ها نحن نعود مجددا إلى السيرة نفسها.
بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا بفترة وجيزة، روّجت البلدان التي كانت تواجه آنذاك احتمال استضافة لاجئين سوريين لفكرة إنشاء "مناطق آمنة داخل سوريا" يمكن إعادة اللاجئين إليها، رغم أن تلك المناطق تاريخيا لم تكن آمنة، وكانت حتى خطيرة. حاولت تركيا بدورها إقامة مثل هذه المنطقة، والتي تبيّن أنها كانت من بين أخطر الأماكن في البلاد. لم ترتدع بعض دول الاتحاد الأوروبي وعادت إلى طرح هذا الموضوع مجددا.
ذكرت تقارير عزم جمهورية التشيك تنظيم بعثة لتقصي الحقائق بهدف إنشاء منطقة آمنة داخل سوريا تسمح لدول الاتحاد الأوروبي بترحيل اللاجئين السوريين إلى مكان يُفترض أنه آمن لن يتعرضوا فيه للأذى. توجّه هذه الدول أنظارها إلى دمشق وطرطوس، وكلاهما في مناطق تسيطر عليها الحكومة. في معرض تناوله لهذه المسألة، يقول التقرير أن البعثة ستتضمن "قبرص، التي كان تحث على إنشاء ما يسمى بالمناطق الآمنة داخل سوريا للعائدين".
لم تنتظر قبرص نتائج بعثة تقصي الحقائق وبدأت بالفعل بإعادة قوارب اللاجئين السوريين إلى لبنان، الذي تتمتع قواته المسلحة بسجل في ترحيل السوريين بإجراءات موجزة إلى سوريا. علّقت قبرص أيضا إجراءات اللجوء لجميع السوريين في البلاد، وغضّت النظر ببساطة عن حقيقة أن الحكومة السورية نفسها التي تسببت منذ 2011 بمقتل أكثر من نصف مليون شخص وتهجير 12 مليون آخرين قسرا لا تزال في السلطة.
لنكن واضحين: في بلد محفوف بتهديدات محلية بحتة، لا تكون حكومته المركزية متورطة فيها، قد يكون من المنطقي توقع أن النازحين داخليا سيبحثون عن ملجأ داخل المناطق التابعة للحكومة في بلدههم قبل طلب اللجوء خارج البلاد.
غير أن هذا لا ينطبق في سوريا.
حكومة الرئيس بشار الأسد في سوريا هي من يمارس الاضطهاد؛ صحيح أنها لا تتمتع بسيطرة فعلية على كامل البلاد، لكن لا توجد منطقة آمنة في أي مكان في سوريا - سواء كانت خاضعة لسيطرة الحكومة أم لا.
وإذا أدرك المسؤولون التشيكيون والقبارصة وباقي المسؤولين الأوروبيين الذين يحضرون لهذه المهمة هذه الحقيقة الأساسية، سيكون في وسعهم توفير تكلفة تذاكر سفرهم بالطائرة على دافعي الضرائب الأوروبيين وإلغاء هذه الرحلة غير الحكيمة.