(القدس) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن ضربة الجيش الإسرائيلي على سيارة إسعاف تحمل علامة تعريف أمام "مستشفى الشفاء" في مدينة غزة في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 غير قانونية على ما يبدو، ويجب التحقيق فيها كجريمة حرب محتملة. وتظهر في فيديوهات وصور التُقطت بُعيد الضربة، وتحققت منها هيومن رايتس ووتش، امرأة على حمالة في سيارة الإسعاف، و21 شخصا بين قتيل ومصاب، بينهم خمسة أطفال، في محيط الإسعاف.
يومها، قال ناطق باسم الجيش الإسرائيلي في مقابلة متلفزة: "رأت قواتنا إرهابيين يستخدمون سيارات الإسعاف للتنقل. رأوا تهديدا، لذا قصفنا الإسعاف". القانون الإنساني الدولي، الذي يسري على النزاع بين إسرائيل والمجموعات الفلسطينية المسلحة، يفرض احترام وحماية سيارات الإسعاف التي تُستخدم حصرا للنقل الطبي مهما كانت الظروف، وهي تخسر حمايتها فقط في حال استُخدمت لتنفيذ أعمال مؤذية للعدو.
قالت لما فقيه، مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "الحاجة إلى نقل المصابين بأمان إلى المستشفيات أساسية في النزاعات المسلحة، لذا تقدم قوانين الحرب الحماية لسيارات الإسعاف المستخدمة لهذا الغرض حصرا. إذا أرادت السلطات الإسرائيلية الادعاء أن هجومها القاتل في 3 نوفمبر/تشرين الثاني على سيارة إسعاف في منطقة مكتظة كان قانونيا، فعليها أن تفعل أكثر من مجرد الإصرار على رواية أن مقاتلين فلسطينيين استخدموا سيارة إسعاف للتنقل".
أعلنت وزارة الصحة في غزة عن مقتل 15 شخصا وإصابة 60 في هذه الضربة. وقالت "جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني" إن سيارتها كانت تنقل امرأة عمرها 35 عاما مصابة بشظايا إلى مستشفى الشفاء، وإن سائق الإسعاف وأحد المسعفين أُصيبا خلال الضربة. وقال مدير "مستشفى القدس"، الذي يعمل تحت إشراف جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، لـ هيومن رايتس ووتش إن الجيش الإسرائيلي لم يقدم أي تحذير قبل الضربة.
قابلت هيومن رايتس ووتش شاهد عيان على الضربة، وعاينت فيديوهات وصورا للإسعاف المتضررة ومحيطها بعد الضربة، التي حدثت قُبيل الساعة 4:30 بعد الظهر في شارع مكتظ، وعلى بعد أمتار من مدخل قسم الطوارئ في مستشفى الشفاء. وتُظهِر هذه الفيديوهات والصور، التي نُشرت على منصات التواصل الاجتماعي، أو التقطها صحفيون من وسائل إعلامية بعد الضربة بقليل، 21 قتيلا ومصابا على الأقل، بينهم على الأقل خمسة أطفال، وثلاث نساء، و13 رجلا. ويظهر أيضا حصان، كان يجر عربة خلف الإسعاف، أنه ميت.
في أحد الفيديوهات، الذي نُشر على منصات التواصل الاجتماعي عند الساعة 4:41 بعد الظهر بالتوقيت المحلي، يظهر أشخاص يهتمون بالمصابين والقتلى المبعثرين على الأرض بجانب الإسعاف، وسط برك من الدماء. ويظهر المشهد نفسه في فيديو ثانٍ، نُشر عند الساعة 4:47 بعد الظهر، بالإضافة إلى داخل الإسعاف، حيث تبدو امرأة في رداء المستشفى وشبكة الشعر الطبية على الحمالة. لا يبدو أنها أُصيبت بالضربة.
قال المصور علي جاد الله لـ هيومن رايتس ووتش عبر الهاتف إنه رأى صاروخا يسقط مباشرة أمام إسعاف كانت متجهة إلى مدخل طوارئ مستشفى الشفاء. قال إن شقيقته أُصيبت برِجليها من جراء الضربة.
وأضاف: "أسرعتُ نحو القتلى والمصابين، أبحث عن شقيقتي. لم أعثر عليها، لم أتمكن من الرؤية بسبب كثافة الدخان. رحت أصرخ اسمها. فتح أشخاص باب الإسعاف لتفقّد الأشخاص داخلها، فرأيت امرأة مستلقية في الداخل. كان السائق مصابا".
القانون الإنساني الدولي، ويُعرف أيضا بقوانين الحرب، يفرض على الأطراف المتنازعة جمع المصابين والمرضى والاهتمام بهم. سيارات الإسعاف، كما المستشفيات، تتمتع بحماية خاصة. يُمنع استهدافها في حال كانت تُستخدم لتقديم الرعاية الطبية مهما كانت، بما في ذلك علاج مقاتلي الأعداء.
يجب السماح لسيارات الإسعاف وآليات نقل طبية أخرى بالعمل، وحمايتها في جميع الظروف. يجب اعتبارها مدنية، وهي تخسر حمايتها فقط في حال استُخدمت لارتكاب "أعمال ضارة بالعدو"، مثل نقل ذخيرة أو مقاتلين أصحاء. استخدام سيارة إسعاف في عمليات عسكرية يشكل انتهاكا لقوانين الحرب، ويثير مخاوف كبيرة في شأن سلامة المرضى والعاملين الطبيين.
لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على أن سيارة الإسعاف كانت تُستخدم لأغراض عسكرية.
في حال أُسيء استخدام آليات النقل الطبي، على القوات المهاجمة أن تصدر تحذيرا لوقف هذا الاستخدام، ويمكنها تنفيذ هجوم فقط في حال لم يتم التجاوب مع التحذير. يجب تفسير شرط التحذير حرفيا، لكن بعض الحالات لا تشترط تحذيرا بسبب الحاجة الفورية للقوات المهاجمة إلى حماية نفسها.
وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تعليق لها: "يُسمح بهكذا قرار استثنائيا فقط، في حالة التهديد المباشر على حياة المقاتلين المتقدمين، حيث يكون واضحا أنه لن يتم الالتزام بالتحذير".
على الأطراف المتنازعة اتخاذ جميع التدابير الوقائية الممكنة لضمان أن يكون هدف الضربة هدفا عسكريا وليس عينا مدنية. وتُحظَر الغارات التي تتعمد استهداف مدنيين أو ممتلكات مدنية أو الأمان التي لا يوجد فيها أهداف عسكرية. ونظرا إلى عدد الضحايا الكبير الظاهر بين المدنيين، قد تكون هذه الضربة كانت غير متناسبة بشكل يخرق القانون، حتى لو كان ثمة هدف عسكري مشروع. تكون هجمة ما غير متناسبة إذا كانت الخسائر المتوقعة في أرواح المدنيين مفرطة مقارنة بالفائدة العسكرية العملية والمباشرة المتوقعة.
الأفراد الذين يقصدون – أي يفعلون ذلك عمدا أو بتهور – الأمر بهجمات غير قانونية أو تنفيذها مسؤولون عن جرائم حرب. بموجب قوانين الحرب، الدول ملزمة بالتحقيق في جرائم الحرب المزعومة وملاحقة المسؤولين عنها.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على "لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقية، وإسرائيل"، التابعة لمجلس حقوق الإنسان الأممي، أن تحقق في الهجوم. في 10 أكتوبر/تشرين الأول، لاحظت اللجنة أن ثمة "أدلة واضحة" على جرائم حرب في إسرائيل وغزة، وأنها ستشارك معلومات مع السلطات القضائية المعنية، لا سيما "المحكمة الجنائية الدولية".
لدى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص قضائي في الأعمال القتالية الحالية بين إسرائيل والمجموعات الفلسطينية المسلحة، يشمل السلوك غير القانوني لجميع الأطراف. ويحظر "نظام روما الأساسي" للمحكمة الجنائية الدولية تعمد توجيه هجمات ضد الوحدات ووسائل النقل الطبية. على المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين أن يتعاونوا مع اللجنة والمحكمة الجنائية الدولية في عملهما.
نفذ الجيش الإسرائيلي آلاف الغارات الجوية على كامل قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، بعد الهجوم الذي شنته "حماس" على إسرائيل وأدى، بحسب السلطات الإسرائيلية، إلى مقتل 1,400 شخص تقريبا، بينهم أطفال ومئات المدنيين، واحتجاز أكثر من 200 رهينة. وبحسب وزارة الصحة في غزة، قُتل، حتى 6 نوفمبر/تشرين الثاني، أكثر من 10 آلاف شخص في غزة، بينهم 4 آلاف طفل. قطعت السلطات الإسرائيلية الخدمات الأساسية عن غزة، ومنعت دخول جميع المساعدات إلى غزة، باستثناء كمية شحيحة.
قالت "منظمة الصحة العالمية" في 1 نوفمبر/تشرين الثاني إنها وثقت 93 "هجمة على المرافق الصحية" في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، بدون أن تعلن عن المسؤول، أدت إلى مقتل 491 شخصا، بينهم 16 عاملا طبيا، ومسّت بـ 39 منشأة صحية و28 سيارة إسعاف. وتفيد تقارير بأن عشرات المنشآت الطبية في غزة أُصيبت بغارات خلال الأعمال القتالية الدائرة.
على الدول أن توقف الدعم العسكري وبيع الأسلحة لإسرائيل طالما أن قواتها ترتكب انتهاكات خطيرة ترقى إلى جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين بدون عقاب. على الحكومات وقف توفير الأسلحة للمجموعات الفلسطينية المسلحة، بما فيها حماس و"الجهاد الإسلامي"، طالما أنها ترتكب هجمات ترقى إلى جرائم حرب ضد المدنيين الإسرائيليين.
قالت فقيه: "يجب أن يتمكن الأطباء والممرضون وسيارات الإسعاف من أداء عملهم والحصول على الحماية في كافة الظروف. قد تكون الدول متواطئة إذا ما استمرت بتوفير السلاح للجيش الإسرائيلي، نظرا إلى الخطر الحقيقي بأن يُستخدم في هجمات غير قانونية".
شهادة المصور
في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع مصور "وكالة الأناضول" علي جاد الله، الذي شهد على ضربة 3 نوفمبر/تشرين الثاني. كما تحققت هيومن رايتس ووتش من الصور والفيديوهات التي التقطها للموقع. كانت روايته متناسقة مع الفيديوهات والصور التي تم التحقق منها. قال جاد الله إنه كان برفقة شقيقته في المستشفى، حيث كانت والدتهما تخضع لعلاج بعض الإصابات من هجوم استهدف منزلهم وقتلت أفرادا آخرين من الأسرة.
قال جاد الله إنه، في وقت الضربة، كان يسير مع شقيقته من المستشفى نحو سيارته لجلب الطعام لوالدته. وأضاف أن العديد من الأشخاص، الذين وصفهم بالمدنيين، كانوا يتحدثون أمام المستشفى، وبينهم أطفال ونساء ونازحون كانوا قد لجأوا إلى المستشفى.
قال إنه رأى سيارات الإسعاف تقترب من مدخل الطوارئ في المستشفى. ثم سقط صاروخ أمام السيارة الأولى مباشرة. عند وقوع الضربة، كانت شقيقته تسير نحو مدخل المستشفى ذاهبة إلى السيارة، وكانت أقرب منه إلى موقع الضربة.
كان جاد الله يصوّر بهاتفه وكاميرته، والتقط المشهد مباشرة بعد الضربة، بما في ذلك صور المريضة التي رآها داخل الإسعاف. وتُظهر صوره أيضا قتلى ومصابين في محيط الإسعاف، ويبدو أن العديد منهم لديهم إصابات بشظايا. الباب الأيمن للإسعاف، والمساحات المحيطة بها تبدو مليئة بالثقوب بسبب شظايا معدنية. لا يبدو أن داخل الإسعاف قد تضرر.
لا تظهر حفرة ارتطام بشكل فوري في الصور أو الفيديو، كما لا وجود لأي أسلحة ظاهرة فيها. راجعت هيومن رايتس ووتش البيانات التعريفية لإحدى الصور التي التقطها جاد الله للموقع بكاميرته وأكدت أنها التُقطت عند الساعة 4:28 بعد الظهر.
قال جاد الله إن شقيقته أُصيبت بشظايا في رِجليها خلال الضربة. وأضاف: "حملتها على ظهري، وأخذتها إلى الطوارئ حيث خضعت للعلاج".
الأحداث والجدول الزمني المحيط بقصف سيارة الإسعاف
قالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إن سيارة الإسعاف التي قُصفت أمام مستشفى الشفاء هي واحدة من خمس سيارات إسعاف كانت تنقل مصابين من مستشفى الشفاء، أحد أكبر مستشفيات غزة، إلى معبر رفح مع مصر كي يحصلوا على رعاية طبية منقِذة للحياة خارج غزة، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني. قالت إن سيارات الإسعاف غادرت المستشفى في حدود الساعة 4:05 بعد الظهر، لكنها اضطرت إلى العودة لأن الركام كان يقطع الطريق.
قالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إن بعد عودتها، أصابت ضربة إسرائيلية إحدى أربع سيارات إسعاف تابعة لوزارة الصحة، على بُعد نحو كيلومتر واحد من مستشفى الشفاء، في شارع الرشيد، ما أدى إلى إصابة فريق العمل والمرضى داخلها. وأضافت أن السيارات الأربع المتبقية عادت إلى المستشفى، حيث قُصفت سيارة الإسعاف الخاصة بها أمام البوابة الأمامية.
نقلت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أن الضربة على شارع الرشيد حدثت عند الساعة 4:30 بعد الظهر، لكن هيومن رايتس ووتش راجعت البيانات التعريفية لصورة التُقطت بُعيد الضربة على سيارة جمعية الهلال الأحمر، وأكدت أنها التُقطت عند الساعة 4:28 بعد الظهر. يبدو أن مكتب غزة الإعلامي كان أول مَن أعلن عن الضربة على منصات التواصل الاجتماعي عند الساعة 4:30 بعد الظهر، ما يعني أن الضربة حدثت قبل 4:30 بعد الظهر بقليل.
تصريحات الجيش الإسرائيلي
بالإضافة إلى المقابلة المتلفزة للناطق باسم الجيش الإسرائيلي حول الهجوم على سيارة الإسعاف التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، نشر الجيش الإسرائيلي بيانا على حسابه على "تيليغرام"، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الساعة 8:09 مساء، يقول فيه إنه استهدف سيارة إسعاف "حددت القوات أن خلية إرهابية تابعة لحماس تستخدمها بالقرب من موقعها في ميدان المعركة". أضاف البيان أن الضربة أدت إلى مقتل "عدد من إرهابيي حماس". وقال البيان أيضا إن الجيش شارك تفاصيل أكثر مع أجهزة الاستخبارات التي يعمل معها، وإنه سينشر معلومات إضافية.
ربطت وسائل إعلام خارجية وإسرائيلية في تقاريرها بين محتوى بيان تيليغرام والضربة على سيارة الإسعاف التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد ما إذا كان بيان تيليغرام يشير إلى الهجوم على سيارة الإسعاف التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أمام مستشفى الشفاء، أم الهجوم الأول على سيارة الإسع