفون عنه أو يفهمونه.
قال العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة إن انقطاع الكهرباء والإنترنت صعّب عليهم الوصول إلى المعلومات المهمة التي كانت ستساعدهم في تحديد مكان، وزمان، وكيفية الفرار للحصول على قدر أكبر من الأمان.
بدأ القصف والهجوم البري الحالي من قبل القوات الإسرائيلية على غزة عقب الهجوم الذي شنته "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذي أدى، بحسب السلطات الإسرائيلية، إلى مقتل نحو 1,400 شخص، مئات منهم من المدنيين. احتجزت حماس و"الجهاد الإسلامي" أكثر من 230 شخصا كرهائن، بينهم أطفال، وأشخاص ذوو إعاقة، ومسنون.
يرقى قيام إسرائيل بقطع الكهرباء والمياه عن غزة، ومنع دخول الوقود والغذاء وجميع المساعدات الإنسانية، بما فيها الأدوية، باستثناء القليل منها، إلى مستوى العقاب الجماعي، وهو جريمة حرب. أفادت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أنه منذ بدء القصف الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، قُتل ما لا يقل عن 8,500 شخص حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول، بينهم أكثر من 3,500 طفل. ويقدر "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا) أن أكثر من 1.4 مليون شخص قد نزحوا.
وصف الأشخاص ذوو الإعاقة الذين قالوا إنهم نزحوا بسبب الأعمال العدائية الصعوبات التي واجهوها أثناء الفرار من الهجمات، خاصة في غياب التحذيرات المسبقة، فضلا عن الدمار الشديد الذي يتعين عليهم التنقل عبره، ومخاوفهم بشأن القتال.
سميح المصري، وهو رجل عمره 50 عاما قال إنه فقد ساقيه في غارة إسرائيلية بطائرة بدون طيار العام 2008، أفاد أنه يحتمي في "مستشفى القدس" في مدينة غزة، لكنه لا يشعر بالأمان في أي مكان: "إذا قصفوا المستشفى، سأموت. أعلم أنني لا أستطيع الحراك".
قال العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة إنهم فقدوا الأجهزة المساعِدة عندما دمّرت الغارات الإسرائيلية منازلهم أو ألحقت بها أضرارا، ما تركهم بلا مأوى وغير قادرين على الحصول على الاحتياجات الأساسية. وقالوا جميعا إن الجيش الإسرائيلي لم يعطِ إنذارا مسبقا بشأن الهجمات. ووفقا لوزارة الإسكان الفلسطينية في غزة، فقد دُمر أو تضرر ما لا يقل عن 45% من المنازل في غزة خلال الأعمال الحربية.
يحمي القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في النزاعات المسلحة. تنص "اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة"، التي صادقت عليها إسرائيل في 2012، أن على الدول الأعضاء، وفقا لالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، اتخاذ "كافة التدابير الممكنة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يوجدون في حالات تتسم بالخطورة، بما في ذلك حالات النزاع المسلح".
ويحث قرار "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" رقم 2475 جميع أطراف النزاع المسلح على اتخاذ تدابير لحماية المدنيين ذوي الإعاقة؛ والسماح بالمساعدات الإنسانية وتسهيل وصولها بشكل آمن وفي الوقت المناسب ودون عوائق إلى جميع الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة؛ ودعم تقديم مساعدة مستدامة وملائمة وشاملة في الوقت المناسب وميسّرة للمدنيين ذوي الإعاقة، من بين مسؤوليات أخرى.
بموجب القانون الإنساني الدولي، على الأطراف المتحاربة اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين، بما يشمل إعطاء إنذار مسبق وفعال من الهجمات ما لم تحل الظروف دون ذلك. كما نوهت "مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان" في 2015 أن "عدم الامتثال لهذا الالتزام بشكل ميسّر ويشمل الجميع يرقى إلى مصاف التمييز على أساس الإعاقة".
وقد وقّعت 83 دولة، بينها الولايات المتحدة، على التزام بالامتناع عن استخدام الأسلحة المتفجرة ذات التأثير الواسع ــ بما فيها المدفعية الثقيلة والقنابل الجوية ــ في المناطق المكتظة بالسكان بسبب مدى احتمال قتلها وإصابتها المدنيين دون تمييز. ويؤدي القصف الإسرائيلي المستمر لغزة، والذي حوّل مبانٍ وأجزاءَ كبيرة من الأحياء السكنية إلى أنقاض، إلى مضاعفة هذا الخوف.
ويتفاقم الوضع المزري بسبب الحصار غير القانوني الذي تفرضه الحكومة الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 16 عاما، والذي يشكل جزءا من الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد اللتين ترتكبهما السلطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. سبق أن نشرت هيومن رايتس ووتش تقارير عن الانتهاكات الحقوقية ضد الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة بسبب الإغلاق المطوّل من جانب الحكومة الإسرائيلية، إضافة إلى الإهمال من قبل سلطات حماس.
على الولايات المتحدة وبريطانيا و"الاتحاد الأوروبي" وحلفاء إسرائيل الآخرين والحكومات في المنطقة مثل الإمارات ومصر والبحرين، الضغط على إسرائيل لإعادة الكهرباء والمياه، والسماح بدخول الوقود والمساعدات الإنسانية، لأهداف منها إيصال الأدوية، والأجهزة المساعِدة، والدعم النفسي-الاجتماعي إلى الأشخاص ذوي الإعاقة.
وعليها أيضا إدانة انتهاكات القانون الإنساني الدولي من قبل جميع الأطراف، بما فيها أي هجمات عشوائية؛ وتسليط الضوء على الحاجة إلى المساءلة، بما في ذلك أمام "المحكمة الجنائية الدولية"؛ وإنهاء جميع أشكال التواطؤ في الانتهاكات الجسيمة، بما فيها المساعدة العسكرية. على أعضاء مجلس الأمن الضغط بشكل عاجل على إسرائيل لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2475 واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
قالت تشيريموفيتش: "تجاهل إسرائيل للمدنيين في غزة يؤثر بشكل خاص على الأشخاص ذوي الإعاقة. على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التحرك العاجل لضمان امتثال إسرائيل والأطراف المتحاربة الأخرى في غزة للالتزامات القانونية لمنع المزيد من الفظائع والمعاناة، بما فيها تلك الواقعة على الأشخاص ذوي الإعاقة".
استُخدمت أسماء مستعارة لبعض الأشخاص الذين تمت مقابلتهم لحمايتهم.
صعوبة الفرار من الهجمات
وصف أشخاص ذوو إعاقة في غزة الصعوبات التي واجهوها في الفرار من الهجمات، خاصة في ظل غياب تحذيرات فعّالة، فضلا عن الدمار الهائل، التي جعلت من الصعب للغاية الهروب باستخدام كراسيهم المتحركة وغيرها من الأجهزة المساعِدة. أدى غياب الكهرباء إلى توقف المصاعد عن العمل، ما يجعل من المستحيل على الأشخاص ذوي إعاقات جسدية معينة ممن يعيشون في المباني العالية مغادرة منازلهم.
قال سميح المصري، الرجل الذي قال إنه فقد ساقيه في غارة بمسيّرة إسرائيلية العام 2008، إنه كان في المنزل مع ابنه (17 عاما)، وابنته (26 عاما)، وحفيدتيه (3 و5 أعوام)، عندما أصابت غارة إسرائيلية منزله في حي تل الهوى السكني جنوب مدينة غزة يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول:
كان ابني في حالة صدمة، كان يصرخ. لم تكن ابنتي تعرف من تساعد أولا، أنا أو طفلتيها. كانت تصرخ في وجه أخيها: "ساعد والدك!" سمع أحد الجيران صراخها، فجاء وساعدني على الخروج من المنزل، وهو ما لم يكن سهلا، إذ كان الركام في كل مكان.
وأضاف أن الجيش الإسرائيلي لم يعطِ أي تحذير مسبق بشأن الهجوم.
وصف جمال الرزي، والد رجل عمره 27 عاما لديه شلل دماغي، الصعوبات التي واجهها أثناء مساعدة ابنه على الخروج من منزله عندما تعرض حيهم السكني في الرمال بمدينة غزة لقصف إسرائيلي مكثف في 10 أكتوبر/تشرين الأول:
عادة، يستطيع ابني المشي بمساعدة عكاز، ولكن عندما بدأ القصف، تجمد. أصبح كالحجر، وضع أصابعه في أذنيه، وأخذ يصرخ. طلبت منه فقط أن يقف على قدميه لمساعدتي في تحريكه، لكنه لم يستطع. اضطررت إلى وضعه على الأرض وسحبه إلى الجانب الآخر من الشقة، إلى زاوية أخرى قد تكون أكثر أمانا.
وقال الرزي إن الجيش الإسرائيلي لم يقدم أي تحذير مسبق بشأن الهجوم.
في أعقاب الهجوم، وبسبب نقص الكهرباء لتشغيل المصاعد، انتقل الرزي مع عائلته إلى منزل أحد أقاربه في الطابق الأرضي من الطابق الثالث من المبنى. قال الرزي إنه لا يزال لديه مخاوف حقيقية بشأن سلامتهم:
التحرك خطِر جدا. البقاء في المنزل خطر. لا نعرف أبدا متى سيحدث هذا القصف، وإلى أي جهة سنذهب، وأين نختبئ. لا يوجد مكان للاختباء.
وإذا كنت أنا أشعر بهذا، تخيل كيف يكون الأمر بالنسبة للمسنين أو الأشخاص ذوي الإعاقة. هذا النوع من المباني العالية في غزة التي لا تعمل فيها المصاعد حاليا – كيف سيهرب الناس؟
قال أبو شاكر (49 عاما)، وهو رجل ذو إعاقة جسدية ويعيش في حي الزيتون السكني بمدينة غزة، إن ما يعتقد أنها غارة إسرائيلية أصابت مبنى مجاورا لمنزله في 10 أكتوبر/تشرين الأول، فقتلت 19 شخصا. قبل الهجوم مباشرة، كان اثنان من أبنائه، عمرهما 8 و26 عاما، يشتريان الطعام من سوبرماركت قريب. وقال أبو شاكر إن إعاقته جعلت من الصعب عليه مساعدة ابنيه:
عندما تعرضنا للقصف، بدأت بالبكاء. كان الجميع من حولي يركضون، وأنا وقفت هناك وكنت أشعر بإعاقتي. كان اثنان من أولادي مفقودين، ولم أعرف ماذا أفعل، وكيف أبحث عنهما... أوقفت جيراني في منتصف الشارع، أشخاص لا أعرفهم، وكان الجميع يصرخ، وظللت أسألهم: أين شاكر [ابنه]؟ لقد كنت في حيرة من أمري. وقفت هناك لمدة ساعة وأنا أنادي ابنَي باسميهما لأن شخصا أخبرني أنهما قد يكونان تحت الأنقاض. وبعد ساعة ونصف وصلتني رسالة مفادها أنهما مصابان وهما في المستشفى.
وقال أبو شاكر إن الجيش الإسرائيلي لم يصدر أي تحذير مسبق بشأن الهجوم.
حتى في جولات القتال السابقة، عندما كانت القوات الإسرائيلية تقدم تحذيرا مسبقا بوقوع هجوم، لم تكن هذه التحذيرات فعّالة دائما، خاصة بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة.
قالت لطيفة الجعبري (40 عاما)، وهي امرأة لديها إعاقة، إن تحذيرات الجيش الإسرائيلي لم تكن فعّالة للعديد من الأشخاص ذوي الإعاقة. وقالت: "تتلقى بعض المنازل مكالمة ويمنحوك ثلاث إلى خمس دقائق للإخلاء. بالنسبة للعديد من الأشخاص ذوي الإعاقة، هذا لا يكفي – فهم بحاجة إلى شخصين لمساعدتهم".
وصف بعض الأشخاص الخوف الذي شعروا به عندما علموا أنهم لن يتمكنوا من الفرار بأمان إذا تعرض منزلهم للهجوم.
قالت إيمان (33 عاما)، شقيقة عفاف، وهي امرأة عمرها 24 عاما لديها شلل دماغي، إنها تخشى الاضطرار إلى الفرار من الغارات الجوية، خاصة بسبب أختها. قالت إنها اضطرت، أثناء القتال في 2019، إلى حمل أختها والاحتماء تحت الدرج في المبنى، لعدم قدرتها على المتابعة. "لن نتمكن من الفرار هذه المرة... الكرسي المتحرك القديم الذي تستخدمه أختي لا يناسبها، وهي ثقيلة جدا ولا أستطيع حملها. لا أعرف حتى إلى أين أذهب".
قالت إيمان إنه حتى لو كان لدى أختها كرسي متحرك مناسب، فإن هروبهما سيظل أمرا صعبا بسبب الدمار الواسع النطاق في المنطقة المجاورة لهما، وعدم ملاءمة المكان للكرسي المتحرك بشكل عام.
في 2020، وثّقت هيومن رايتس ووتش آثار غياب البنية الميسَّرة في جميع أنحاء غزة على قدرة الأشخاص ذوي الإعاقة على التمتع بحقوقهم الإنسانية على قدم المساواة مع الآخرين. وقالت هيومن رايتس ووتش إن الدمار الحالي أدى إلى تفاقم الوضع المتردي أصلا.
ومن الصعب على العديد من الأشخاص في غزة الإخلاء إلى أماكن أكثر أمانا. في 15 أكتوبر/تشرين الأول، أفادت محطة التلفزة الأمريكية "إن بي سي" أن دارا للأيتام في شمال غزة – حيث يعيش 22 طفلا، بينهم 12 من ذوي الإعاقة – لم تتمكن من الإخلاء بسبب احتياجات الدعم الكبيرة لبعض الأطفال.
وقال سعد ج. (اسم مستعار)، وهو رجل عمره 33 عاما لديه إعاقة جسدية ويستخدم كرسيا متحركا ويسكن في شقة وسط غزة، إنه يخشى أن يضطر إلى الهروب. وأضاف: "هذا الحي غير مجهز للأشخاص ذوي الإعاقة. إذا تم قصفه، أو وصل القتال إلى هنا، فلن أتمكن من الفرار إلى أي وجهة".
بدر مصلح، ناشط في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عمره 39 عاما، ولديه إعاقة بصرية وهو أب لثلاثة أطفال تبلغ أعمارهم عامان وثمانية أعوام و10 أعوام، يستضيف خمس عائلات فرت من الشمال في منزله وسط قطاع غزة. وقال: "أشعر أنني لا أستطيع حماية عائلتي أو الأشخاص الذين أستضيفهم بسبب إعاقتي. ماذا سأفعل إذا كنت بحاجة إلى التصرف بسرعة؟ أنا أيضا لا أعرف إلى أين أذهب. لا يوجد مكان آمن".
وأوضح مصلح لماذا قرر عدم الفرار بعد أن ضربت الغارات الجوية الإسرائيلية منطقته:
لا أستطيع الرؤية، فأنا معتاد على منزلي، وأخشى الذهاب إلى مكان لا أعرف فيه أي شيء، حيث لا أعرف كيف أجد طريقي... ولكن أيضا، إلى أين أذهب ؟ جميع المدارس من حولي فيها عدد كبير جدا من الناس... لديهم الكثير من المشاكل، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمياه والمراحيض.
وصف كل من مصلح وفداء عمر، وهي أخصائية نفسية ومترجمة لغة الإشارة، الصعوبات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة السمعية أثناء الضربات الجوية. وقال مصلح: "حتى قبل الحرب، كانت هناك مشكلة كبيرة في الحصول على أجهزة السمع والبطاريات. والآن، يهدد ذلك حياة الأشخاص الذين يعتمدون على أدوات السمع ليتمكنوا من سماع ما يحدث حولهم ويحموا أنفسهم".
وقالت إيمان، وهي امرأة عمرها 19 عاما لديها إعاقة سمعية، إنها لجأت إلى مدرسة خان يونس الابتدائية للبنات جنوبي قطاع غزة بعد تعرض حيها في الفخاري جنوب قطاع غزة للقصف. وقالت إن عدم توفر الأجهزة المساعدة يؤثر على سلامتها: "ليس لدي جهاز سمع، لذلك لا أعرف متى يقصفون! أحس باهتزاز الأرض وأرى الناس يهربون، لا أعرف ما يحدث!".
قال العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة إن انقطاع الكهرباء والإنترنت ناجم عن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية؛ وقد أدى نقص الكهرباء جراء القطع الإسرائيلي الواضح للخدمات، إلى زيادة صعوبة حصولهم على المعلومات المهمة التي كان من شأنها أن تساعدهم على تحديد أين ومتى وكيف يفرون للحصول على قدر أكبر من الأمان.
يمكن أن يتسبب قطع الإنترنت والهواتف في إلحاق ضرر كبير بالسكان المدنيين، بما في ذلك احتمال الإصابة والوفاة من خلال منع المدنيين من التواصل مع بعضهم البعض بشأن اعتبارات السلامة، والوصول إلى المرافق الطبية، ومصادر الغذاء والمأوى. والأهم من ذلك، تعيق القيود قدرة الوكالات الإنسانية على تقييم الاحتياجات وتقديم المساعدة للسكان المعرضين للخطر. كما أن نقص المعلومات المتعلقة بالظروف التي تواجه السكان المتضررين قد يزيد أيضا احتمال الإصابة والوفاة.
تأثير أمر "الإخلاء"
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 1.4 مليون فلسطيني في غزة غادروا منازلهم منذ بدء الأعمال القتالية في 7 أكتوبر/تشرين الأول. الأمر الذي أصدرته إسرائيل في 13 أكتوبر/تشرين الأول إلى جميع المدنيين في شمال قطاع غزة بالإخلاء يهدد بالتهجير القسري، وهو انتهاك للقانون الإنساني الدولي وجريمة حرب. يؤثر النزوح القسري بشكل غير متناسب على الأشخاص ذوي الإعاقة. وبينما يتم تشجيع الأطراف المتحاربة على إصدار تحذيرات فعّالة لمساعدة المدنيين على حماية أنفسهم، فإن الأمر بإخلاء مليون شخص عندما لا يكون هناك مكان آمن للذهاب إليه ولا توجد طريقة آمنة للوصول إلى هناك لا يعتبر تحذيرا فعالا. بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، فإن إجبارهم على مغادرة منازلهم أمر مروع بشكل خاص، ولا يستطيع الجميع الامتثال لأمر الإخلاء الإسرائيلي.
قال أشخاص ذوو إعاقة في شمال قطاع غزة إنهم شعروا بأنهم مجبرون على مغادرة منازلهم أو أماكن إقامتهم المؤقتة دون أي اعتبار لإعاقتهم.
زهرة المدهون، وهي امرأة عمرها 39 عاما ولديها إعاقة جسدية، قررت في البداية البقاء عندما فرت عائلتها.
قالت المدهون: "لم يعطونا مكانا آمنا للذهاب إليه". ومع ذلك، فقد هربت بعد بضعة أيام بعد أن قالت إنها تلقت مكالمة هاتفية من شخص يزعم أنه من المخابرات الإسرائيلية يطلب منها الذهاب إلى الجنوب. "كان منزلي مكاني الآمن. غادرت فقط بسبب المكالمة. كنت أخشى أن أكون الوحيدة التي ستبقى هناك".
وتعيش المدهون حاليا في مخيم للنازحين في ظروف مزرية وقالت إنها تفكر في العودة إلى منزلها.
ويقيم أبو شاكر في مدرسة تابعة لـ"وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا) في حي الزيتون بمدينة غزة. قال إنه لم يتمكن من الانتقال إلى الجنوب مع زوجته البالغة من العمر 43 عاما، التي لديها مرض مزمن، وأبنائه السبعة، والذين أصيب منهم اثنان جراء الغارات الجوية، ووالديه اللذين في السبعينيات من عمرهما. "تقصف إسرائيل محيط المدارس لإخافتنا وفي نفس الوقت تأمر كل من في الشمال بأن يتجه إلى الجنوب، ولكن أين؟ كيف؟ هل الطرق آمنة حتى؟".
وقال الأشخاص ذوو الإعاقة الذين يعيشون في وسط قطاع غزة إنهم يخشون أن تصدر الحكومة الإسرائيلية أمرا مماثلا يطالبهم بالتحرك جنوبا أيضا. وقال سعد (33 عاما)، والذي يستخدم كرسيا متحركا، إن أكبر مخاوفه هي أن يضطر إلى إخلاء منزله في وسط قطاع غزة:
لا يوجد مكان آمن لي [كشخص لديه إعاقة]. اضطراري لمغادرة منزلي هو أكبر مخاوفي... فالحيّ الذي أعيش فيه غير مجهز للأشخاص ذوي الإعاقة، ولا الأماكن التي أُجبر أصدقائي [ذوي الإعاقة] على الذهاب إليها.
قال سعد إن الغارات الجوية دمرت منازل العديد من أصدقائه ذوي الإعاقة، وفقد البعض أجهزتهم المساعِدة. انتقل أحد أصدقائه الذي لديه شلل أربع مرات. قال: "آخر مرة تحدثنا فيها، قُصف المكان الذي كان يحتمي فيه، وقضى الليل كله في الشارع. في كل مرة يتعين عليه أن يتحرك، يجب أن يحمله شخص ما".
نقص الدواء
أدى منع إسرائيل المساعدات الإنسانية عن غزة إلى نقص خطير في المعدات والإمدادات الطبية والأدوية. كما أن القصف العسكري لغزة زاد صعوبة حصول الناس على أدويتهم ومعداتهم الطبية. في 25 أكتوبر/تشرين الأول، أفادت الأونروا أن مخزونها من الأدوية "يتناقص بشكل خطير".
د. مصطفى، وهو رجل لديه إعاقة جسدية، فر من منزله في شمال قطاع غزة بعد أمر الإخلاء الذي أصدرته إسرائيل في 13 أكتوبر/تشرين الأول. وكان يقيم في "مستشفى الهلال" في خان يونس مع أطفاله الستة، ومنهم اثنان من ذوي الإعاقة، ووالدته البالغة من العمر 75 عاما، التي لديها شلل. وقال إن أدوية ارتفاع ضغط الدم والسكري التي يستخدمها هو ووالدته أوشكت على النفاد. تحتاج والدة د. مصطفى إلى كرسي متحرك، لكنها لا تستطيع الحصول عليه.
قال سميح المصري إنه يتناول الدواء منذ أن فقد ساقيه ولم يكن لديه دواء "نيورونتين" سوى ليوم واحد فقط عندما فر. نيورونتين هو دواء مضاد للتشنجات والصرع يستخدم لعلاج تلف الأعصاب وتخفيف الآلام، ويمكن أن يؤدي إيقافه فجأة إلى حدوث ارتعاشات وتسارع ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم، من بين أعراض أخرى.
عندما تعرض منزلنا للقصف الليلة الماضية واضطررت إلى الفرار، لم يكن معي سوى حبتين. غدا، سوف ينفد مني ولا أعرف كيف سأحصل على المزيد من الأدوية. إذا لم أتناول الدواء، فلن أستطيع التنفس وسأبدأ بالشعور بخفقان القلب.
قال سعد ج. إن دواء باكلوفين – يستخدم لعلاج التشنج العضلي – نفد منه، وكذلك نيورونتين الذي يتناوله عادة ثلاث مرات في اليوم.
وقال إنه لا يشعر بالأمان عند الذهاب إلى وزارة الصحة في مدينة غزة، حيث يحصل عادة على أدويته، لأنها مبنى حكومي في منطقة الإخلاء. ووصف آثار عدم تناول أدويته، قائلا: "أدى ذلك إلى تدهور عضلاتي وأعصابي. عضلاتي ترتعش، ولست قادر على منع جسدي من رد الفعل. يمكن أن يسبب الأمر لي أيضا ارتفاعا في ضغط الدم ويمكن أن أمرض كثيرا بسبب ارتفاع درجة الحرارة".
قالت المدهون، وهي امرأة عمرها 39 عاما من ذوي الإعاقة وتعيش في مخيم للنازحين، إنها لم تتمكن من تناول أدوية ارتفاع ضغط الدم والسكري منذ بدء الأعمال العدائية: "عادة، أحصل على الدواء من الأونروا، ولكن لا توجد منظمة على الأرض حاليا توزّع بتوزيع الدواء".
الاكتظاظ في الملاجئ
وأفادت وكالة أوتشا الأممية أن الاكتظاظ في 150 ملجأ للطوارئ صممتها الأونروا يشكل مصدر قلق متزايد، حيث وصل متوسط عدد النازحين في كل ملجأ إلى أكثر من ضعفي ونصف طاقته الاستيعابية. وقالت أوتشا إن الملاجئ غير مجهزة لتلبية احتياجات النازحين من ذوي الإعاقة، الذين يقدر أنهم يشكلون أكثر من 15% من السكان النازحين.
وقد تحدثت وزارة الصحة الفلسطينية عن تزايد حالات الإصابة بالأمراض الوبائية، في حين حذرت "منظمة أطباء بلا حدود" من أن الازدحام والظروف الرديئة في الملاجئ المؤقتة وعدم توفر المياه النظيفة تزيد خطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه.
قال الأشخاص ذوو الإعاقة الذين نزحوا إلى المستشفيات والمدارس والمخيمات المؤقتة إنهم يعانون من الاكتظاظ الشديد، والظروف المروعة، ونقص الخدمات الأساسية وعدم مواءمتها مع احتياجاتهم. وقال المصري، الذي كان يحتمي في المستشفى: "ليس لدي سوى متر واحد. لا أستطيع التحرك، وليس هناك مراحيض تكفي الجميع".
قال أبو شاكر إن هناك 4 آلاف شخص في المدرسة التي يلجأ إليها: "كل ركن المدرسة ممتلئ، عندما تستدير لليمين، يوجد شخص هناك، وإلى اليسار، نفس الشيء. يحاول معظم الناس وضع أجسادهم على الأرض. ليس لديهم ما يغطون به أنفسهم أيضا، وليس هناك خصوصية".
قالت إيمان، المرأة التي عمرها 19 عاما ولديها إعاقة سمعية، إن عدم توفر جهاز سمع يساهم في القلق والخوف: "أشعر أني وحيدة، منعزلة عن كل العالم؛ … لا أستطيع الاتصال مع أي شخص، فلا كهرباء في المدارس، ولا إنترنت، ولا هواتف. لقد خرجت من منزلي دون أي شيء".
وقالت شقيقة إيمان، عبير (30 عاما)، والتي لديها أيضا إعاقة سمعية، إنها تشعر بالاختناق بسبب الاكتظاظ في الملجأ: "هذه التجربة مؤلمة، لا أستطيع التفكير أو التركيز، لا أستطيع التنفس. لا أرتاح إلا في بيتي".
نقص المياه
وفي إطار حصارها الشامل، قطعت إسرائيل في 11 أكتوبر/تشرين الأول جميع إمدادات المياه عن غزة. قال الأشخاص ذوو الإعاقة إن فرص حصولهم على مياه الشرب النظيفة محدودة، وقال العديد منهم إنه ليس لديهم خيار سوى استخدام المياه الجوفية. وكانت أوتشا قد أفادت سابقا أن المياه الجوفية في غزة تقريبا كلها "غير صالحة للاستهلاك الآدمي".
وقال أبو شاكر إنه من أصعب على الأشخاص ذوي الإعاقة مثله الحصول على مياه الشرب النظيفة. وقال إنه ليس لديه خيار في كثير من الأحيان سوى شرب مياه البلدية، التي تستخدم عادة للمراحيض فقط.
ومع ذلك، حتى المياه الجوفية قد يتعذر الحصول عليها بسبب نقص الكهرباء لضخها.
قال مصلح، الذي لديه إعاقة بصرية ويستضيف 40 نازحا بالإضافة إلى أسرته المكونة من خمسة أفراد في منزله، إنه يتعين عليه المشي ثلاثة كيلومترات يوميا لجلب المياه: "بما أنني لا أستطيع الرؤية، آخذ ابنتي معي . نسير ثلاثة كيلومترات للوصول إلى مكان توزيع المياه... المياه التي يعطونا إياها لا تكفي لـ 40 شخصا".
وقالت المدهون، المرأة البالغة من العمر 39 عاما التي تعيش في مخيم: "لا أعرف أحدا هنا، ولا أستطيع الحصول على الماء أو الطعام ولا أشعر بالأمان".
نقص الغذاء
كان 80% من إجمالي سكان غزة قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول يعتمدون على المساعدات الإنسانية، ووجد الكثيرون صعوبة في الحصول على الغذاء الكافي. وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول، وصف "برنامج الأغذية العالمي" التابع للأمم المتحدة الأوضاع داخل غزة بأنها "كارثية"، وأن هناك "حاجة ماسة" للغذاء.
أفاد جميع الأشخاص ذوي الإعاقة الذين تمت مقابلتهم عن صعوبات في تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وقالوا إن إعاقتهم تؤثر على قدرتهم على تأمين الغذاء لأنفسهم ولأسرهم.
قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، كان أبو شاكر وعائلته يعتمدون على المساعدات الغذائية التي تقدمها الأونروا. وقال إنه يبذل الآن جهودا كبيرة لشراء الطعام: "عادة، بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، يذهب أحد أفراد أسرهم ويحصل على ما يحتاجون إليه. لكن بما أنني الأب ولا أريد تعريض أي فرد من عائلتي للخطر، فأنا أذهب بنفسي – رغم إعاقتي – للحصول على كل الاحتياجات الأساسية".
وقال أبو شاكر إن الحصول على الطعام أصبح أكثر صعوبة كل يوم: "تعرضت المخابز للقصف أو نفد فيها الطحين. نحن 11 شخصا في عائلتي، وقد سُمح لي اليوم بشراء 25 رغيف فقط، وهو ما لا يكفي. كما أن المال الذي أملكه بدأ ينفد".
وقال مصلح إنه لا يوجد طعام للأطفال أو البالغين ذوي الإعاقة الذين يحتاجون إلى نظام غذائي خاص. وأفادت أوتشا أن المواد الغذائية التي وُزِّعت بعد وصول الشاحنات المحملة بالمساعدات لم تلبِّ احتياجات الأشخاص الذين يعانون من عسر البلع، وصعوبات البلع التي يمكن أن تؤثر على الأشخاص الذين لديهم مجموعة واسعة من الإعاقات والحالات الطبية.
نقص الصرف الصحي/المراحيض
قال جميع الأشخاص ذوي الإعاقة الذين نزحوا إنهم غير قادرين على استخدام المراحيض في المدارس والمستشفيات والملاجئ الأخرى. وقال المصري: "المستشفى الذي نقيم فيه ليس مخصصا للأشخاص ذوي الإعاقة؛ المرحاض غير مخصص للأشخاص الذين يستخدمون الكرسي المتحرك. يصعب عليّ جدا استخدام المرحاض".
وقال مصلح إن معظم المراحيض في المستشفيات ومدارس الأونروا هي مراحيض القرفصاء، والتي لا يمكن استخدامها إطلاقا من قبل العديد من الأشخاص ذوي الإعاقات الجسدية.
وقال الدكتور مصطفى إن الأمر كان صعبا بشكل خاص على والدته البالغة من العمر 75 عاما، التي لا تستطيع استخدام المراحيض غير المهيئة في المستشفى الذي تلجأ إليه. وقال إنه لا يستطيع أيضا الحصول على الملابس الداخلية لسلس البول لوالدته، كما نفد ورق المرحاض من المستشفى. وقال: "ضمان النظافة أمر صعب للغاية. لم أتمكن من الاستحمام منذ بدء الحرب. ولا والدتي. ولا أي أحد من عائلتي".
وقالت المدهون إن استخدام المرحاض هو أكبر مشاكلها، خاصة أنها لا تملك كرسيا متحركا أو جهاز مشي: "أنا أزحف على الأرض للوصول إلى المرحاض".
وقالوا جميعا إنهم لا يستطيعون الحصول على مستلزمات النظافة الأساسية، مثل ورق المرحاض أو الصابون، وأنهم يخشون تفشي الأمراض.
التأثير على الصحة النفسية
في سبتمبر/أيلول 2022، أفادت أوتشا أن ثلث سكان غزة بحاجة إلى خدمات نفسية-اجتماعية بسبب زيادة الإرهاق النفسي وحالات الصحة النفسية. أفادت هيومن رايتس ووتش في ديسمبر/كانون الأول 2020 أن الأشخاص ذوي الإعاقة لديهم ضائقة نفسية نتيجة الحصار الإسرائيلي والتجارب المؤلمة، بما في ذلك عدم القدرة على الفرار والمخاوف من هجوم مستقبلي.
وقد أدى القصف والحصار الحاليان إلى تفاقم آثار الصحة النفسية على المدنيين في غزة، بما في ذلك صدمات الأطفال.
وقال أبو شاكر إن ابنته البالغة من العمر ثماني سنوات لم تعد على طبيعتها بعد أن أصيبت جراء غارة جوية: "في كل مرة نسمع صاروخا أو قنبلة، تحاول طفلتي الصغيرة تغطية أذنيها كي لا تسمع. لديها رد فعل عاطفي. كبالغين، نحن في حيرة شديدة، ولا نعرف كيف نتعامل مع كل ما يحدث".
وصف خبراء الصحة تأثير القصف والحصار على الصحة العقلية للأشخاص ذوي الإعاقة. تعمل فداء عمر، الأخصائية النفسية، في مدرسة خان يونس الابتدائية للبنات في جنوب قطاع غزة، حيث تلجأ ثلاثة آلاف أسرة، بينها العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة:
ما أراه هو الكثير من الخوف. الكثير من الحزن وخيبة الأمل. نموت كل يوم ولا شيء يتغير. عندما أكون في المدرسة أرى الكثير من الناس يبكون. توقف بعض الأطفال والكبار عن الكلام، ولا يمكنك الحصول على أي رد فعل منهم. ومن ثم هناك ردود فعل كبيرة على أي نوع من الأصوات، خاصة عند الأطفال الذين يحاولون تغطية آذانهم حتى لا يسمعوا القصف. إذا كان لدى شخص بالغ أو طفل إعاقة، فسيكون الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهم. وخاصة الأشخاص الذين لا يستطيعون السمع.
قالت عمر إن العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية فروا من منازلهم دون أجهزة السمع الخاصة بهم ولا يمكنهم التواصل مع آلاف الأشخاص الآخرين الذين لجأوا إلى المدرسة المكتظة وغير المألوفة. وقالت نسرين، وهي امرأة عمرها 40 عاما ولديها إعاقة سمعية وتلجأ إلى المدرسة التي تعمل فيها عمر: "قُصف منزلي، وقُتل الكثير من الأطفال، وعائلتي بلا مأوى، وأصدقائي لا مأوى لهم. لا أعرف شيئا عنهم، وجهاز السمع ليس معي. لا أستطيع التواصل ولا أعرف عما أتحدث".
بالإضافة إلى ذلك، قالت عمر: "اضطر الأشخاص ذوو الإعاقات الجسدية أيضا إلى الفرار بدون كراسيهم المتحركة أو أجهزة المشي، والمدرسة لم يتم بناؤها لمستخدمي الكراسي المتحركة... وهذا يسبب العديد من المشاعر المختلفة حول كيفية التعامل مع وضعهم اليومي".
ووصفت التدابير التي كانت تتخذها لتزويد الناس ببعض الدعم:
في حين أن لدي مشاعري الخاصة، فإنني أبذل قصارى جهدي لدعم الناس هناك. على سبيل المثال، آخذ معي مشغل MP3 وأشغل بعض الموسيقى لتغيير ما يشعرون به، فقط لمنعهم من التفكير في الحرب. أحاول أيضا تنظيم جلسات رسم، على أمل أن يساعد ذلك في تحسين الحالة المزاجية. إضافة إلى كتابة ورواية القصص.