مُلخص
الكهرباء هي شريان الحياة الأساسي في الحياة العصريّة، فهي ضرورية بالنسبة إلى كافة جوانب العيش والانخراط في المجتمعات في يومنا هذا. وهي التي تجعل الأسر منتجة ونشيطة اقتصاديا، وقادرة على تعليم أفرادها والحصول على المعلومات الضرورية، والحفاظ على الصحة، والترفيه. وهي أيضا ضرورية للإنارة، والحصول على الرعاية الصحية والأدوية والأجهزة المساعِدة، وتوفير الماء النظيف، وحفظ الطعام، وتدفئة المنازل وتبريدها، والنقل، ولعمل سائل الإعلام، والحصول على المعلومات.
خلُصت "هيومن رايتس ووتش" إلى أنّ الحق المحميّ دوليا في مستوى معيشي لائق يشمل حق كل فرد، دون تمييز، في الحصول على كهرباء كافية وموثوقة وآمنة ونظيفة ويُمكن الحصول عليها بتكلفة معقولة. الحصول على الكهرباء أمر بالغ الأهميّة لضمان الحقوق الأساسية الأخرى، مثل الحق في الصحة والسكن والماء والتعليم على سبيل الذكر لا الحصر، وينبغي الاعتراف بها كحق متميز من حقوق الإنسان. يقع على عاتق الدول واجب ضمان حصول كل فرد على أرضها وتحت ولايتها على الكهرباء. هذا يعني ضمان إنتاج وتوفير الكهرباء بشكل كاف ومستدام، والتعاون الدولي لضمان توفير كهرباء موثوقة ومعقولة التكلفة ومتاحة للمستهلك.
على مدى 30 عاما تقريبا، لم تُحسِن السلطات اللبنانية إدارة شركة الكهرباء التي تديرها للدولة، "مؤسسة كهرباء لبنان"، مما أدى إلى تكرّر انقطاعات واسعة النطاق في التيار الكهربائي تنتهك حق سُكان لبنان في الحصول على الكهرباء، وكذلك حقوقهم الأخرى في الحصول على مستوى معيشي لائق، والتعليم، والصحة، وحرية التنقل، وبيئة صحية. هذه العقود من السياسات غير المستدامة والإهمال الكبير التي اعتمدتها السلطات في قطاع الكهرباء، والتي كانت نتيجة لسيطرة النخبة على موارد الدولة والفساد والمصالح الخاصة، تسببت في انهيار القطاع بالكامل في خضمّ الأزمة الاقتصادية المستمرّة، ما ترك البلاد بلا كهرباء معظم أوقات اليوم.
استنادا إلى مسح تمثيلي لأكثر من 1,200 أسرة، وكذلك مقابلات مع خبراء في الطاقة ومراجعة لتقارير تقنية، يُسلّط هذا التقرير الضوء على كيفية تكيّف سكان لبنان في ظل تقاعس الدولة عن توفير أكثر من ساعة أو ساعتين من الكهرباء في اليوم، والنسبة المئوية التي يخصصها الأفراد من دخلهم للحصول على الكهرباء من مصادر خاصة، وكيف يتسبب هذا النظام في تفاقم عدم المساواة في البلاد، وتأثير نقص الكهرباء على قدرة الناس على تحقيق أبسط حقوقهم، مما يدفع بهم إلى مزيد من الفقر. يبحث التقرير أيضا في أسباب تفكّك قطاع الكهرباء وأسباب استعصاء إصلاحه. أخيرا، يقدّم التقرير توصيات إلى لبنان ومانحيه الدوليين بشأن ما ينبغي أن يكون عليه قطاع الكهرباء حتى يحترم حقوق الإنسان ويكون مستداما وذي تكلفة معقولة.
منذ انتهاء الحرب الأهليّة في 1989، أدّى سوء الإدارة والفساد والإهمال والتقاعس عن إعادة بناء البنية التحتية للكهرباء إلى عجز مؤسسة كهرباء لبنان بشكل متزايد عن إنتاج ما يكفي من الكهرباء لتلبية الطلب في البلاد. بدلا من ذلك، لجأت المؤسسة إلى ترشيد استهلاك الكهرباء [التقنين]، وتزويد السكان بها من 12 إلى 21 ساعة في اليوم حتى 2021، بحسب المنطقة، مع تقنين أكبر بكثير في المناطق البعيدة عن العاصمة بيروت. بين 2008 و2018، تراجع إنتاج مؤسسة كهرباء لبنان من 78% من احتياجات لبنان إلى حوالي 55-64% فقط.
رغم أنّ انقطاع الكهرباء بقي مشكلة مستمرة على مدى عقود، إلا أنه تحوّل إلى أزمة شاملة في صيف 2021، عندما عجزت الدولة اللبنانية عن توفير العملة الأجنبيّة اللازمة لشراء الفيول. منذ ذلك الحين، باتت مؤسسة كهرباء لبنان تكافح لتوفير أكثر من 1-3 ساعات من الكهرباء في اليوم. باتت سوق مولّدات الديزل [المازوت] المُربحة، رغم أنها مُكلِفة للغاية وشديدة التلوث، هي التي تعمل على سدّ فجوة التغذية بالتيار الكهربائي القائمة منذ عقود، لكن هذه المولدات متاحة فقط لمن يستطيع تحمّل تكلفتها. أصبحت الكهرباء في لبنان فعليا خدمة لا يستطيع تحمل تكلفتها سوى الأثرياء، مما عمّق عدم المساواة المتجذّر في البلاد، ودفع الناس إلى مزيد من الفقر في خضم واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث.
منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، يمرّ الاقتصاد اللبناني بأزمة مالية عميقة بلغت ذروتها في أول تعثّر سيادي للبلاد في مارس/آذار 2020. تسبّبت التداعيات الاقتصادية لـ"جائحة كورونا"، والمأزق السياسي، وانفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020 في تعميق الركود الاقتصادي المستفحل أصلا وتسريع انهيار الاقتصاد.
قفزت نسبة التضخم إلى 145% في المتوسط سنة 2021، لتضع لبنان في المرتبة الثالثة عالميا من حيث أعلى معدّلات التضخم، بعد فنزويلا والسودان. كبح هذا بدوره القدرة الشرائية والقدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية للأسر، وكان تأثيره الأشدّ على الأسر الأكثر فقرا في لبنان. بالإضافة إلى ذلك، تسبب انفجار المرفأ في 4 أغسطس/آب 2020، الذي خلّف أكثر من 200 قتيل و6 آلاف جريح و300 ألف شخص بلا مأوى، بأضرار كبيرة للبنية التحتية، بما في ذلك النقل والطاقة وإمدادات المياه والصرف الصحي والخدمات البلديّة وتراوحت قيمة الخسائر بين 390 و475 مليون دولار. بحسب "البنك الدولي"، تسبب الانفجار بأضرار مادية تقدّر بنحو 3.8-4.6 مليار دولار.
فقدت العُملة أكثر من 95% من قيمتها قبل الأزمة. أدّى هذا الانخفاض السريع في قيمة الليرة، وكذلك العقبات التي واجهت سلسلة التوريد ونقص الوقود، إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية وصل إلى 483% في يناير/كانون الثاني 2022 مقارنة بالعام السابق، وظلّ مرتفعا في حدود 332% حتى يونيو/حزيران 2022. شهدت أسعار الكهرباء والماء والغاز ارتفاعا حادا بلغت نسبته 595%.
هذه الأزمات المتفاقمة دمّرت سُبل عيش عشرات آلاف الأشخاص الذين مازالوا يعانون من انقطاع الكهرباء وتردّي الأوضاع الاقتصادية. ارتفاع البطالة، وتراجع التحويلات، وعدم كفاية نظام الحماية الاجتماعية، ورفع الدعم عن الواردات الأساسية مثل القمح والفيول، زاد من الصعوبة التي يواجهها الأفراد لتلبية لاحتياجاتهم الأساسية، مما دفع بالملايين نحو الفقر وفاقم العوز والحاجة. تُقدّر "الأمم المتحدة" أنّ أكثر من ثلثي سكان لبنان يعيشون الآن في فقر.
عملت هيومن رايتس ووتش مع شريك محلي، هو "مؤسسة البحوث والاستشارات"، لإجراء مسح أسري لعيّنة تمثيلية شملت 1,209 أسرة لبنانية كانت تعيش في ذات المنزل منذ 2019. استثنت هذه العيّنة مخيمات الفلسطينيين والمخيمات الرسمية وغير الرسمية للاجئين السوريين، التي تحصل على الكهرباء من مولدات خاصة توفرها وكالات الأمم المتحدة، والأشخاص الذين لم يكونوا مقيمين دائمين أو كانوا في منازل ثانوية. المسح، الذي أجري بين نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ويناير/كانون الأول 2022، سأل الأسر عن مستويات حصولها على الكهرباء، ودفع فواتير الكهرباء، واستعدادها للدفع، والسياسات التي يفضلونها، والوضع الاقتصادي، وآثار نقص الكهرباء عليها. أجرينا أيضا بحثا نوعيا شمل مقابلات مع متخصصين في الطاقة، ومراجعة للكتابات ذات الصلة والمقالات الإعلامية حول إخفاقات قطاع الكهرباء في لبنان وأثرها على الصحة والبيئة.
أظهرت نتائجنا بوضوح مدى مساهمة أزمة الكهرباء في تعميق عدم المساواة، ودفع الناس نحو الفقر، وعرقلة حصولهم على الحقوق الأساسية مثل الغذاء والماء والصحة، والتسبب في تلوث الهواء على نطاق واسع، مما يؤثر على البيئة وصحة السكان.
وجدنا أنّه في الفترة بين نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ويناير/كانون الثاني 2022، حصلت الأسرة المتوسطة على الكهرباء من مؤسسة كهرباء لبنان [كهرباء الدولة] بما لا يتجاوز 10% من اليوم، أي بمعدّل ساعتين لكل أسرة متوسطة، وهو ذات المعدّل في كل أنحاء البلاد.
الاستفادة من مولّد خاص أو الاشتراك في مولد تديره جهة تجارية لسدّ الفجوة الحاصلة في كهرباء الدولة يعتمد كثيرا على الدخل. أظهر بحثنا أنّ الأسر ذات الدخل المنخفض كانت الأقلّ قدرة على تحمّل تكاليف المولدات الخاصة أو الاشتراكات في المولدات التجارية. في الـ20% من الأسر الأكثر فقرا، كانت واحدة من كل خمس أسر لا تحصل على الكهرباء من مولّد. بالمقارنة، ترتفع هذه النسبة إلى أسرة واحدة فقط من كل 50 أسرة من الـ20% من الأسر الأكثر ثراء. عندما سُئل الذين ليس لا يمكنهم الاستفادة من مولّد عن السبب، كانت الإجابة الأكثر شيوعا (75%) أنهم لا يستطيعون تحمّل تكاليف ذلك. قالت العديد من الأسر لـ هيومن رايتس ووتش إنها اضطرت إلى وقف اشتراكات المولدات بسبب ارتفاع تكلفة الديزل والتضخم العام، مما يجعل من الصعب جدا عليها تغطية نفقاتها.
إضافة إلى ذلك، أنفقت الأسر ذات الدخل المنخفض حصّة أكبر بكثير من دخلها على فواتير مولدات الكهرباء مقارنة بالأسر الأكثر ثراء، مما زاد الضغط على ميزانياتها وجعلها أكثر عرضة إلى التخلف عن سداد نفقات أساسية أخرى. وجدنا أن الأسرة المتوسطة لديها فواتير مولّدات قيمتها 44% من دخلها الشهري. كان التفاوت بين مستويات الدخل هائلا. بالنسبة إلى الذين ينتمون إلى الشريحة الخُمسيّة الدنيا ويستفيدون من مولّد، استهلكت ّ فواتير المولد في المتوسط 88% من دخلهم الشهري مقارنة بـ21% من الشريحة الخُمسيّة العليا.
رغم أنها تستنزف جزءا كبيرا من دخل الأسر، إلا أن المولّدات والمصادر البديلة، مثل الألواح الشمسية، لم تسدّ تماما الفجوات الحاصلة في إمدادات الكهرباء. تقدّر الأسر اللبنانية المتوسطة أنها تقضي حوالي تسع ساعات في اليوم دون كهرباء من أيّ مصدر، بعد أن كان ذلك في حدود 90 دقيقة في اليوم قبل الأزمة. دخل الأسرة هو أيضا عنصر محدِّد لمتوسط عدد ساعات الحرمان من الكهرباء في اليوم. أفادت الشريحة الخُمسيّة الأكثر فقرا أنها تبقى دون كهرباء لمدة 11 ساعة في اليوم في المتوسط مقارنة بست ساعات فقط بالنسبة إلى الشريحة الخُمسيّة الأكثر ثراء. إضافة إلى ذلك، تقضي الأسر أحيانا أياما كاملة دون الحصول على كهرباء من أيّ مصدر. أبلغت أسرة واحدة من كل 40 أسرة تقريبا أنها بقيت دون كهرباء 30 يوما كاملا أو أكثر خلال الأشهر الثلاثة السابقة للمسح. البقاء دون كهرباء ليوم كامل أو أكثر كان متسقا مع دخل الأسرة. بينما تحدث حوالي نصف الأسر في الشريحة الخُمسية ذات الدخل الأضعف عن انقطاع الكهرباء لفترات تصل إلى 24 ساعة وأكثر، تحدث فقط ربع العائلات الأكثر ثراء عن نفس المشكلة.
التفاوت في قدرة الناس على الحصول على الكهرباء يعكس السياق الأوسع للتفاوت طويل الأمد في الدخل والثروة في لبنان، والذي يُعدّ من الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويتسبب أيضا في تفاقم عدم المساواة الحالية.
اقتران ارتفاع تكاليف الكهرباء مع الوضع الاقتصادي السيء يعني أنّ الأسر مجبرة على اتخاذ قرارات صعبة حول كيفية تدبير أمورها. إجابة على المسح الذي أجريناه، قالت تسعة من كل عشر أسر تقريبا إنّ تكلفة الكهرباء أثرت على قدرتها على دفع تكلفة الخدمات الأساسية الأخرى. إضافة إلى ذلك، تحدث هذه الصعوبات بشكل متكرر، حيث أن ثلثيْ الأسر قالت إنّ تكاليف الكهرباء أثرت على قدرتها على دفع تكاليف الضروريات عدّة مرات في الشهر، وأنّ 20% منها قالت إنّ الأمر يتكرر كل شهر تقريبا. كانت هذه التجربة شائعة في كل المجتمع اللبناني إلى درجة أنّ الشريحة الخُمسيّة الأعلى دخلا فقط هي التي قال فيها أقلّ من نصف الأسر إنها لم تتأثر بذلك مرات عدّة في الشهر.
علاوة على ذلك، تقع الكهرباء في صميم العيش بكرامة في حياتنا المعاصرة، وبالتالي فإنّ نقص الكهرباء له تأثير خطير على الحق في مستوى معيشي لائق، والحق في التعليم والصحة وكسب العيش. خلُصت هيومن رايتس ووتش إلى أنّ لكلّ شخص الحق في الحصول على كهرباء ميسورة التكلفة ومتاحة وموثوقة ونظيفة كجزء من الحق في مستوى معيشي لائق، وأنّه يتعيّن على لبنان الاعتراف بهذا الحق كحق قائم في حد ذاته من حقوق الإنسان. سألنا الناس عما إذا كان نقص الكهرباء قد أثر على قدرة أسرهم على حفظ الطعام مبردا أو مجمدا، والحصول على كمية كافية من الماء، أو الحفاظ على درجة حرارة معقولة وآمنة في منازلهم، أو طهي الطعام وتسخينه، أو المشاركة في الأنشطة المتعلقة بالتعليم أو العمل، أو الوصول إلى منازلهم. أكثر من 80% من الأسر قالت إنّ واحدا أو أكثر من هذه الأنشطة السبعة تأثر بنقص الكهرباء وقالت ربع الأسر أن أربعة أو أكثر من هذه الأنشطة تأثرت بذلك. قالت ثلث الأسر إنّ نقص الكهرباء أثر على قدرتها على طهي الطعام وتسخينه، في كثير من الأحيان بشكل يومي. قالت أكثر من ثلث الأسر التي لديها أطفال إنها واجهت صعوبة في دفع تكاليف الوجبات الغذائية المدرسية، ويُعزى ذلك بدرجة كبيرة إلى التكلفة العالية للكهرباء التي تستنزف معظم الدخل.
بالإضافة إلى الحرمان غير المتناسب للأسر ذات الدخل المنخفض من التمتع بحقها في الكهرباء، فإنّ اعتماد نظام الكهرباء اللبناني على محطات تعمل بزيت الوقود الثقيل وعلى مولدات الديزل يتسبب في تلوث كبير للهواء ويلحق أضرارا هائلة بالبيئة وكانت له آثار كبيرة على صحة سكان لبنان، متسببا في مقتل الآلاف كل عام بحسب بيانات "غرينبيس". إضافة إلى الآثار الصحية، وجدت غرينبيس أنّ التكلفة السنوية لتلوث الهواء الناجم عن الوقود الأحفوري في لبنان بلغت 1.4 مليار دولار، أو بين 1.3 و4% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في 2018، بسبب فقدان العمل وتكاليف الرعاية الصحيّة ذات الصلة.
رغم إخفاق مؤسسة كهرباء لبنان في ضمان تغذية مستمرة بالكهرباء للسكان، تُظهر أرقام وزارتي المالية والطاقة أنّ مؤسسة كهرباء لبنان لديها عجز يتراوح بين 1.5 و2 مليار دولار سنويا على امتداد السنوات العشر الأخيرة. يُقدّر البنك الدولي أنّ التحويلات السنوية من الميزانية إلى مؤسسة كهرباء لبنان بلغت في المتوسّط 3.8% من الناتج المحلّي الإجمالي للبنان في العقد الأخير، أي ما يقرب من نصف العجز المالي العام. بين 1992 و2018، شكّلت التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان أكثر من 40 مليار دولار من الدين العام في البلاد.
سبب افتقار مؤسسة كهرباء لبنان إلى الاستدامة المالية يعود إلى ارتفاع تكاليف إنتاج الكهرباء وانخفاض استرداد التكاليف. يعتمد لبنان على زيت الوقود الثقيل الباهظ والديزل لإنتاج الكهرباء. إضافة إلى ذلك، لم تتم صيانة محطات الطاقة كما يجب، وهي قديمة وغير فعالة، وتنتج أقلّ من قدرتها الفعليّة.
مع ذلك، فإنّ استرداد التكلفة في لبنان منخفض للغاية بسبب التعرفة المنخفضة بصورة مصطنعة والتي لم تتغير مند 1994، ونقص الصيانة اللازمة، ما يؤدي إلى خسائر فنية عالية، والمعدّلات العالية لسرقة الكهرباء وعدم دفع الفواتير.
وعدت الحكومات المتعاقبة على مدى عقود بإصلاح قطاع الكهرباء المتداعي، لكن هذه الوعود لم تتحقق. يُمارس مجلس الوزراء، وخاصة وزير الطاقة والمياه، سيطرة شبه كليّة على القطاع مع القليل من الشفافية والمساءلة، ويُصدر تراخيص وتصاريح الانتاج، ويضع السياسات المتعلقة بالقطاع ويُشرف عليها، ويتولى الرقابة المالية.
مثل أغلب مؤسسات الدولة الأخرى، يُعاني قطاع الكهرباء من الفساد والإهمال وسوء الإدارة، وهو خير مثال على إخفاقات بناء الدولة بعد الحرب والطائفية السياسية في لبنان.
عملت الأحزاب السياسية في الحكومة على ترك مؤسسة كهرباء لبنان في حالة ضعف، حيث عيّنت مجالس إدارتها على أساس الانتماء الحزبي بدلا من الكفاءة، ورفضت تعيين أعضاء "الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء" (هيئة تنظيم قطاع الكهرباء) على النحو المنصوص عليه في القانون، ووضعت نظاما فضفاضا لصنع القرار يُعتبر "آلية مثالية لتجنب المساءلة"، وفقا لأحد خبراء الطاقة. باعتراف الحكومة نفسها، فإنّ "هيكليّة الحوكمة تقع في صلب التحديات التي يواجهها القطاع... والتدخلات السياسية ... تعيق اتخاذ القرارات وتطوير القطاع".
بدلا من ذلك، استخدم السياسيون والأفراد الذين لديهم صلات سياسية قطاع الكهرباء لتعزيز أهدافهم السياسية، بما في ذلك من خلال توزيع الوظائف في مؤسسة الكهرباء كشكل من أشكال المحسوبية بغية تحقيق أرباح هائلة من العقود المُربِحة، غالبا على حساب الدولة، وجني الأرباح من سوق المولّدات في القطاع الخاص.
في يوليو/تموز 2020، ذكر تحقيق قضائي لبناني أنّ الحكومة اشترت منذ 2005 ما قيمته مليارات الدولارات من الوقود الملوث والمغشوش نتيجة مخطط تزوير مزعوم واختبارات جودة مزوّرة مزعومة. بحسب لائحة اتهام صادرة عن السلطات اللبنانية، يُزعم أن مسؤولين في وزارة الطاقة وأفراد في المختبرات تلقوا رشاوى لإصدار تقارير كاذبة تؤكد أنّ الوقود الذي يتمّ تسليمه مطابق للمواصفات الدولية. احتوى هذا الوقود الملوث على مواد كيميائية محظورة تسببت في أضرار لمحطات الطاقة في لبنان وشكّلت مخاطر صحيّة وبيئية جسيمة.
الحالة الثانية البارزة التي أدت إلى تحقيق قضائي وتدقيق حكومي آخر بسبب سوء الإدارة المزعوم كانت متعلقة بعقد أبرمه لبنان مع شركة تركيّة، "كارباورشيب"، لتوفير حوالي 370 ميغاوات من الكهرباء من باخرتَين عائمتَين راسيتَين في مرفأي الجيّة والذوق – أي ما بين 20 و25% من القدرة الإنتاجية للطاقة في للبنان. وجد "التفتيش المركزي" في لبنان، الجهاز الحكومي المسؤول عن مراقبة الإدارات العامة، أنّ بعض جوانب العقد قد انتُهكت وأن بعض البنود بدت أنها تصب لصالح كارباورشيب على حساب مؤسسة كهرباء لبنان والدولة اللبنانية.
انتقد الخبراء الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش أيضا الصفقة لأنها كلّفت الدولة اللبنانية أكثر من 1.5 مليار دولار، دون احتساب تكلفة الفيول الذي توفره الدولة لتشغيل الباخرتَين. قدّر الخبراء أنّ توفير مبلغ مالي أكبر بقليل كان سيُمكّن لبنان من بناء ثلاث محطات طاقة جديدة.
إضافة إلى ذلك، ونظرا لعدم قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على تلبية الطلب في لبنان، ازدهر قطاع غير رسمي لمولدات الديزل والذي تقدر قيمته بنحو ثلاثة مليار دولار في جميع أنحاء البلاد. هذه المبالغ المالية الضخمة في سوق المولّدات، وكذلك مصالح مستوردي الديزل، تساعد على شرح سبب استعصاء إصلاح قطاع الكهرباء واستمرار الحكومة في انتهاج سياسات تُرسّخ اعتماد لبنان على النفط. يُمارس مستوردو الديزل نفوذا كبيرا على المستوى الوطني، ويرجع ذلك أساسا إلى التداخل بين المساهمين في هذه الشركات والمنظومة السياسية.
أقرّ الدكتور خالد نخلة، مستشار وزير الطاقة، في بث تلفزيوني مباشر بأنّ "خراب قطاع الطاقة له علاقة بالنفوذ الكبير الموجود في قطاع المولدات، وحجم الأعمال الهائل الذي يتعدى... لا أعتقد أن كل هذه الأعمال، هذه الأعمال الضخمة، ستُسهّل وصول كهرباء [الدولة] وأن يتوقف كل هذا العمل".
في هذا السياق، ليس من المستغرب إذا أنّ الدولة اللبنانية لم تستثمر في مصادر الطاقة المتجددة رغم أنّ الخبراء يقدّرون أنّ موارد لبنان من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يُمكن أن تُنتج كهرباء تفوق عدة مرات احتياجات البلاد. في 2019، كانت حصّة الطاقة المتجدّدة من إجمالي إنتاج الكهرباء في لبنان فقط 7.83%، منها 0.73% من الطاقة الشمسية و1.82% من الطاقة الكهرومائية.
واحد من أهم الحقوق الأساسية لحقوق الإنسان هو حق كل فرد في مستوى معيشي لائق المكفول في معاهدات مثل "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، وهي ملزمة للبنان. يشمل هذا الحق حقوقا أساسية أخرى مثل حق كل فرد في الحصول على مياه وغذاء وسكن بشكل مناسب وميسور التكلفة ومتاح. تعتقد هيومن رايتس ووتش أنّ هذا الحق ينبغي أن يشمل أيضا بشكل صريح حق كل فرد في كهرباء كافية ونظيفة ومتاحة وميسورة التكلفة. يتعيّن على لبنان الاعتراف بحق كل فرد في الكهرباء وإلزام مؤسسة كهرباء لبنان وكل مؤسسات الدولة بضمان تحققه.
السلطات اللبنانية مسؤولة عن الانتهاكات اليومية لحقوق السكان في الكهرباء ومستوى معيشي لائق والتعليم والصحة والبيئة الصحية، والناجمة عن أزمة الكهرباء المستمرة. يقع على لبنان واجب اتخاذ خطوات فورية وعاجلة لضمان حصول جميع السكان على تغذية كهربائية مستمرّة ونظيفة وبأسعار معقولة.
على المؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك "صندوق النقد الدولي" والبنك الدولي، حث الحكومة اللبنانية على إصلاح قطاع الكهرباء بما يتماشى مع التزاماته المتعلقة بحقوق الإنسان، وضمان حصول كل فرد، بغضّ النظر عن وضعه الاجتماعي والاقتصادي، على الكهرباء وضمان قدرته على تحمل كلفتها. يتعيّن على البنك الدولي الامتناع عن تمويل أي مشاريع طاقة جديدة تعتمد على الوقود الأحفوري، وبدلا من ذلك تقديم الدعم الفني والمالي لتوسيع البنية التحتية للطاقة المتجددة.
التوصيات
إلى البرلمان
· تكريس الحق في الكهرباء في جميع القوانين والأنظمة الوطنية ذات الصلة؛
· التعجيل في إصدار بعض القوانين التي وافق عليها لبنان في الاتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي، وتحديدا قانون تقييد حركة رأس المال (’كابيتال كونترول‘) وقانون رفع السريّة المصرفيّة، مما سيُتيح مليارات الدولارات من المساعدات للبنان ويضعه على طريق التعافي المستدام، وهو ما من شأنه أن يُشجع الاستثمار في القطاعات الأساسية، بما في ذلك قطاع الكهرباء؛
· تمرير مشروع قانون إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة، الذي يضع الأسس لتشجيع إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة من خلال إرساء المبادئ الرئيسية لإنجاز المشاريع باستخدام نظام العداد الصافي بجميع أشكاله، والتجارة في الطاقة المتجددة (الموزعة) من نظير إلى نظير (فقط) عبر اتفاقيات الشراء المباشر للطاقة و/أو تأجير معدّات الطاقة المتجددة؛
· تمرير مشروع قانون كفاءة الطاقة، الذي من شأنه أن يقلّل من استهلاك الطاقة عبر فرض استخدام تدابير كفاءة الطاقة في القطاعين العام والخاص؛
· توسيع الحيّز المالي للحماية الاجتماعية من خلال إصلاح النظام الضريبي التنازلي في لبنان لإنشاء نظام تصاعدي للضريبة على الدخل، وطرح ضريبة على الثروة؛
· إنشاء نظام حماية اجتماعية شامل يضمن مزايا في كل مراحل الحياة، مثل منح الأطفال وإعانات البطالة ومعاشات الشيخوخة.
إلى مجلس الوزراء
· التعجيل بتنفيذ القانون 462/2002، الذي ينظم قطاع الكهرباء، ويُنشئ هيئة تنظيم قطاع الكهرباء، ويفصل أنشطة الكهرباء، وإصدار أي مراسيم تنفيذية لازمة لإنفاذه؛
· التعجيل بإصدار مرسوم تعيين أعضاء هيئة تنظيم قطاع الكهرباء في إطار عملية اختيار شفافة قائمة على الجدارة، مع ضمان قيام الهيئة بعملها بطريقة ذاتية ومستقلة؛
· القيام فورا بزيادة قدرة إنتاج الكهرباء من الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية. كلما كان الانتقال إلى الطاقة المتجددة أسرع، كلما ازدادت الوفورات المالية التي سيحققها لبنان وازدادت فرص العمل التي تُنشأ وعدد الأرواح التي تُنقَذ جراء خفض تلوث الهواء. صرّح البنك الدولي مرارا عن عزمه تمويل الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة ويتعيّن على الوزراء طلب التمويل لهذا الغرض من البنك الدولي ومن مصادر أخرى.
· في انتظار تعيين هيئة تنظيم قطاع الكهرباء وحتى تتمكّن من تنظيم ومراقبة ممارسات الشراء العام، ينبغي التأكد من أن تكون أيّ عقود جديدة يتم توقيعها فيما يتصل بقطاع الطاقة متوافقة مع قانون الشراء العام لسنة 2021 وأفضل الممارسات الدوليّة، وأن تكون العقود الموقعة متاحة للعموم؛
· إنشاء آلية مستقلّة للشكاوى تسمح للمتقدّمين إلى المناقصات بالطعن في القرارات أثناء عمليّة فض العروض حتى منح العقد؛
· إطلاق تدقيق في أصول مؤسسة كهرباء لبنان وإلزام المؤسسة بالإفصاح عن بياناتها المالية والتشغيلية للعلن؛
· اتخاذ القرارات اللازمة للوفاء بـ "مساهمة لبنان المحدّدة وطنيّا" لبلوغ نسبة 18% دون قيد أو شرط، ونسبة 30% المشروطة، من طلبه على الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2030؛
· قبل رفع تعرفة الكهرباء، ينبغي التأكد من قدرة مؤسسة الكهرباء على توفير تغذية كهربائية مستقرة للأسر، ومن وجود نظام حماية اجتماعية شامل لدعم حق جميع السكان في الحصول على الخدمات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء. التأكد من اعتماد تعرفات تصاعدية، تسمح للأقل استهلاكا بدفع تعرفات منخفضة. وكجزء من هيكليّة الأسعار الجديدة، ينبغي تضمين آليات تضمن عدم إنفاق الأسر لجزء كبير من دخلها على الكهرباء، ما يحرمها من التمتع بحقها في مستوى معيشي لائق. ينبغي تحديد هذا الجزء بالتشاور مع الخبراء ومنظمات المجتمع المدني؛
· اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان إنفاذ الوزارات المعنية للأنظمة المتعلقة بقطاع المولدات، وهذا يشمل تعرفة مولدات تحمي المستهلكين من الفواتير المبالغ فيها، وتركيب عدّادات لجميع المولّدات، وتحديد مستويات انبعاثات مقبولة للمولّدات؛
· تنفيذ "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2020-2025" مع التأكد من أنّ "اللجنة الوزارية لمكافحة الفساد" و"اللجنة الفنية" المساعدة لها تتمتعان بالصلاحيات الكافية ولديهما الموارد والخبرة الفنية اللازمة لتنفيذ الاستراتيجية ومراقبتها؛
· إنشاء هيئة وطنيّة موحّدة لتنفيذ سياسات الحماية الاجتماعية تشمل الوزارات المعنيّة والإدارات العامة والأطراف الفاعلة في المجتمع المدني؛
· تعزيز أطر الحوكمة ومكافحة الفساد وغسل الأموال/مكافحة تمويل الإرهاب، وضمان استشارة المنظمات العامة ومنظمات المجتمع المدني بشكل هادف بشأن القرارات المتعلقة بقطاع الكهرباء، وإبلاغ القرارات التي تؤثر على السكان بشكل واضح.
إلى وزارة الطاقة والمياه
· تنفيذ القانون 462/2022؛
· تحديث خطّة الكهرباء 2022 بغية تحديث الأطر الزمنية للإجراءات اللازمة بناء على التطورات التي حدثت خلال العام الماضي، وإعطاء أولويّة أكبر للتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة والاعتماد عليها، خاصة الطاقة الشمسيّة، للوفاء بالتزامات لبنان في "مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في غلاسكو" "كوب26"، وتحديد أجزاء القانون رقم 462 التي يجب تعديلها مع الالتزام صراحة بعدم إضعاف الاستقلالية والصلاحيات التي يمنحها القانون لهيئة تنظيم قطاع الكهرباء؛
· إنشاء قسم تخطيط خاص بالبنية التحتية في الوزارة ووضع إطار تخطيطي يُعيد تعريف أدوار أهم الجهات المعنية في مختلف مراحل عملية التخطيط. ينبغي أن تكون عملية التخطيط شفافة وتشاركية، ويجب أن تغطّي البنية التحتية الهيدروكربونية (المراحل الأولى والوسطى والأخيرة)، ومشاريع إنتاج الطاقة (الحرارية والمتجددة)، والاستثمارات في شبكة الكهرباء (النقل والتوزيع)، والمشاريع والبرامج غير المتصلة بالشبكة؛
· تشكيل إدارة فنيّة للطاقة المتجددة تابعة لهيئة تنظيم قطاع الكهرباء لتقديم المشورة للهيئة بشأن المسائل الفنية المتعلقة بتنفيذ التقنيات المتجددة؛
· إنشاء هيئة بالاشتراك مع وزارة البيئة تكون مسؤولة عن وضع متطلبات البيئة والصحة العامة والسلامة لمعدّات التوليد الخاصة، بما في ذلك مولّدات الديزل والألواح الشمسيّة، مع ضمان تزويدها بصلاحيات لمراقبة تجهيزات التوليد الخاص، وضمان احترامها للمعايير المطلوبة، مع تمكينها من اتخاذ إجراءات ضدّ المخالفين، سواء بالغرامات أو الإحالة على القضاء؛
· بينما لا يزال أصحاب مولدات الديزل يزوّدون شريحة كبيرة من السكان بالكهرباء، يجب التأكد من التزامهم بالتعرفة التي حددتها الوزارة وعدم فرض رسوم زائدة على المستهلكين؛
· اعتماد خطّة لجعل عمليّات مؤسسة الكهرباء لبنان أكثر حداثة وكفاءة، وذلك من خلال:
o تحسين ترتيبات الحوكمة الخارجية والداخلية لمؤسسة كهرباء لبنان، بحيث يصبح مجلس إدارتها يعمل بشكل مستقل ودون تدخل لا داعي له من النخبة السياسية،
o تعزيز العمليات التجارية الأساسية لمؤسسة كهرباء لبنان، بما في ذلك من خلال تعزيز تخطيط أنظمتها، ودمج أنظمة تكنولوجيا المعلومات، واستخدام العدادات الذكيّة،
o تحسين الأداء الإداري لمؤسسة كهرباء لبنان، بما في ذلك من خلال إجراء تقييم للاحتياجات لتحديد قدرات الموظفين الحالية في ضوء الاحتياجات الجديدة، وتحديد متطلبات إعادة التخصيص والتدريب، وعند الضرورة تعيين موظفين جدد يتمتعون بالخبرة الفنية المطلوبة بناءً على معايير واضحة ودون تدخل سياسي؛
· توسيع وتجديد شبكة النقل لتلبية الطلب المتزايد وضمان التغذية بشكل موثوق؛
· وضع خطّة للحدّ من الخسائر الفنية لشبكة التوزيع، وتعزيز تحصيل إيرادات المؤسسة، بما في ذلك من خلال تركيب عدادات ذكيّة؛
· إلزام مؤسسة كهرباء لبنان وأيّ مزوّد آخر للكهرباء، بما في ذلك أصحاب المولدات، بتقديم إشعار خطي أو هاتفي أو شخصي قبل فصل الكهرباء عن المنازل؛
· إصدار مجموعة من اللوائح بشأن فصل الكهرباء، بما في ذلك منع فصل الكهرباء عن المنازل عندما يكون العميل غير قادر على الدفع وعندما يكون تأثير الفصل خطيرا بشكل خاص على الصحة، أثناء الطقس القاسي على سبيل المثال؛
· وضع إجراءات بسيطة للفئات الضعيفة اجتماعيا، مثل الأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن والأسر ذات الدخل المنخفض، لتقديم مطالب والتسجيل في الحماية من الفصل؛
· إعطاء أولوية الحصول على الكهرباء إلى الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يحتاجون إلى تكنولوجيا مساعِدة تعتمد على الكهرباء للعيش المستقل والمشاركة في المجتمع؛
· ضمان عدم فصل الكهرباء عن أي أسرة بسبب عجزها عن الدفع؛
· السماح بخطط سداد تسمح بتوزيع تكاليف الكهرباء على مدار السنة؛
· وضع برامج إعادة تدريب للعاملين في قطاع المولدات لتزويدهم بالمهارات اللازمة لتحويل نماذج عملهم من تزويد الأحياء بالكهرباء المولدة من الديزل إلى الكهرباء المولدة من الطاقات المتجددة، مثل الطاقة الشمسية.
إلى وزارة البيئة
· التأكد من أنّ أجهزة مراقبة جودة الهواء شغالة وأنها قادرة على رصد الجسيمات الدقيقة التي يبلغ قطرها 2.5 ميكرون أو أقل (بي إم 2.5)، التي تعتبر من الملوثات الرئيسية المثيرة للقلق؛
· إنشاء مصادر فعالة للمعلومات العامة للسماح بنشر نتائج أجهزة المراقبة للعلن وإطلاع المجتمعات المتضررة عليها، ووضع نظام استشاري فعال للصحة العامة لإصدار تحذيرات لتجنب الأنشطة في الهواء الطلق أو للحدّ من التنقل بالسيارات في الأيام التي تكون فيها نسبة التلوث في الهواء مرتفعة؛
· إنشاء هيئة مشتركة مع وزارة الطاقة تكون مسؤولة عن وضع المتطلبات المتعلقة بالبيئة والصحة العامة والسلامة للمعدّات الخاصة لتوليد الكهرباء، بما في ذلك مولدات الديزل والألواح الشمسية، والتأكد من أنّ الهيئة مخوّلة لمراقبة انتشار معدات لتوليد الكهرباء الخاصة، وضمان التزامها بالمعايير المطلوبة، وأنها قادرة على اتخاذ اجراءات ضدّ المخالفين، سواء بالغرامات أو الإحالة على القضاء.
إلى وزارة الشؤون الاجتماعية
· إنشاء نظام حماية اجتماعية شامل يضمن الحق في الضمان الاجتماعي والحق في مستوى معيشي لائق لكل فرد في لبنان. يتعيّن على الوزارة توفير الضمانات الأساسية للضمان الاجتماعي، مثل إعانات الأطفال والإعاقة والبطالة، وكذلك معاشات الشيخوخة للجميع، بما يشمل العاملين في القطاع غير الرسمي. يُمكن لبرامج المساعدة الاجتماعية المستهدفة للفقر، مثل البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرا، أن تلعب دورا ثانويا، طالما أن الفوائد التي تحمي الجميع من الطفولة إلى الشيخوخة مضمونة؛
· اعتماد برنامج مساعدة اجتماعية مخصص لمساعدة العائلات والأفراد على تكاليف الطاقة، لا سيما الأسر ذات الدخل المنخفض وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة. ينبغي تقديم برنامج المساعدة هذا مع برامج الحماية الاجتماعية الأخرى. رغم أنّ البرنامج يمكن توجيهه إلى الأشخاص الأكثر عرضة لخطر عدم القدرة على تحمل تكاليف الكهرباء، إلا أن معايير الأهلية يجب أن تكون بسيطة وواضحة وأن تكون غير ضيقة للغاية لضمان ألا تستبعد العديد من الأسر التي تحتاج إلى دعم. يجب وضع معايير الأهلية بالتشاور مع منظمات المجتمع المدني.
إلى وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية
· ضمان تزويد "مجلس الخدمة المدنية"، الهيئة المكلّفة بإضفاء الطابع المهني على الإدارات العامة بما في ذلك من خلال الإشراف على ممارسات التوظيف، بالصلاحيات والموارد اللازمة لأداء وظائفه، بما في ذلك التعيينات في مؤسسة كهرباء لبنان.
إلى المصرف المركزي
· إعادة العمل بالآلية الوطنية لكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة لتسهيل الحصول على قروض مدعومة للمستهلكين والشركات الذين يرغبون في الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة.
إلى الجهات المانحة للبنان
· ضمان عدم تبديد أي أموال تُمنح للدولة اللبنانية والمؤسسات العامة ذات الصلة، وإنما تُستخدم من أجل تحقيق إصلاحات هيكليّة قائمة على الحقوق من خلال آلية مراقبة وتقييم قوية وشفافة ومتاحة للعموم؛
· الامتناع عن تمويل مشاريع الطاقة التي تعتمد على الوقود الأحفوري؛
· الامتناع عن التمويل الحصري لبرامج التحويلات النقدية الموجهة بشكل ضيق، والتي تستثني معظم الأشخاص المحتاجين، وبدلا من ذلك دعم إنشاء نظام حماية اجتماعية شامل؛
· تمويل إنشاء برنامج إعادة تدريب للعاملين في قطاع المولدات لتزويدهم بالمهارات اللازمة لتحويل نماذج أعمالهم من تزويد الأحياء بالكهرباء المولدة من المازوت إلى الكهرباء المولدة من المصادر المتجددة، مثل الطاقة الشمسية؛
· دعم تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وتعزيز مجلس الخدمة المدنيّة لتحسين النزاهة في القطاع العام.
إلى صندوق النقد الدولي
· مواصلة الإصرار على الإصلاحات الرئيسية المتعلقة بالحوكمة ومكافحة الفساد ومكافحة غسل الأموال/مكافحة تمويل الإرهاب المنصوص عليها في الاتفاق على مستوى الخبراء الذي وقعه مع الحكومة اللبنانية في أبريل/نيسان 2022 كشرط مسبق لأي حزمة إنقاذ؛
· مواصلة الضغط لإصلاح قطاع الكهرباء كأحد الركائز الأساسية لأي حزمة انقاذ، لكن مع التأكد من أنّ هذه الاصلاحات تتوافق مع معايير حقوق الإنسان، بما في ذلك من خلال ضمان حصول الجميع، بغضّ النظر عن وضعهم الاجتماعي والاقتصادي، على الكهرباء بشكل مستمر وميسور التكلفة؛
· حث الدولة اللبنانية على عدم زيادة التعرفة قبل أن تتمكن من ضمان تزويد السكان بالكهرباء بشكل موثوق وقبل تطبيق نظام الحماية الاجتماعية الذي يضمن قدرة الجميع على تحمل تكاليف الخدمات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء؛
· حث الدولة اللبنانية على إعطاء الأولوية لاعتماد مصادر الطاقة المتجددة كطريقة لخفض تكاليف شراء الوقود الأحفوري الباهظ وضبط ميزانية كهرباء لبنان، فضلا عن تعزيز أمن الطاقة في لبنان.
إلى البنك الدولي
· الامتناع عن تمويل أي مشاريع طاقة جديدة تعتمد على الوقود الأحفوري، وبدلا من ذلك إعطاء الأولوية لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة على مستوى القدرة الإنتاجية العالية، مثل مزارع الطاقة الشمسية ومزارع طاقة الرياح؛
· الامتناع عن تمويل برامج شبكات الأمان المستهدفة بشكل ضيق للفقر والمعرضة لسوء الإدارة وسوء استخدام الأموال، وبدلا من ذلك إعطاء الأولوية للنهوض ببرامج الحماية الاجتماعية الشاملة بما يتماشى مع حقوق الإنسان.
إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
· الإقرار بأنّ الحصول على كهرباء نظيفة وبتكلفة معقولة هو حق متميّز من حقوق الإنسان؛
· صياغة تعليق عام حول الحق في الكهرباء، مع التأكيد على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والجندريّة المرتبطة بالحصول على الكهرباء.
المنهجيّة
يستند هذا التقرير إلى أبحاث نوعيّة وكميّة أجراها باحثو هيومن رايتس ووتش وشركة أبحاث محليّة في الفترة بين نوفمبر/تشرين الثاني 2021 وأغسطس/آب 2022. قابل الباحثون 31 شخصا في لبنان ممّن تأثروا بشدّة بنقص الكهرباء، و14 خبيرا في الطاقة، وباحثين وأكاديميين في مؤسسات محليّة ودوليّة. أجريت معظم المقابلات عن بعد، لكنّ بعضها أجري بشكل مباشر في بيروت. تمّت المقابلات باللغة العربيّة أو الإنغليزية دون مساعدة من مترجم فوريّ. لأسباب تتعلّق بالأمن الشخصي، حجبت هيومن رايتس ووتش أسماء ومواقع بعض الذين قابلتهم.
أبلغت هيومن رايتس ووتش جميع الذين قابلناهم بطبيعة الأبحاث والهدف منها، وعزمنا نشر تقرير بالمعلومات التي ستُجمع. أخبرنا كلّ شخص كان يُحتمل أن نقابِل بأنّه ليس مُلزما بالتحدّث إلينا، وأنّ هيومن رايتس ووتش لا تقدّم مساعدة قانونية أو أيّ مساعدة أخرى، وأنّه بوسعه التوقف عن التحدّث إلينا أو رفض الإجابة عن أيّ سؤال دون أيّ عواقب. حصلنا على موافقة شفاهيّة لكل مقابلة، ولم يتلق الأشخاص الذين قابلناهم أيّ تعويض مادي مقابل التحدّث إلى هيومن رايتس ووتش.
جمعت هيومن رايتس ووتش بيانات كميّة من خلال مسح أجرته على عيّنة تمثيلية تتكوّن من 1,219 أسرة لبنانيّة. عملنا بالشراكة مع مؤسسة البحوث والاستشارات، وهي شركة أبحاث محليّة، لتطوير منهجيّة البحث وأداة المسح.
لا يوجد في لبنان إطار دقيق وكامل لأخذ عيّنات عن الأسر. آخر تعداد رسمي للسكان أجري في 1932. تشمل القوائم الانتخابية وقواعد بيانات التسجيل الأخرى (مثل الولادات والزواج، الخ) الأشخاص الذين يتسجلون فقط وليس كلّ السكّان المقيمين، ولا تتضمّن العناوين أو المواقع الحاليّة لكلّ السكّان.[1] تستند المسوحات الوطنية الرسميّة التي نشرتها "إدارة الإحصاء المركزي" إلى عيّنات من الأسر. يستخدم هذا المسح منهجيّة لأخذ العينات مماثلة لتلك التي اعتمدتها إدارة الإحصاء المركزي في مسوحاتها الوطنيّة، والتي حظيت بموافقة وكالات الأمم المتحدة والشركاء الدوليين الآخرين لمؤسسة البحوث والاستشارات وإدارة الإحصاء المركزي.
سعت هيومن رايتس ووتش إلى إجراء مسح للأسر التي ظلّت تعيش في نفس المنزل منذ 2019. بالتالي يتكوّن إطار أخذ العينات من أسر تتكوّن فقط من سُكّان دائمين يستخدمون المنزل كمسكن دائم لهم. لكن المسح استبعد كل من: مخيّمات الفلسطينيين والمخيّمات الرسمية وغير الرسمية للاجئين السوريين التي تحصل على الكهرباء من مولّدات خاصّة توفرها وكالات الأمم المتحدة، والأشخاص الذين لم يكونوا سكانا دائمين أو كانوا يسكنون في منازل ثانويّة. استبعدنا أيضا كل من انتقل إلى منزله بين صيف 2019 ونوفمبر/تشرين الثاني 2021 لأن المسح شمل أسئلة حول كلا الفترتين. استخدمنا صيف 2019 كنقطة مقارنة أثناء المسح، بما أن لبنان دخل في خريف 2019 لبنان فيما ستكون واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصاديّة في التاريخ الحديث.
تُعتبر العيّنة تمثيلية على المستوى الوطني ومستوى المحافظات. استُخدِمت منهجيّة الاحتمال المتناسب مع الحجم (probability proportional to size (PPS)) لتحديد حجم العيّنة في كل محافظة. داخل كلّ محافظة، تمّ توزيع العيّنة بحسب القضاء والدائرة العقارية، وهما وحدتان إداريتان، باستخدام منهجيّة الاحتمال المتناسب مع الحجم أيضا. استند التوزيع إلى أحجام السكّان التي تمّ احتسابها في أحدث مسح لإدارة الإحصاء المركزي، أي "مسح القوى العاملة والأحوال المعيشيّة للأسر في لبنان" لعام 2018.[2] يُلخّص الجدول 1 توزيع العيّنة بأكملها.
الجدول 1: التوزيع النهائي للعيّنة حسب المحافظة والقضاء والدائرة العقاريّة
المحافظة |
القضاء |
العدد الإجمالي للدوائر العقارية |
الدوائر العقارية الفارغة |
عدد الدوائر العقارية غير الفارغة |
العدد الإجمالي للسكان عام 2018 |
النسبة العامة للسكان عام 2018 |
حجم العيّنة |
عدد الدوائر العقاريّة المشمولة بالعيّنة |
بيروت |
بيروت |
13 |
1 |
12 |
341700 |
100% |
95 |
8 |
مجموع بيروت |
13 |
1 |
12 |
341700 |
100% |
95 |
8 |
|
البقاع |
بعلبك الهرمل راشيا البقاع الغربي زحلة |
99 12 43 44 65 |
22 4 15 8 8 |
77 8 28 36 57 |
214600 30500 33800 86400 177400 |
40% 6% 6% 16% 33% |
51 7 8 20 42 |
9 1 1 4 8 |
مجموع البقاع |
263 |
57 |
206 |
542700 |
100% |
128 |
23 |
|
جبل لبنان |
عاليه بعبدا الشوف المتن جبيْل كسروان |
83 57 109 103 107 84 |
16 2 19 4 15 12 |
67 55 90 99 92 72 |
300800 553800 277000 511000 129500 260500 |
15% 27% 14% 25% 6% 13% |
79 145 73 134 35 68 |
14 11 14 20 7 13 |
مجموع جبل لبنان |
543 |
68 |
475 |
2032600 |
100% |
534 |
79 |
|
النبطيّة |
بنت جبيل حاصبيّا مرجعيون النبطيّة |
38 23 34 52 |
3 3 5 5 |
35 20 29 47 |
96200 28700 74000 180200 |
25% 8% 20% 48% |
25 7 20 45 |
5 1 4 9 |
مجموع النبطيّة |
147 |
16 |
131 |
379100 |
100% |
97 |
19 |
|
الشمال |
عكّار البترون بشري الكورة المنية-الضنية طرابلس زغرتا |
168 76 24 43 63 17 52 |
4 6 1 0 10 1 5 |
164 70 23 43 53 16 47 |
324000 58900 22100 84600 140800 243800 87700 |
34% 6% 2% 9% 15% 25% 9% |
71 13 5 18 31 53 20 |
14 2 1 3 6 6 4 |
مجموع الشمال |
443 |
27 |
416 |
961900 |
100% |
211 |
36 |
|
الجنوب |
جزين صيدا صور |
80 79 75 |
17 7 2 |
63 72 73 |
32100 296600 255700 |
5% 51% 44% |
8 71 61 |
1 12 11 |
مجموع الجنوب |
234 |
26 |
208 |
584400 |
100% |
140 |
24 |
|
المجموع العام |
1643 |
195 |
1448 |
4842400 |
|
1205 |
189 |
تمّ تحديد حجم العيّنة بـ1,200 أسرة، ما يعني هامش خطأ بـ ±2.82% لتكرار ملاحظ يُقدّر بـ50% بمستوى ثقة 95%. تواصل الذين أجروا المسح مع 1,887 أسرة وتمكنوا من مسح 1,219 أسرة (بالنسبة للبقيّة، رفضت 391 أسرة المشاركة في المسح، بينما لم يكن المشارك الرئيسي في المسح موجودا في 96 أسرة أخرى ولم يكن يوجد أحد في المنزل بالنسبة إلى 181 أسرة أخرى). من 1,219 أسرة شملها المسح، كانت 1,209 أسر تعيش في المنزل كمقرّ إقامتها الرئيسي منذ 2019، وهي الفئة المستهدفة بالمسح. تمّ احتساب نتائج المسح من هذه الأسر الـ1,209.
تمّ تطوير أداة المسح بالتعاون بين هيومن رايتس ووتش ومؤسسة البحوث والاستشارات، وشملت 56 سؤالا عن الأسرة، والحصول على الكهرباء من مؤسسة كهرباء لبنان، والمصادر الأخرى للكهرباء، ودفع فواتير الكهرباء، والاستعداد للدفع، والتفضيلات السياسية، والوضع الاقتصادي، وآثار نقص الكهرباء على الأسرة.[3]
أجري المسح بين نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ويناير/كانون الثاني 2022. جُمِعت البيانات باستخدام برمجيّة "كوبو" (Kobo) على الأجهزة اللوحيّة. تولى موظفون كبار في مؤسسة البحوث والاستشارات تدريب القائمين بالمسح والإشراف عليهم. تمّ الحصول على موافقة مستنيرة من كل مشارك في البحث حول الغرض من نتائج المسح واستخدامها وسريّتها.
حلّلت هيومن رايتس ووتش نتائج المسح وركّزت على الإحصاءات الوصفيّة. تم احتساب فواصل ثقة لكلّ نسبة مئويّة في مستوى ثقة بلغ 95%.[4] هناك مجموعة بيانات مجهولة المصدر ورمز تحليل متاحان في سجل على صفحة هيومن رايتس ووتش على "غيتهاب" (Github).[5]
هناك المزيد من التفاصيل حول منهجيّة أخذ العيّنة في الملحق 10، وأداة المسح متوفرة في الملحق 11.
راجعت هيومن رايتس ووتش أيضا العديد من التقارير التي أعدّتها منظمات حكوميّة وغير حكوميّة حول قطاع الكهرباء في لبنان. استنادا إلى نتائج هذا التقرير، بعثت هيومن رايتس ووتش بأسئلة كتابيّة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال، ووزير الطاقة والمياه، ووزير البيئة، ووزير الصحة، والمديرية العامة للدفاع المدني اللبناني، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي. حتى وقت النشر، قدّم الدفاع المدني والبنك الدولي فقط ردودا موضوعيّة. أدرِجت الرسائل والردود في الملحقين 6 و9 على التوالي.
الخلفية: انهيار اقتصادي تاريخي
اشتدت أزمة الكهرباء في لبنان بشكل كبير في ظل الأزمة الاقتصادية الأوسع التي اجتاحت البلاد منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، والتي بلغت ذروتها عند أول تخلف عن سداد الديون السيادية في مارس/آذار 2020.[6]
أدت التداعيات الاقتصادية لوباء فيروس كورونا والمأزق السياسي والانفجار في مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020 إلى تفاقم الركود الاقتصادي الصعب أصلا وتسريع انهيار الاقتصاد.[7] دمرت هذه الأزمات المتفاقمة سبل عيش عشرات الآلاف من الأشخاص الذين ما زالوا يعانون من نقص الكهرباء، الذي اشتد مع تفاقم نقص الوقود. ارتفاع معدل البطالة، وتراجع التحويلات، وإلغاء الدعم عن الواردات الرئيسية، كالقمح والوقود، كلها عوامل زادت من صعوبة تحمل تكلفة الغذاء والكهرباء بالنسبة للكثيرين، ودفعت بالملايين إلى براثن الفقر، وفاقمت العَوَز القائم أصلا.[8] تُقدر الأمم المتحدة أن أكثر من ثلثي السكان يعيشون الآن في الفقر.[9]
التضخم الحاد
تسببت الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية والصحية متعددة الأوجه بأزمة قال البنك الدولي إنها قد تُصنف ضمن أسوأ ثلاث أزمات مالية في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.[10] انخفض الناتج المحلي الإجمالي للبنان من حوالي 52 مليار دولار أمريكي في 2019 إلى 21.8 مليار دولار في 2021 – بانكماش بلغ 58.1%. بلغ الدين الحكومي 183% من الناتج المحلي الإجمالي في 2021، وهو رابع أعلى مستوى في العالم بعد اليابان والسودان واليونان. ارتفع معدل التضخم إلى 145% في المتوسط في 2021، ليضع لبنان في المرتبة الثالثة عالميا من حيث أعلى معدلات التضخم، بعد فنزويلا والسودان.[11] هذا بدوره كبح القوة الشرائية للأسر وقدرتها على تأمين الاحتياجات الأساسية، وكانت الأسر الأكثر فقرا في لبنان الأشد تأثرا بذلك. علاوة على ذلك، تسبب انفجار المرفأ في 4 أغسطس/آب 2020 والذي خلّف أكثر من 200 قتيل وستة آلاف جريح وترك 300 ألف بلا مأوى، بأضرار جسيمة للبنية التحتية، بما في ذلك النقل والطاقة وإمدادات المياه والصرف الصحي والخدمات البلدية، والتي بلغ مجموع الخسائر فيها 390-475 مليون دولار.[12] وفقا للبنك الدولي، تسبب الانفجار بأضرار مادية تقدر بنحو 3.8-4.6 مليار دولار.[13]
فقدت العملة أكثر من 95% من قيمتها قبل الأزمة. أدى هذا الانخفاض السريع في قيمة العملة، فضلا عن الاختناقات في سلسلة التوريد ونقص الوقود، إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية بـ 483% في يناير/كانون الثاني 2022 مقارنة بالعام السابق، وظلت مرتفعة عند 332% حتى يونيو/حزيران 2022. ارتفعت أسعار الكهرباء والمياه والغاز بشكل كبير، حيث ارتفعت بـ 595% مع إلغاء الدعم من قبل المصرف المركزي وارتفاع أسعار الوقود بشكل حاد في السوق العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا.[14] حوّل ارتفاع الأسعار المواد الضرورية للأعمال والصحة والطعام إلى كماليات لا يستطيع الكثيرون تحمل تكلفتها إلا بكميات محدودة، إن تمكنوا من شرائها أصلا.
مما يزيد الوضع تعقيدا في لبنان نظام تعدد أسعار الصرف الذي ظهر منذ الأزمة، حيث بقي سعر الصرف الرسمي 1,515 ليرة لبنانية لكل دولار حتى 1 فبراير/شباط 2023، و سعر صرف معتمد من المصرف المركزي للواردات الحيوية (يُعرَف بـ ’صيرفة‘)، و"سعر السوق" المتقلب للغاية والذي يمثل القيمة الحقيقية لليرة اللبنانية مقابل الدولار.[15] عندما عُدّل صرف الصرف الرسمي في 2023 ليصبح 15 ألف ليرة لكل دولار أمريكي، كان سعر صيرفة 42,000 وسعر السوق 63,000.
وفقا لبيانات "برنامج الأغذية العالمي"، بحلول مارس/آذار 2022، زادت سلة الإنفاق الدنيا على الغذاء اللازمة من أجل البقاء على قيد الحياة، والتي تحدد الحد الأدنى من العناصر في كل دولة الضرورية للبقاء على قيد الحياة لأسرة لمدة شهر، بـ 1,062% منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019.[16] أدى ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة إلى انخفاض الواردات الغذائية عبر مرفأ بيروت، الميناء الرئيسي لدخول الواردات الغذائية في البلاد، بـ 13% في 2022 مقارنة بـ 2021، و27% مقارنة بـ2020 و31% مقارنة بـ2019.[17] حدث ذلك رغم اعتماد لبنان الكبير على الواردات الغذائية، حيث يغطي الإنتاج المحلي من الحبوب أقل من 20% من احتياجات الاستهلاك الوطني في المتوسط.[18]
لطالما كان قطاع الكهرباء في لبنان في صلب التحديات المالية والاقتصادية للبلاد. على مدى عقود، كانت مؤسسة كهرباء لبنان، وهي شركة الكهرباء العامة في البلاد، تعاني من عجز مالي وساهمت بشكل كبير في ارتفاع الدين الحكومي، الذي يشكل الآن ما يقرب من نصف الدين. تكاليف الإنتاج المرتفعة بسبب الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد والتعرفات المنخفضة والفساد تعني أن مؤسسة كهرباء لبنان تبيع الكهرباء بخسارة كبيرة. في 2012، حولت الحكومة 2.2 مليار دولار إلى مؤسسة كهرباء لبنان، أي ما يعادل 5.1% من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغ العجز التراكمي حوالي 40 مليار دولار بحلول 2020.
تزايد الفقر وعدم المساواة
قدّرت الأمم المتحدة في أواخر 2021 أن 3.3 مليون شخص تقريبا قد دفُعوا إلى الفقر الناجم عن انخفاض الدخل [فقر الدخل] منذ بدء الأزمة في 2019. بالنسبة للآخرين ممن كانوا يكافحون أصلا من أجل تحمل تكلفة الكهرباء والغذاء والتعليم والرعاية الصحية، ازداد الوضع سوءا. ازداد عدد البالغين الذين تخلوا عن بعض وجبات الطعام أو لم يتمكنوا من تحمل تكاليف الدواء، واضطر المزيد من الأطفال إلى ترك المدرسة للذهاب إلى العمل لإعالة أسرهم.[19]
إضافة إلى هذه التحديات، أدت الحرب في أوكرانيا إلى زيادة أسعار الوقود والأغذية الأساسية. قبل الحرب، كان لبنان يحصل على 80% من إجمالي واردات القمح من أوكرانيا، و15% من روسيا، بحسب أرقام الجمارك اللبنانية.[20]
لسنوات، افتقر لبنان إلى بيانات رسمية عن الفقر، ويرجع ذلك جزئيا إلى نقص بيانات التعداد السكاني منذ 1932، حيث قامت المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهيئات الأمم المتحدة بسد الفجوة [في البيانات]. في مارس/آذار 2022، أصدرت الحكومة أول مؤشر متعدد الأبعاد للفقر، بناء على بيانات مسح 2018/2019. وجد المؤشّر أن 53.1% من السكان كانوا يعيشون في 2019، قبل الأزمة، في فقر متعدد الأبعاد.[21]
تُظهر بيانات مسوحات أحدث أجرتها منظمات أخرى التدهور السريع في مستويات المعيشة منذ ذلك الحين. وجدت دراسة أجرتها الأمم المتحدة أن نحو 82% من السكان كانوا في 2021 يعيشون في فقر متعدد الأبعاد، أي أربعة ملايين شخص تقريبا.[22] تقدر بيانات المسح كذلك أن 74% من السكان كانوا يعيشون تحت خط فقر الدخل، في زيادة كبيرة عن نسب الـ 55% في 2020 و25% في 2019.[23]
تُظهر بيانات استطلاع "غالوب" لعام 2021 أن ما يقرب من 9 من كل 10 أشخاص يجدون صعوبة، و6 من كل 10 أشخاص يجدون "صعوبة بالغة"، في تدبير أمورهم بواسطة دخلهم. تضاعف هذا الرقم تقريبا منذ 2019. يقول أكثر من نصف البالغين إنهم يفتقرون إلى المال لشراء الطعام، بزيادة أربعة أضعاف تقريبا منذ 2018. قال 3 من كل 10 إنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف المأوى. قال أكثر من 6 من كل 10 أشخاص إنهم سيغادرون البلاد إذا استطاعوا.[24]
المسوحات التي أجراها برنامج الأغذية العالمي عبر الهاتف في الفترة من مايو/أيار إلى يوليو/تموز 2021 بدعم من البنك الدولي أظهرت نتائج مماثلة. أفاد 46% من الأسر بمواجهتهم تحديات في الحصول على الغذاء والاحتياجات الأساسية الأخرى، في ارتفاع بلغ 40% عن الفترة الممتدة من يوليو/تموز إلى أغسطس/آب 2020. قالت نصف الأسر التي شملها الاستطلاع أن البالغين يقومون بترشيد استهلاك الغذاء لصالح الأطفال. ارتفعت نسبة الأسر التي تواجه صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية بشكل حاد من 25% (يوليو/تموز – أغسطس/آب 2020) إلى 48% (مايو/أيار – يوليو/تموز 2021). ارتفع أيضا معدل البطالة بين المستجيبين، من 30.9% في يناير/كانون الثاني 2021 إلى 37.7% في الفترة من مايو/أيار إلى يوليو/تموز 2021. اعتبر 49.3% من المستجيبين تقريبا أن أسرهم إما فقيرة أو فقيرة جدا.[25]
كشف مسح هيومن رايتس ووتش، الذي أجري في ديسمبر/كانون الأول 2021، عن ظروف اقتصادية مماثلة. قالت حوالي 7 أسر من أصل 10 إنها كانت تواجه صعوبة في تغطية نفقاتها أو أنها كانت دائما متخلفة عن تأمين النفقات الأساسية.[26]
سُجلت أعلى نسبة في البقاع (89% من الأسر) وأدنى نسبة في جبل لبنان (64%).[27] كان من المرجح أن تواجه الأسر التي لديها معيل فقد العمل منذ الأزمة، وبقي هذا المعيل على الأرجح عاطلا عن العمل، صعوبة أكبر في تلبية احتياجاتها.[28]
قالت الأسر ذات المستوى المعيشي المتوسط [الأسر المتوسطة] إن دخلها الشهري يبلغ 122 دولار.[29] نسبة أولئك الذين يعيشون على دخل منخفض للغاية مرتفعة: على الصعيد الوطني، تكسب 40% من الأسر ما يقرب من 100 دولار أو أقل شهريا وتكسب 90% من الأسر أقل من 377 دولار في الشهر.
قسمت هيومن رايتس ووتش الأسر إلى شرائح دخل خمسية بحسب أجوبتها المتعلقة بالدخل الشهري. في كل شريحة، باستثناء الشريحة الأكثر ثراء، ذكرت غالبية الأسر أنها تواجه صعوبة في تغطية نفقاتها أو أنها كانت دائما متخلفة عن النفقات الأساسية.
حوالي 15% من الأسر تضم شخصا فقد وظيفته منذ أزمة 2019 ولم يجد عملا جديدا بعد.[30]
مع أن الأزمة قد أثرت على معظم الناس، إلا أن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع قد ذكر في تقرير صدر في أبريل/نيسان 2022 أن النساء والأطفال والعمال المهاجرين واللاجئين السوريين والفلسطينيين والأشخاص ذوي الإعاقة قد تأثروا بشكل خاص بسبب الاستبعاد المنهجي والتهميش الموجودين أصلا.[31] يتفاقم الفقر الذي يعيش فيه الأشخاص ذوو الإعاقة في لبنان بسبب الافتقار إلى برامج الحماية الاجتماعية الشاملة والرعاية الصحية غير الكافية.[32]
في بلد تُعتبر فيه عدم المساواة في الدخل والثروة من الأعلى في المنطقة، يُحذّر الأكاديميون وهيئات الأمم المتحدة من أن الأزمة الاقتصادية وسّعت الفجوة، حيث شهدت الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض اختفاء مدخراتها، مع وجود فرصة ضئيلة في الصعود ثانية.[33]
قبل الأزمة، كان أغنى 10% من السكان يمتلكون 70% من الثروة، في حين أن 50% من الطبقة الأكثر فقرا يمتلكون 5% فقط من الثروة.[34] من حيث عدم المساواة في الدخل، وضعت دراسة أجراها "مختبر اللامساواة العالمية" في 2018 لبنان بين البلدان ذات أعلى مستويات عدم المساواة في الدخل في العالم، إلى جانب جنوب إفريقيا والبرازيل.[35] وجدت الدراسة أن أغنى 10% في البلاد حصلوا على ما بين 49 و54% من الدخل الوطني، و40% من الطبقة المتوسطة حصلوا على 34%، بينما حصل 50% من السكان الأكثر فقرا على ما نسبته 12 إلى 14%.
السعي للحصول على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي
في مايو/أيار 2020، بعد فترة وجيزة من التخلف عن سداد ديونه بالعملة الأجنبية، وقّع لبنان طلبا رسميا للحصول على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي.[36] مع ذلك، لم يستوفِ لبنان الشروط المسبقة التي حددها صندوق النقد الدولي من أجل التأهّل للحصول على الأموال.
في نيسان/أبريل 2022، توصلت الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن ما قيمته ثلاثة مليارات دولار أمريكي من حقوق السحب الخاصة لمدة 46 شهرا، بشرط تنفيذ سلسلة من الإصلاحات، بما في ذلك استراتيجيات إعادة هيكلة البنوك والديون، والتدقيق في حسابات البنك المركزي، وتعديل قانون السرية المصرفية، وإقرار موازنة 2022، وتوحيد أسعار الصرف المتعددة.[37]من المرجح أن يمهد تلقي السيولة من صندوق النقد الدولي الطريق للتمويل من البنك الدولي والجهات المانحة الدولية الأخرى.
مع ذلك، أثارت المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية مخاوف من أنه دون معالجة عدم المساواة المتجذر في البلاد، فإن أي خطة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي ستضع عبئا ضخما على الناس العاديين ولن يكون العبء متناسبا على الأغنياء.[38] سيأتي هذا التمويل أيضا في شكل قروض يتعين على الدولة المثقلة بالديون سدادها في نهاية المطاف. من الضروري أن تتضمن خطط التعافي تدابير للمساءلة وآليات الإنفاذ لاسترداد أي أموال جُنيت بشكل غير مشروع وإرساء الأساس لمجتمع أكثر إنصافا من خلال إدخال نظام حماية اجتماعية قائم على الحقوق، وفرض ضرائب تصاعدية لدعم إعادة توزيع الثروة والدخل بحيث تتم حماية حق كل فرد في مستوى معيشي لائق مع تعافي الاقتصاد.
أصدر البنك الدولي عدة تقارير تتهم المنظومة السياسية اللبنانية، التي يقول إنها "تسيطر منذ وقت طويل على مقاليد الدولة وتستأثر بمنافعها الاقتصادية"، بتدبير "كساد متعمد" يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي في البلاد على المدى الطويل بسبب "تقاعسهم المتعمد عن وضع وإنفاذ السياسات".[39]
أكد كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على أهمية إصلاح قطاع الكهرباء بالنظر إلى مقدار استنزاف هذا القطاع المتداعي للمال العام في لبنان. تُظهر أرقام وزارة المالية ووزارة الطاقة أن مؤسسة كهرباء لبنان خسرت ما بين 1.5 إلى 2 مليار دولار سنويا على مدى السنوات العشر الماضية.[40] يقدر البنك الدولي أن التحويلات السنوية من الميزانية إلى مؤسسة كهرباء لبنان بلغت في المتوسط 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي للبنان على مدى العقد الماضي، أي نصف العجز المالي الكلي تقريبا.[41] بين 1992 و2018، ساهمت التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان في أكثر من 40 مليار دولار من الدين العام للبلاد.[42]
وفقا للبنك الدولي، "إذا لم تُعالَج مسألة قطاع الكهرباء، فسوف تعرقل برامج التعافي الاقتصادي".[43] علاوة على ذلك، يُعد الإصلاح الشامل لقطاع الكهرباء في لبنان أحد ركائز برنامج صندوق النقد الدولي.[44]
في حين أن إصلاح قطاع الكهرباء هو المفتاح لمعالجة النقص الحالي، يجب أن يكون حق الحصول على الكهرباء في صلب الإصلاحات، من أجل توفير كهرباء نظيفة وبأسعار معقولة للجميع في البلاد.
تاريخ قطاع الكهرباء
لم تتمكن السلطات اللبنانية قط من توفير تغذية كهربائية موثوقة ومستمرة في جميع أنحاء البلاد. تاريخ قطاع الكهرباء حافل بسوء الإدارة وسيطرة النخبة والفساد، مما مهد الطريق لانهيار كامل للقطاع خلال الأزمة الاقتصادية المستمرة.
ما قبل الحرب الأهلية
ظهر قطاع الكهرباء، مثله مثل القطاعات العامة الأخرى في لبنان، في أوائل القرن العشرين على خلفية اتفاقيات الامتياز التي سمحت للمستثمرين بتمويل مشاريع البنية التحتية في المناطق الخاضعة لسيطرة العثمانيين، من خلال رأس المال الخاص.
حتى تأسيس مؤسسة كهرباء لبنان عام 1964، كانت الشركات الخاصة تُنتِج وتنقل وتوزّع الكهرباء. رغم أن هذه الشركات وسعت التغذية بالكهرباء في جميع أنحاء البلاد، إلا أن انتشار الكهرباء كان متفاوتا، من حيث الجغرافيا والطبقة الاجتماعية. بحسب الخبير الاقتصادي والسياسي شربل نحاس، كانت الشبكة تغطي المدن فقط وبعض المناطق الجبلية المستخدمة كأماكن اصطياف.[45] كانت أسعار الكهرباء أيضا مرتفعة للغاية مما جعل الكهرباء رفاهية لا يستطيع معظم الناس تحمل تكلفتها.[46] لكن رغم ارتفاع الأسعار، كان انقطاع التيار الكهربائي يحدث بشكل منتظم، وكانت هذه الشركات في كثير من الأحيان هدفا للاحتجاجات والمقاطعات، حيث طالب الناس الحكومة بالتدخل لضمان إعطاء الأولوية لمصالح الشعب بدلا من أرباح الشركات الخاصة.[47]
في أوائل خمسينيات القرن الماضي، دفعت الحكومة أكبر شركة للكهرباء في ذلك الوقت، وهي "مؤسسة كهرباء بيروت"، لتنفذ برنامجا رسميا لتقنين الكهرباء، مما مهد الطريق لتقنين الكهرباء ليصبح حقيقة من حقائق الحياة في لبنان.[48]
في أوائل 1953، في محاولة لتعزيز دعمها للقطاع، سيطرت الحكومة اللبنانية مؤقتا على جميع مرافق مؤسسة كهرباء بيروت، وأنشأت لاحقا هيئة الكهرباء والمواصلات العامة في وزارة الأشغال العامة لإدارة المرافق. أصبحت هذه الهيئة فيما بعد وزارة الطاقة والمياه.[49]
في 1964، حصرت الحكومة اللبنانية إنتاج الكهرباء ونقلها وتوزيعها بمؤسسة واحدة تديرها الدولة، وهي مؤسسة كهرباء لبنان، وبدأت بدمج الامتيازات القائمة فيها – رغم وجود بعض الامتيازات الصغيرة التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا. بحلول 1976، توسعت الشبكة الكهربائية لتغطي معظم الأراضي اللبنانية.[50]
قبل اندلاع الحرب الأهلية في 1975، كانت مؤسسة كهرباء لبنان تدير 11 محطة كهرباء رئيسية وتنتج 1,700 غيغاواط من الكهرباء.[51] كان لبنان يُنتج ما بين 40% و75% من احتياجاته من الكهرباء من الطاقة الكهرومائية.[52]
خلال الحرب الأهلية
تسبب القتال خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما من 1975 حتى 1990 بأضرار جسيمة بقطاع الكهرباء وبنيته التحتية.[53] بحلول 1990، كانت الشبكة الكهربائية مدمرة بالكامل تقريبا.[54]
بعد أن فقدت الدولة قدرتها على حفظ النظام وتوفير الخدمات العامة كالمياه والكهرباء، استولت المجموعات المسلحة على مؤسسة كهرباء لبنان ومحطات الطاقة، واستخدمتها كأداة عسكرية وسياسية، ووفرت الكهرباء المجانية للمناطق الواقعة تحت سيطرتها وقطعت الكهرباء عن المناطق التي يسيطر عليها أعداؤها.[55] عجزت الدولة أيضا عن إجبار المستخدمين على دفع تكاليف الكهرباء، مما أدى إلى تفشي عدم دفع الفواتير أو إلى تحصيل الميليشيات للفواتير.[56]
علاوة على ذلك، أدى النزوح الداخلي الناجم عن الحرب إلى قيام العائلات بربط منازلها بشبكة الكهرباء [ما يُعرَف محليا بـ’التعليق] بشكل غير قانوني بسبب عدم قدرتها على تركيب عدادات، الأمر الذي كان يتطلب سند ملكية للمنزل. التمديدات غير القانونية زادت الضغط على الشبكة. يقدر أحد الأكاديميين أنه بحلول 1985، بلغت الخسائر غير الفنية 36% من الاستهلاك.[57] في غياب أي استثمار لصيانة وتوسيع الشبكة، زادت ساعات التقنين، وبحلول نهاية الحرب كان انقطاع التيار الكهربائي يدوم قرابة 18 ساعة في اليوم.[58]
أدى هذا التقنين الشديد إلى ظهور بدائل خاصة. في البداية، قام السكان بتركيب مولداتهم الخاصة التي تعمل بالديزل، والتي تشتريها الأسر وتشغلها. لكن تدريجيا، أصبح الإمداد والتشغيل، بما في ذلك إصلاح المولدات، تجاريا، وفي بعض الحالات كانت تدار من قبل الجماعات المسلحة نفسها، ليصبح قطاعا غير رسمي كبير يسد الفجوة التي خلفتها الدولة ولا يزال لاعبا مؤثرا في هذا القطاع حتى اليوم (انظر الفصل الخاص بالمولدات الخاصة).[59] تطور هذا القطاع غير الرسمي خارج نطاق القوانين والقواعد الأخرى التي تحكم عمل مؤسسة كهرباء لبنان التي لا تزال الهيئة الوحيدة المخولة قانونا في لبنان بتزويد الكهرباء.
ما بعد الحرب الأهلية
بعد الحرب الأهلية، صرحت الحكومة اللبنانية أن من أولوياتها الرئيسية إعادة تأهيل البنية التحتية، بما في ذلك لقطاع الكهرباء.[60] جلبت حقبة إعادة الإعمار بعد الصراع استثمارات جديدة، خاصة من المانحين الأجانب.[61] لكن رغم ضخ أكثر من ملياري دولار في القطاع في السنوات التي أعقبت الحرب، أثبتت الدولة اللبنانية أنها لا تزال غير قادرة على تزويد السكان بالكهرباء دون انقطاع.[62]
لم يضمن "اتفاق الطائف" لعام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية وأسفر عن تعديلات في الدستور اللبناني توفير الكهرباء لسكان لبنان، ولم يعزز حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك الحق في مستوى معيشي لائق، ولم يذكر على وجه التحديد الحق في الكهرباء.
يمكن أن تُعزى أوجه القصور في قطاع الكهرباء إلى نظام الحكم السياسي الذي جاء بعد انتهاء الحرب الأهلية. أدى اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية عام 1989 إلى إرساء النظام السياسي، الذي بدأ أصلا في ظل الحكم الفرنسي، والمبني على عملية توافقية لصنع القرار تشارك فيها النخب السياسية التي تمثل الطوائف الدينية في لبنان. وُزِّعت المناصب السياسية والتعيينات رفيعة المستوى في المؤسسات العامة وفق حصص طائفية للطوائف الرئيسية في محاولة لمنع أي طائفة من الهيمنة على عملية صنع القرار. مع ذلك، كانت هذه العملية تمييزية بطبيعتها وأفرزت نظاما سياسيا يتسم بالجمود والمآزق المتكررة والإنفاق غير الفعال والافتقار إلى رؤية متماسكة واستيلاء النخبة على موارد الدولة.[63] رغم أن الدستور اللبناني ينص على أن "إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي"، إلا أنه لا ينص على أي إطار زمني لذلك ولم تُتخذ أي خطوات لإنهاء هذا النظام.
لتجاوز الجمود المستمر في الحكم، لعب أهم ثلاثة قادة في البلاد (رئيس الجمهورية الماروني، ورئيس الوزراء السني، ورئيس مجلس النواب الشيعي) دورا بارزا في صنع السياسات، متجاوزين المتطلبات الدستورية الصارمة، وبدلا من ذلك لجأوا إلى آليات غير رسمية ومرتجلة لصنع القرار. تضمنت الصفقات بين "الترويكا" عادة تقسيم مؤسسات الدولة ومواردها بين الأحزاب الطائفية المختلفة، وهي عملية أصبحت تُعرف بالمحاصصة.[64]
أدى هذا النظام إلى علاقات قوية بين السياسيين ورجال الأعمال، وحتى إلى تملّك السياسيين مباشرة شركات رائدة في القطاع الخاص.[65] وهكذا روجت النخب السياسية في لبنان لمصالحها الخاصة، غالبا على حساب الدولة.[66]
حلل باحثون في "المركز اللبناني للدراسات"، وهو مركز دراسات محلي بارز، جميع عقود شراء البنية التحتية البالغ عددها 394 التي مُنحت بين 2008 و2018 إلى "مجلس الإنماء والإعمار"، وهو هيئة شُكِّلت بعد الحرب وكُلفت بإدارة جهود إعادة الإعمار وتنفيذ مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك البنية التحتية للكهرباء، بتمويل أجنبي. وجد المركز أن الشركات التي تربطها صلات بالطبقة السياسية استحوذت على غالبية تمويل مشاريع مجلس الإنماء والإعمار، وأن هذه الشركات كانت قادرة على تأمين "مقعد " لها في مجلس إدارة المجلس.[67]
بالإضافة إلى ذلك، وجد باحثون في "مبادرة سياسات الغد" أن عقود مجلس الإنماء والإعمار التي صاغها ووضعها "استشاريو التصميم" الذين تربطهم صلات بالطبقة السياسية – وهم الأفراد المسؤولون عن تحديد معايير المشاريع، وكتابة دفاتر الشروط، وتقييم العروض – كانت قيمتها مبالغ فيها. قدّروا أن " العقود قدرت قيمتها بنحو 34% أكثر من قيمتها الفعلية في كل مرة يعمل فيها مصمم ومقاول من ذوي الصلات السياسية معا". وجدوا أنه بين 2008 و2018، أدى ذلك إلى تكاليف مفرطة بلغت حوالي 160 مليون دولار.[68]
أصبح قطاع الكهرباء خاضعا لنفس المحاصصة التي ابتليت بها المؤسسات العامة الأخرى، وأصبح وسيلة أخرى للسياسيين للحفاظ على شبكات المحسوبية الخاصة بهم من خلال توزيع وظائف القطاع العام على الموالين لهم والاستفادة من العقود التجارية المربحة.[69]
قال علي أحمد، خبير الطاقة بالبنك الدولي لـ هيومن رايتس ووتش، إن مثل هذا الفساد تم تسهيله من خلال "عملية موزعة بطبيعتها للحوكمة وصنع القرار" داخل قطاع الكهرباء، مما سمح للأطراف بالإفلات من المساءلة عن إخفاقات القطاع.[70] أضاف أحمد أن المحسوبية القوية في لبنان، وما نتج عنها من تضارب في المصالح، ساعدت أيضا في تأجيج الفساد وعدم الكفاءة في قطاع الكهرباء. قال: "لدى الأشخاص (في السلطة) مصالح قوية في عقود معينة من خلال مؤسسة كهرباء لبنان ومجلس الإنماء والإعمار، وهذه العقود هي التي تموّل الأحزاب السياسية".[71]
نتج عن ذلك قطاع كهرباء يعاني من عجز منذ 1992 ويعتمد على سُلف من وزارة المالية لتغطية تكاليفه. بين 1992 و2020، بلغ مجموع التكاليف التراكمية للتحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان، بما في ذلك أسعار الفائدة المتراكمة خلال تلك الفترة، إلى 43 مليار دولار – أي حوالي 46% من الدين العام للبنان.[72] رغم ضخ مبالغ هائلة من الأموال في مؤسسة كهرباء لبنان، لا تزال الدولة اللبنانية غير قادرة على تلبية احتياجات السكان من الكهرباء، ويتسم القطاع بانقطاع مزمن للتيار الكهربائي ينتهك حقوق السكان ويُضر بالبيئة ويزيد من عدم المساواة والفقر في البلاد.
قطاع الكهرباء في لبنان يُعزّز عدم المساواة
كهرباء لبنان مُلزمة بتوفير الكهرباء في كلّ أنحاء لبنان. جميع الأسر في لبنان منازلها متصلة تقريبا بشبكة كهرباء لبنان.[73] لكن تقاعس هذه الأخيرة عن تلبية متطلبات سكان لبنان من الكهرباء يعني أنّ الدولة تنتهك حقهم في الكهرباء. رغم أنّ انقطاع التيار على نطاق واسع يؤثر على كلّ من يعيش في لبنان، إلاّ أنّ ميسوري الحال الذين يُمكنهم تحمل تكلفة الاستفادة من المولدات يستطيعون الحصول على الكهرباء بشكل منتظم. بالنسبة للكثير من السكّان، وخاصة من ذوي الدخل المنخفض، غالبا ما تكون الكهرباء التي يوفرها القطاع الخاص بعيدة المنال. أصبحت الكهرباء في لبنان فعليا خدمة لا يستطيع تحمل تكلفتها إلا الأثرياء، مما يُعمّق عدم المساواة المتجذرة في البلاد.
انقطاع الكهرباء على نطاق واسع
كانت كهرباء لبنان تكافح من أجل توفير ما يكفي من الكهرباء حتى من قبل الأزمة التي بدأت في صيف 2021. يتذكر المشاركون في المسح الذي أجريناه أنّهم كانوا يحصلون على كهرباء الدولة من مؤسسة كهرباء لبنان في حدود 12 ساعة.[74] لكن الانتاج انخفض منذ ذلك الحين. بين نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ويناير/كانون الثاني 2022، باتت الأسرة المتوسطة تحصل على كهرباء الدولة لفترة لا تتجاوز 10% في اليوم،[75] وهو ذات المعدّل في كل أنحاء البلاد.
أعرب السكّان عن قلقهم من عدم القدرة على تحديد ساعات التغذية من كهرباء لبنان، مما يصعّب عليهم الاعتماد عليها في المهام الأساسية، مثل تسخين الماء وغسل الملابس.[76] قال رجل من عكّار (80 عاما): "عليك التأقلم باستمرار. زوجتي لا تعرف متى تغسل الملابس، فالأمر يعتمد على الكهرباء. نحن نعيش كما لو كنا نسرق من وقتنا".[77]
قالت امرأة (87 عاما): "لا يمكننا الاعتماد على كهرباء الدولة، فتوقيتها غير منتظم. أحيانا نحصل على ساعة واحدة، وأحيانا على نصف ساعة. هذه الانقطاعات أذلّتنا".[78] بالمثل، قال رجل مسن (75 عاما) من بيروت: "الأمر لا يتعلق فقط بتراجع عدد ساعات التغذية لأنه ما من ساعات تغذية أصلا. وإن منحونا ساعة، فالأمر أشبه باللغز. ليس هناك وقت محدد، وكل شيء عشوائي".[79]
قالت صونيا سمعان (52 عاما)، التي تعيش في الكورة شمال لبنان: "نحصل تقريبا على ساعة واحدة من كهرباء الدولة في اليوم، وفي بعض الأيام لا نحصل على كهرباء أصلا، وكأنها [الكهرباء] تنسانا".[80]
قال السكان أيضا إنهم غالبا ما يحصلون على كهرباء الدولة بعد منتصف الليل، مما يحدّ من قدرتهم على الاستفادة منها.[81] علاوة على ذلك، تحدثت العديد من الأسر عن انقطاع كهرباء الدولة لعدة أيام متتالية.[82] قالت سميّة جُنيد، وهي أرملة تعيش في طرابلس، إنها غالبا ما لا تحصل على كهرباء الدولة لفترة تتراوح بين 15 و20 يوما متتالية.[83]
الاستفادة من المولّدات الخاصة ليست ميسورة التكلفة في الغالب
تُستخدم المولّدات التي يملكها الأفراد ومولّدات المباني والأحياء من قبل الذين يستطيعون تحمل تكلفتها للحصول على جزء من الكهرباء التي تعجز مؤسسة كهرباء لبنان عن توفيرها. لكنّ خدمات المولّدات غالبا ما تكون مُكلِفة وأغلى بكثير من الكهرباء التي توفرها مؤسسة كهرباء لبنان.[84] على المستوى الوطني، لا تستطيع أسرة واحدة من كل عشر أسر الاستفادة من مولد للحصول على الكهرباء عندما تقطع مؤسسة كهرباء لبنان التيار الكهربائي.[85]
أظهر بحثنا أنّ الأسر ذات الدخل المنخفض هي الأقلّ قدرة على تحمّل تكاليف المولّدات الخاصة. في الـ20% من الأسر الأكثر فقرا، هناك أسرة من كل خمسة لا تحصل على الكهرباء من مولّد، مقارنة بأسرة من كل 50 أسرة في الـ20% الأكثر ثراءً. عندما سُئلت الأسر التي لا تحصل على الكهرباء من مولّد عن السبب، كانت الإجابة الأكثر شيوعا (75%) أنها لا تستطيع تحمل تكلفتها.
قالت حوالي ثلث الأسر التي لا تستطيع الحصول على الكهرباء من مولد إنها تستخدم مصدر طاقة بديل، مثل وحدة إمداد متواصل بالطاقة (UPS) (7% من الأسر) أو الطاقة الشمسيّة (1.6% من الأسر).[86]
قال رجل مسنّ إنّه كان يملك مولّدا قبل الأزمة لكنّه لم يعد قادرا على تحمّل تكلفته بسبب ارتقاع المصاريف. قال: "كيف لي أن أدفع مليوني ليرة لبنانية (74 دولار) [في الشهر] على الاشتراك في المولّد؟ كل دخلي سيذهب للمولّد فقط. وصلت إلى مرحلة قررت فيها أنني لا أحتاج للكهرباء، تخليت عن كلّ شيء".[87]
تُنفق الأسر ذات الدخل المنخفض في لبنان حصّة أكبر بكثير من دخلها على فواتير المولّدات مقارنة بالأسر الأكثر ثراءً، ما يتسبب في ضغوط على ميزانياتها ويجعلها أكثر عرضة لعدم تسديد النفقات الأساسية الأخرى. لمعرفة مقدار ما تنفقه الأسر على الكهرباء التي توفرها المولّدات، طلبنا من المشاركين في المسح أن يخبرونا بقيمة آخر دخل شهري لهم وقيمة آخر فواتير المولدات. بعد تحويل المبالغ إلى الدولار الأمريكي، احتسبنا نسبة الدخل الشهري التي تُصرف على فواتير المولّدات.[88]
وجدنا أنّ الأسر المتوسطة تصرف على فواتير المولّدات 44% من دخلها الشهري (المعدّل 35%).[89] كما أنّ التفاوتات بين مستويات الدخل كانت هائلة. بالنسبة للذين ينتمون إلى الشريحة الخُمسيّة الدنيا ممن استطاعوا الحصول على كهرباء من مولّد، كانت فواتير المولّد تستهلك 88% من دخلهم الشهري، مقارنة بـ21% لدى الشريحة الخُمسيّة العليا.
يعكس التفاوت في قدرة الناس على الحصول على الكهرباء من مولدات السياق الأوسع للتفاوت القائم منذ أمد طويل على صعيد الدخل والثروة في لبنان، والذي يُعدّ من أعلى المعدّلات في المنطقة. وضعت دراسة أجراها المختبر العالمي لعدم المساواة لبنان ضمن البلدان التي تعاني من أعلى مستويات عدم المساواة في الدخل في العالم، إلى جانب جنوب أفريقيا والبرازيل.[90]
قالت امرأة (69 عاما) تعيش في بعبدا في جبل لبنان مع ابنها إنّ راتب هذا الأخير في القطاع العام يُصرف بالكامل على الكهرباء والغاز. قالت: "كان يدّخر من أجل الزواج، لكنه الآن قرر ألا يتزوج".[91] قالت فاديا الحاج (61 عاما)، التي تعيش في جبل لبنان، أيضا إنّ كل الدخل الذي تحصل عليه من راتب والدها المتقاعد من الجيش يذهب إلى فواتير المولّد.[92]
تُعدّ مولّدات الأحياء أكثر أنواع المولّدات التي يُمكن الحصول على الكهرباء منها، حيث تحصل 83% من الأسر على الكهرباء من أحدها.[93] حتى في الـ20% من الأسر الأكثر فقرا، فإنّ ثلاثة من كل أربع أسر تحصل على الكهرباء من مولّد الحيّ. تحصل الأسرة المتوسطة على حوالي 12 ساعة في المعدّل من الكهرباء من هذه المولّدات يوميا.[94] لكن فقط نصف مستخدمي مولّدات الحيّ تقريبا قالوا إنّهم راضون عن عدد ساعات الكهرباء التي يحصلون عليها وكذلك عن قدرة المولّدات (ذكرت الأسر المتوسطة أن مولدات الأحياء كانت تزودهم بتيار كهربائي قدرته سبعة أمبير).
عادة الأسر الأكثر ثراء فقط هي التي تستطيع الحصول على الكهرباء من المولدات الخاصة ومولدات المباني. فقط 3% من النصف الأقل دخلا من الأسر تحصل على الكهرباء من مولّد خاص مقارنة بـ10% من الأسر التي تنتمي إلى الرُبع الأكثر ثراءً. كما أنّ 5% من الأسر الأكثر ثراءً تحصل على الكهرباء من مولدات المباني، مقارنة بـ2% فقط في النصف الأكثر فقرا.
مولّدات المباني أكثر انتشارا في المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية، حيث أنّ 61% من المنازل اللبنانية التي تحصل على الكهرباء من مولدات المباني موجودة في بيروت، و25% في جبل لبنان. قال رُبع سكان بيروت إنهم يحصلون على الكهرباء من مولّدات المباني.[95] توفر مولّدات المباني حوالي 11 ساعة من الكهرباء الإضافية في اليوم والمولدات الخاصة حوالي ثماني ساعات، وكلاهما بقدرة أعلى من مولّدات الأحياء.[96]
رغم استنزافها لنسبة كبيرة من دخل الناس، لا تسد المولّدات والمصادر البديلة الفجوات الحاصلة في التغذية بالكهرباء بشكل كامل. تقدّر الأسرة المتوسطة اللبنانية أنها تبقى تسع ساعات بلا كهرباء من أيّ مصدر في اليوم،[97] بعد أن كان ذلك في مستوى 90 دقيقة قبل الأزمة.[98] أعلى مستويات النقص في الكهرباء المبلّغ عنها سُجّلت في بيروت وجبل لبنان (بمعدّل 11 ساعة في اليوم) وأدناها في جنوب لبنان (7 ساعات في اليوم).
هناك علاقة بين دخل الأسرة ومتوسّط عدد الساعات التي تقضيها الأسرة بدون كهرباء في اليوم بسبب قدرة الناس على دفع تكاليف المولدات ومصادر الطاقة البديلة. تحدّثت الشريحة الخُمسيّة الأكثر فقرا من الأسر عن البقاء دون كهرباء 11 ساعة في اليوم في المتوسّط مقارنة بست ساعات لدى الشريحة الخُمسيّة الأكثر ثراءً. أفاد المشاركون في المسح الذين قالوا إنهم "يواجهون صعوبة في تدبير أمورهم" أو "دائما ما يتخلفون عن النفقات الأساسية" أنّهم يحصلون على كهرباء أقلّ بكثير من الذين يعتقدون أنّهم من "الطبقة الوسطى" أو "ميسورين ماليا" (عشر ساعات بلا كهرباء في اليوم مقابل ست ساعات فقط في المتوسط). ذكر الأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على كهرباء من مولّد أنّهم يُمضون 16 ساعة يوميا في المتوسط بلا كهرباء. الأسر التي فقد أحد أفرادها عمله وظلّ عاطلا عن العمل منذ بداية الأزمة تحظى أيضا بساعات أقلّ من الكهرباء في اليوم.
تعكس هذه النتائج التكاليف المرتفعة للكهرباء التي توفرها المولّدات، والتي ارتفعت في 2021 بعد الانخفاض الكبير لقيمة الليرة اللبنانية، وارتفاع التضخّم وأسعار الوقود، ممّا جعل مزوّدي الكهرباء من المولّدات يفرضون تكاليف أكبر على العملاء.[99] كما أنّ رفع الدّعم عن الوقود في أغسطس/آب 2021 كان له تأثير قويّ بشكل خاص على تكاليف الوقود، دون أن يكون هناك دعم بديل للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط في البلاد.[100]
قالت العديد من الأسر لـ هيومن رايتس ووتش إنها اضطرّت إلى وقف اشتراكات المولّدات بسبب ارتفاع تكلفة الديزل والتضخّم العام، مما صعّب عليها كثيرا تغطية نفقاتها.[101] قالت امرأة معيلة لأسرة (42 عاما) في بيروت إنّها كانت مشتركة حتى وقت قريب في مولّد كهرباء لكنّها اضطرّت إلى وقف اشتراكها بسبب التكلفة الباهظة. قالت: "التكلفة الشهرية أصبحت 2.3 مليون ليرة، وأنا لا أستطيع تحملّها، فأنا الشخص الوحيد الذي يعمل في العائلة... إذا توفرت لي الإمكانيات، سأستعيد اشتراكي في المولّد بالتأكيد، فأطفالي يرغبون في الحصول على الكهرباء مجددا".[102]
قال إيهاب أبو فخر، من سكان عاليه، وهو معيل لزوجته وأطفاله ووالدته: "لا أستطيع دفع الملايين والملايين، لذلك أوقفنا اشتراكنا [في المولّد] وتركنا اشتراكها [والدتي]... لكن يجب أن أقول إنّ هذا الوضع أرجعنا إلى أيام زمان... هذه أيام صعبة".[103]
كثيرا ما تقضي الأسر أياما كاملة دون كهرباء من أيّ مصدر. أفاد اثنان من كل خمسة مشاركين في المسح أنّهم عانوا من انقطاع الكهرباء لمدة 24 ساعة على الأقل مرة واحدة خلال الأشهر الثلاثة السابقة.[104] في هذه الشريحة من الأسر التي عانت من انقطاع الكهرباء طيلة يوم واحد على الأقل، أفاد المشاركون أن الأمر تكرّر على الأقل ثلاث مرات في الأيام الـ90 السابقة (كان المعدّل سبع مرات).[105] قالت أسرة واحدة من كل 40 أسرة إنها أمضت 30 يوما أو أكثر دون كهرباء في الأشهر الثلاثة السابقة للمسح.
البقاء بلا كهرباء ليوم كامل أو أكثر مرتبط أيضا بدخل الأسرة. رغم أنّ حوالي نصف الأسر في شريحة الـ20% الأدنى دخلا تحدثت عن انقطاعات دامت 24 ساعة أو أكثر، فإنّ ربع العائلات الأكثر ثراءً فقط عاشت ذات التجربة. أبلغت أسرتان من كل ثلاث أسر لا تحصل على كهرباء من مولّد عن انقطاعات مماثلة مقارنة فقط بثلث الأسر التي تستطيع الحصول على كهرباء من مولّد.
أفادت الغالبية العظمى للأسر اللبنانية بأنها تواجه صعوبات في سداد فواتير الكهرباء، وقالت كلها تقريبا إنّ هذه الصعوبات زادت منذ بدء الأزمة.[106] في الواقع، تعرّضت واحدة من كل أربع أسر تقريبا إلى قطع الكهرباء خلال العامين السابقين لعجزها عن دفع فواتير الكهرباء.[107] كانت الأسر الأكثر فقرا عرضة لكل أنواع قطع الكهرباء (من مولّد أو مؤسسة كهرباء لبنان) بسبب عدم دفع الفواتير. كان القطع الناجم عن عدم الدفع أكثر شيوعا في شمال لبنان وجبل لبنان وأقل شيوعا في الجنوب.
قال صاحب فرن (51 عاما) من زحلة: "قبل الأزمة... لم نكن نشعر بذلك أبدا [تأثير فواتير الكهرباء]... لكن السعر ارتفع بشكل كبير في الأشهر الماضية... كل دخلي يذهب إلى دفع فاتورة الكهرباء".[108]
تؤكد النتائج التي توصّلنا إليها أن الأسر ذات الدخل المنخفض تعاني من أزمة الكهرباء في لبنان بشكل غير متناسب، مما يزيد من خطر دفعها إلى مزيد من الفقر.
وجدت أبحاث أجراها "المجلس الأمريكي لاقتصاد موفّر للطاقة" أنّ الأسر في الولايات المتحدة التي تُشكل الكهرباء عبئا مرتفعا عليها يُرجّح أن تبقى عالقة في حلقة الفقر، مما يعزّز أنماط عدم المساواة، لأن هذه الأسر تبقى دون ما يكفي من المال لإنفاقه على التعليم أو التدريب المهني أو الغذاء الصحي أو الرعاية الصحية.[109] وجدت دراسة أجراها باحثون في "جامعة نورث كارولاينا" أيضا أن الأسر المثقلة بمصاريف الطاقة لها فرصة تتراوح بين 175-200% للبقاء في الفقر لفترة أطول مقارنة بالأسر التي لا ترزح تحت أعباء الطاقة.[110]
وجدت دراسة أجريت في 2021 حول أوجه الترابط بين الفقر والكهرباء أجرتها "مبادرة أوكسفورد للفقر والتنمية البشرية" أنّ 99% من الأشخاص المحرومين من الكهرباء يعانون أيضا من واحد أو أكثر من أشكال الحرمان الأخرى في نفس الوقت، ما يؤكد اتساع الروابط بين الحصول على الكهرباء والفقر. في المقابل، وجدت الدراسة أنّ التحسّن الملحوظ في الحصول على الكهرباء كان من أسرع سبل تخفيف الفقر.[111]
التأثير على المستوى المعيشي اللائق
تقع الكهرباء في صميم الحياة العصرية الكريمة، فهي لازمة لتوفير الماء النظيف، والتدفئة، والتكييف، والإضاءة، والنقل، وتشغيل الأجهزة المهمة مثل الثلاجات. وهي التي تسمح للأسر بأن تكون منتجة، ونشيطة اقتصاديا، وقادرة على تعليم أفرادها والترفيه عن نفسها. لطالما كان المجتمع الدولي مُدركا للعلاقة الوثيقة بين مستوى الدخل والحصول على الكهرباء، حيث يعتبر البنك الدولي أن الحصول على الطاقة ضروريا للحدّ من الفقر وتحقيق الازدهار الاقتصادي المشترك.[112] كما يعتبر الحصول على الانترنت، الذي يعتمد على الحصول على الكهرباء، ضرورة أساسية للتنمية الاقتصادية والبشرية.[113] يُعدّ الحصول على الانترنت ذات النطاق العريض أداة قويّة تضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مثل التعليم والرعاية الصحية، وتوفّر فرصا اقتصادية، ويُمكن أن تساهم في شفافية الحكومة ومساءلتها. منذ بداية الأزمة، عانى لبنان من سلسلة انقطاعات للإنترنت مع عجز قطاع الاتصالات في البلاد عن توفير أو تحمل تكلفة الوقود الكافي لمحطات الطاقة الخاصة به.[114]
اقتران ارتفاع تكاليف الكهرباء مع الوضع الاقتصادي السيء يعني أنه بات يتعيّن على الأسر اتخاذ خيارات صعبة بشأن كيفية تدبير أمورها. في ردّها على المسح، قالت تسعة من كل عشر أسر تقريبا إنّ تكلفة الكهرباء أثرت على قدرتها على دفع تكاليف خدمات أساسية أخرى.[115] بالإضافة إلى ذلك، كانت هذه المحنة تحدث بشكل متكرر، حيث قال ثلثا الأسر إنّ تكاليف الكهرباء أثرت على قدرتهم على دفع تكاليف الضروريات الأخرى عدّة مرات في الشهر وقالت 20% إنّ ذلك يحدث تقريبا مرة في الشهر. كانت هذه التجربة محسوسة بشكل واسع في كل المجتمع اللبناني إلى درجة أنّ الفئة الخُمسيّة الأعلى دخلا فقط هي التي قال أقلّ من نصف المنتمين إليها إنهم لم يتأثروا بذلك عدة مرات في الشهر. يُرجّح أنّ الأسر في البقاع وشمال لبنان تواجه صعوبة أكبر في دفع تكاليف احتياجاتها الأساسية مقارنة بالأسر الموجودة في مناطق أخرى من البلاد.
سألنا الأسر عن أنواع الأمور التي لم يتمكنوا من دفع ثمنها في العام السابق، فكشفت النتائج عن حجم المعاناة المالية في عديد المنازل. ما يقرب من ثلثي الأسر لم تكن قادرة على دفع تكاليف التدفئة. كافحت أغلب الأسر لدفع تكاليف الحصول على الملابس أو تكاليف الاحتياجات التعليميّة. أكثر من 43% منها لم تتمكن من دفع ثمن الأدوية أو تكاليف الرعاية الصحيّة.
قالت سلوى نجمة، من سكان بعبدا: "إجمالا، تُكلفنا الكهرباء 200 دولار في الشهر. ولذلك علينا أن نقتصد في الأمور الأخرى. مثلا، صرت أشتري ملابس أقلّ، وأغراض أقل للمنزل... أغراض كنا نشتريها كثيرا في الماضي".[116]
سألنا الناس أيضا عمّا إذا كان نقص الكهرباء قد أثر على قدرتهم على حفظ الطعام في الثلاجة أو مجمّدا، أو الحصول على ما يكفي من الماء، أو إبقاء منازلهم في درجة حرارة آمنة، أو طهي الطعام أو تسخينه، أو المشاركة في الأنشطة المتصلة بالتعليم أو العمل، أو الوصول إلى منازلهم عبر المصاعد أو البوابات التي تعمل بالكهرباء. أكثر من 80% من الأسر قالت إنّ واحد أو أكثر من هذه الأنشطة تأثر بنقص الكهرباء، بينما قال ربعها إنّ عدد الأنشطة التي تأثرت بذلك بلغ أربعة أو أكثر.
قال أحد سكّان عكّار: "نحن نتجمّد الآن، ولا نستطيع تشغيل التدفئة. ليس لدينا ماء ساخن، ولا نستطيع وضع أيّ شيء في الثلاجة... وكل شيء باهظ. لتدفع فاتورة المولّد، عليك الاقتصاد في كلّ شيء".
قال أحد سكان بعبدا: "لو لم تكن لدينا مصاريف المولّد، كنا لنتدبر أمرنا. لكنّ المولد أفلسنا. يُمكنك التخلي على كل شيء، لكنك لا تستطيع العيش دون كهرباء".[117]
قارن أحد سكّان زحله انقطاع الكهرباء بسيارة توقفت فجأة على الطريق السريع. قال: "السيارة هي نحن، وفجأة توقفنا. نكتفي بالجلوس وانتظار عودة الكهرباء، لا يمكنك فعل أي شيء آخر. لا يوجد وضع أسوأ من هذا".[118]
الغذاء
بلغ انعدام الأمن الغذائي مستويات مقلقة في لبنان. وجد مسح أجرته اليونيسف في يونيو/حزيران 2022 أنّ ما يصل إلى 70% من الأسر في لبنان باتت تقترض المال لشراء الغذاء أو هي تشتريه بالدَيْن. في الأشهر الثلاثة السابقة للمسح، ذهب 23% من الأطفال إلى فراشهم وهم جياع. ارتفع أيضا عدد الأطفال الذين يُرسلون إلى العمل لمساعدة عائلاتهم، والفتيات اللاتي يتم تزويجهن لخفض النفقات.[119]
ارتفاع تكلفة الكهرباء وانقطاعها جزء من المشكلة. ثلث العائلات التي شاركت في المسح قالت إنّ نقص الكهرباء أثر على قدرتها على طهي وتسخين الطعام، وصرّحت أغلبها أنّ ذلك كان مصدر قلق يومي.[120] بالإضافة إلى ذلك، قالت أسرتان من كل ثلاث أسر إنّ نقص الكهرباء أثر على قدرتها على حفظ الطعام باردا أو مجمّدا.[121] نسبة صغيرة فقط، لكنّها تظلّ مهمّة، من الفئة الخُمسيّة الأكثر ثراءً ذكرت أنّ ذلك يُعدّ مشكلة، مما يُشير إلى أنّ الذين لديهم أموال كافية يستطيعون التخفيف من هذه المشكلة.
بالنسبة للأسر التي شملها المسح ولها أطفال، ذكر أكثر من ثلثها أنها تواجه صعوبة في دفع ثمن الوجبات الغذائية المدرسيّة. في هذه المجموعة، قالت 90% من الأسر إنّ قدرتها على دفع ثمن السلع والخدمات الأساسيّة تأثرت بتكلفة الكهرباء.
كلّ الأسر التي قابلتها هيومن رايتس ووتش قالت إنّ التأثير الأكبر لنقص الكهرباء كان على قدرتها على حفظ الأكل في الثلاجة. العديد منها لاحظت أنّ الثلاجة أصبحت فعليّا خزانة.[122]
قالت أمّ من صيدا إنها لم تعد قادرة على وضع أيّ شيء في الثلاجة: "اشتري المكوّنات وأطبخها في نفس اليوم... نتناول الغداء فقط ونتخلى عن وجبه الإفطار. أما بالنسبة للعشاء، فنأكل ما تبقى. لا نستطيع حفظ الطعام، والطعام زادت كلفته".[123]
قالت أمّ أخرى لستة أطفال في بيروت: "لم أعد أريد [الاشتراك في] مولّد... أولويتي هي إطعام أطفالي... يمكننا البقاء دون كهرباء، لكنّنا لا نستطيع التخلّي عن شراء الطعام".[124]
تحدثت العديد من العائلات عن تغيير نوع الطعام الذي تستهلكه. قالت صونيا سمعان (52 عاما)، وهي أمّ لثلاثة: "لم نعد نشتري ’لا لحمة ولا دجاج‘. بالنسبة لي، المعادلة هي إمّا ’اللحمة أو الموتور [المولد]‘... علينا أن نختار بين الحصول على الطعام أو [اشتراك في] مولد الكهرباء وأنا شخصيا لا أستطيع البقاء بلا ضوء. سأجنّ".[125]
قالت فاديا الحاج، التي تنفق دخلها بالكامل على فواتير الكهرباء: "لقد عدّلنا استهلاكنا. لم نعد نستهلك أشياء مثل الفواكه والبندورة والخيار".[126]
قالت أمّ لأربعة في طرابلس إنها ألغت اشتراكها في المولّد فوفرت جزء من دخلها وأرجعت بعض الخضار إلى النظام الغذائي لعائلتها.[127]
الرعاية الصحيّة والرفاه
وجد المسح الذي أجريناه أيضا أنّ الكهرباء المُكلِفة وغير الموثوقة لها آثار سلبية وخطيرة على الصحة. أقل بقليل من نصف الأسر (43%) قالت إنها لم تتمكن من دفع تكاليف الأدوية والرعاية الصحيّة، أو الخدمات الصحية الأخرى، بما في ذلك الصحة النفسيّة، في وقت ما من العام السابق. في هذه المجموعة، قالت كل الأسر تقريبا (92%) إنّ تكلفة الكهرباء أثرت بانتظام أو أحيانا على قدرتها على دفع تكاليف الخدمات الأساسية. تعتمد القدرة على دفع تكاليف الرعاية الطبية على الدخل، حيث قالت 58% من الأسر في الفئة الخُمسيّة الأكثر فقرا إنها لم تتمكن من دفع التكاليف مقارنة بـ15% فقط في الفئة الخُمسيّة الأكثر ثراءً.
حوالي 19% من الأسر في لبنان لديها فرد يستخدم معدّات طبية أو أجهزة مساعِدة تعمل بالكهرباء، مثل الكراسي المتحركة الكهربائية والمعينات السمعيّة.[128] في هذه المجموعة، قالت أسرة من كل عشر أسر إنّ نقص الكهرباء أثر على قدرتها على استخدام المعدّات الطبيّة. لما سألناهم عن تعاملهم مع النقص الذي يؤثر على المعدّات الطبيّة، قالت ثلث الأسر تقريبا إنها ذهبت إلى المستشفى للحصول على رعاية لهذه المشكلة، بينما قالت 43 من الأسر إنها ذهبت إلى منزل أحد الأقارب أو الأصدقاء لمواجهة هذا النقص.
قالت امرأة (54 عاما) لـ هيومن رايتس ووتش إنّ لديها اشتراك في مولّد حتى تشغّل آلة الأكسيجين الخاصة بوالدتها (87 عاما) لأنّ كهرباء الدولة غير موثوقة، ما قد يعرّض صحة الأم للخطر. قالت: "تحتاج والدتي إلى آلة الأكسيجين بحسب حالتها أو إذا حصل معها نقص في الأكسجين. عندما تنقطع كهرباء المولد، لا نستطيع تشغيل الآلة... هذا يُذكّرني بأوقات عصيبة".[129]
بالمثل، قالت منال خالد (38 عاما)، التي تعيش في البدّاوي شمال لبنان، إنّ والدها مرض في 2021 واحتاج إلى الأكسيجين، لكنهم لم يجلبوا آلة أكسيجين إلى المنزل لأنهم لن يستطيعوا تزويدها بالكهرباء، ولذلك اضطرّوا إلى نقله إلى عيادة في الجوار من حين لآخر لتزويده بالأكسيجين. قالت إنّ ذلك كلّفهم 25 ألف ليرة لبنانية (1 دولار) كلّ مرّة.[130]
حوالي 7% من الأسر تضمّ شخصا لديه إعاقة.[131] في هذه المجموعة الفرعية، 12% من الأسر لديها معدّات طبيّة أو أجهزة مساعِدة تأثرت بنقص الكهرباء. كانت العائلات التي فيها شخص لديه إعاقة أكثر ميلا للقول إنّها واجهت صعوبات في تدبّر أمورها أو أنها كانت دائما لا تتمكن عن تأمين نفقات أساسية (84% مقارنة بـ70%).
تحدّثت هيومن رايتس ووتش إلى أربعة أشخاص من ذوي الإعاقة أو يعيشون مع قريب لديه إعاقة. تحدّثوا جميعا عن الأثر المدمّر لنقص الكهرباء على قدرتهم على إدارة حياتهم وتدبير أمورهم. يهدّد نقص الكهرباء بشكل خاص حقوق ذوي الإعاقة الذين يحتاجون إلى الكهرباء لتشغيل الأجهزة التي تساعدهم على العيش المستقل، أو غيرها من المعدّات التي تعمل بالكهرباء، مثل المصاعد.
شرحت امرأة (55 عاما)، تعيش في بيروت لديها شلل في جانب واحد من جسدها، لـ هيومن رايتس ووتش الصعوبات التي صارت تواجهها في حياتها بدون كهرباء، وخاصة كيف أثر ذلك على قدرتها على الحركة والمشاركة في المجتمع.
كيف يُمكنني أن أصف لكم ذلك؟ عندما تنقطع الكهرباء أدخل في هيستيريا. كل شيء يصير أكثر صعوبة على الفور، حتى المهام التي لا تطلب كهرباءً. يُمكنني استخدام يد واحدة، وأعيش مع ألم مزمن... أسكن في الطابق الأوّل لكنّني لا أخرج من المنزل إذا لم يكن هناك كهرباء لأنني لا أستطيع صعود ونزول الدرج... لا يُسمح لك أن تكون مرتاحا، ويجب أن تتعرّض للإذلال في منزلك.[132]
قالت امرأة (50 عاما) لديها ترقق في العظام وتعيش في الضاحية الجنوبية لبيروت مع شقيقها الذي لديه شلل جزئي، إنّها تعيش في بؤس بلا كهرباء. تحدّثت عن تأثير الكهرباء على قدرتها على توفير المساعدة لشقيقها ليحصل على الضروريات الأساسيّة. قالت: "لا أستطيع رؤية أي شيء أمامي لأساعد شقيقي على الوصول إلى الحمّام. أحيانا لا نستطيع الوصول إلى الحمام في الوقت المناسب. صرت في حالة من الاكتئاب الكامل". قالت أيضا إنّ فاتورة المولّد تؤثر على قدرتها على شراء أدوية لنفسها أو لشقيقها.
مثلا هذا الشهر، لم أشتر دواء ترقق العظام لأنّ فاتورة المولّد بلغت 1.4 مليون ليرة لبنانية (52 دولار). عليّ شراء الأكل والدواء لشقيقي... وكل هذا يستنزفنا نفسيا. أخي متعب، ووصل إلى حدّ البكاء بسبب انقطاع الكهرباء. يخيّم الظلام على قلوبنا، فأبكي أيضا من الغضب. أنا غاضبة عن الوضع، وفي نفس الوقت، أشعر أني عاجزة.[133]
وفقا لـ"تقرير الأمم المتحدة الرئيسي حول الإعاقة والتنمية لعام 2018"، يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة بشكل عام المزيد من التحديات في الوصول إلى الطاقة مقارنة بباقي السكان. كما يكافحون لدفع فواتير الكهرباء التي تكون عادة أعلى من فواتير بقية الناس رغم أنّ لديهم موارد مالية أقلّ.[134]
سمير السروان (75 عاما) متقاعد يعيش مع ابنته (37 عاما) التي لديها إعاقة سمعيّة وقلق. قال: "بالنسبة لابنتي، التلفزيون مثل الدواء. لديها قلق عميق، وعدم قدرتها على مشاهدة التلفزيون يزيد من قلقها. اضطررنا إلى زيادة جرعة دوائها... بالإضافة إلى ذلك، فإنّ مزاجنا يؤثر عليها... أقول لزوجتي إنه يتعيّن علينا أن نبتسم لها أكثر، لكنّ الأمر كلّه تمثيل. لا يوجد شيء يجعلك تبتسم... بالنسبة لي، الأولوية ليست الكهرباء أو الطعام، الأولوية هي دواء ابنتي".[135]
قالت غادة غوروس، التي تعيش في النبعة، إنّ ابنها، الذي لديه إعاقة بدنيّة، سقط ليلا وكسر ذراعه لأنه لم يستطع الرؤية جيدا في الظلام. قالت: "يُمكن تلخيص وضعنا بالقول إننا عائلة تموت من الجوع ونريد مغادرة البلاد".[136] وصف السكان أيضا لـ هيومن رايتس ووتش تأثير نقص الكهرباء على صحتهم النفسية. قال أحد سكان بعبدا: "عندما لا توجد كهرباء، يبدو الأمر وكأنك تعيش في مقبرة. حتى أثناء النهار، المنزل في عتمة، وبعتّم على قلبك".[137]
قال شخص آخر: "عندما تنقطع الكهرباء، تشعر كأنك عم تقطع الحياة".[138]
قالت سميّة جُنيد، وهي أمّ لستة في طرابلس: "انقطاع الكهرباء يجعلنا قلقين وغاضبين باستمرار. يجعلنا نصرخ... في الواقع، وضع الكهرباء هذا مثل المرض بالنسبة إلينا، للصغار والكبار على حدّ سواء".[139]
قالت ربّة منزل (42 عاما) وأم لطفلة (18 شهرا): "ابنتي تبكي في الليل بسبب الظلام. أضطرّ أحيانا إلى إخراجها إلى الشارع حيث يوجد بعض الضوء فتهدأ... يا إلهي، الوضع أشبه بالموت، وهو يزداد سوءًا يوما بعد يوم".[140]
تدفئة المنازل وتبريدها
تُعتبر درجات الحرارة الشديدة من المخاطر الصحيّة الكبيرة. مثلا، قد تتسبب الحرارة الشديدة في طفح حراري أو تشنجات أو إجهاد حراري أو ضربة شمس، ويُمكن أن تكون قاتلة أو لها عواقب تستمرّ مدى الحياة. يتعرّض المسنّون وذوو الإعاقة والنساء الحوامل والأطفال إلى مخاطر صحيّة متزايدة بسبب الحرارة، وفي بعض الأحيان تكون لها عواقب قاتلة.[141] يؤثر نقص الكهرباء ميسورة التكلفة والموثوقة في لبنان على قدرة الناس على حماية أنفسهم من درجات الحرارة غير الآمنة.
وجد المسح الذي أجريناه أن ثلثي الأسر تقريبا لم تكن قادرة على دفع تكاليف التدفئة في وقت ما من العام السابق. بالإضافة إلى ذلك، قال أربعة من كل عشرة مشاركين في المسح إنّ نقص الكهرباء أثر على قدرة أسرهم على الحفاظ على منازلهم في درجة حرارة آمنة وصحيّة، وقال الأغلبية (أكثر من 80%) إنّ ذلك كان مشكلة يومية تقريبا.[142] نسبة الأسر التي قالت هذا هي الأدنى بين الأسر ذات الدخل المنخفض، مما يشير إلى أنّ العديد منها ليس لديها وحدات تكييف أو تدفئة حتى تتأثر بتقص الكهرباء.
قالت حسناء اليوسف، وهي أمّ لأربعة: "أحيانا يخبرني الزائرون أنّ المنزل بارد وأن ذلك سيء لابنتي، لكن ماذا عساي أفعل؟ ... أشعر وكأن لدي مرض نفسي بسبب [نقص] الكهرباء، وبسبب الوضع الاقتصادي. أنا وزوجي صرنا نتشاجر أكثر".[143]
قالت سلوى نجمة، التي يعيش حفيدها الصغير في منزلها، إنّ لديه التهاب في الشعب الهوائية، والبرد يزيد وضعه سوءًا. لكن إذا شغلت التدفئة، فسترتفع الفاتورة إلى خمسة ملايين ليرة (186 دولار)، وهو ما يصعب عليها تحمله.[144]
قالت معلّمة متقاعدة في بيروت أيضا إنها تستطيع تشغيل المدفأة الكهربائية الصغيرة فقط عند توفر كهرباء الدولة، التي تحصل عليها أقل من أربع ساعات في اليوم. قالت: "نرتدي ملابس سميكة، ونستخدم البطانيات، ونبقى في الفراش لتجنب البرد".[145]
الماء
تعتمد معظم الأسر على مضخات الماء الكهربائية للحصول على ماء في المنزل. في ردّها على المسح الذي أجريناه، قالت نصف الأسر تقريبا إنّ نقص الكهرباء أثر على قدرتها على الحصول على الماء.[146] وفي هذه المجموعة، كانت المشكلة متكررة، حيث قالت 85% من الأسر إنّ ذلك يحصل مرة في الأسبوع أو بشكل يومي تقريبا. الأسر ذات الدخل المنخفض هي التي تأثرت قدرتها على الحصول على المياه بشكل خاص، مما يشير إلى أنّ الأسر الأكثر ثراءً قادرة أكثر على التعامل مع النقص.
قال رجل (75 عاما) من بيروت لـ هيومن رايتس ووتش: "لا نستطيع حتى ضخّ الماء بدون كهرباء. كعائلة، نضطرّ إلى تحديد مواعيد الاستحمام. ننتظر رجوع الكهرباء... ثم نعمل على توزيع استخدامها بالتساوي: بين زوجتي وابنتي وأنا".[147]
قالت امرأة تعيش مع شقيقيها في سبلين، ولا تستطيع تحمّل تكلفة مولّد، لـ هيومن رايتس ووتش إنها تعتمد على شقيقها حتى يُشغّل المولد الخاص به لمدّة نصف ساعة تقريبا حتى تتمكن من تشغيل مضخات الماء.[148]
قالت أمّ لأربعة أطفال، وكانت قد ألغت اشتراكها في المولّد مؤخرا، إنّها لا تحصل على أيّ مياه عند انقطاع كهرباء الدولة، ولذلك تضطرّ إلى الذهاب إلى بركة مياه قريبة للحصول على الماء.[149] كما قالت أم لخمسة أطفال، وهي عاطلة عن العمل، إنّ مضخّة الماء لا تعمل بلا كهرباء، ولذلك تضطرّ إلى ملئ غالونات من الماء من خزّان قريب وتنقله إلى البيت.[150]
الحركة
قال حوالي 13% من جميع الأسر إنّ نقص الطاقة أثر على قدرتهم على دخول منازلهم لأنهم يعتمدون على المصاعد أو الأقفال الكترونيّة.[151] كان هذا أكثر شيوعا بين العائلات الأكثر ثراءً، حيث عانت منه حوالي 20% من الأسر المنتمية للشريحة الخُمسية الأكثر ثراءً مقارنة بـ5% من الشريحة الخُمسية الدّنيا.
عدم الحصول على الكهرباء أثر أيضا على قدرة الأشخاص ذوي الإعاقة على الحركة. قالت امرأة (50 عاما)، لديها ترقق في العظام وتعيش مع شقيقها الذي لديه إعاقة في الطابق الخامس في مبنى في الضاحية الجنوبية لبيروت، إنّ المصعد أمر "لا بدّ منه".[152] قالت: "[شقيقي] لا يستطيع النزول على السلالم من الطابق الخامس. عندما يقطع صاحب المولّد [الكهرباء]، أتجنّب الخروج من المنزل، لدي ترقق في العظام على مستوى الفقرتين الأخيرتين من عمودي الفقري. يؤلمني ذلك كثيرا ولا أستطيع صعود السلالم بسهولة. اضطررت عدّة مرات إلى الخروج رغم انقطاع الكهرباء لأسحب مرتّبي...".[153]
قالت امرأة (55 عاما)، من بيروت ولديها شلل جزئي، إنّها تعيش في الطابق الأول لكنها لا تستطيع الخروج من المنزل دون كهرباء. قالت: "لا أستطيع زيارة أي شخص بلا مصعد، سواء لأنه ما من مصعد في المبنى أو لأنّ الكهرباء منقطعة. أنا قطعا لست حرّة في الخروج كما أشاء، رغم أنني من النوع الذي اعتاد الخروج دائما، كنت شخصا كثير التنقل والسفر".[154]
التأثير على الحصول على التعليم
منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، أغلقت الكثير من المدارس بسبب المظاهرات ضدّ الفساد، وانفجار بيروت، وجائحة كورونا، وإضرابات المعلّمين الذين تسببت الأزمة في انخفاض قيمة رواتبهم.[155] نتيجة لذلك، صار تعليم الأطفال يعتمد كثيرا على التعليم عن بعد منذ 2019. لكن نقص الكهرباء في المنازل أعاق قدرة الأطفال على الدراسة و/أو إتمام واجباتهم و/أو المشاركة في التعليم عن بعد.[156] كما أنّ عدم وجود كهرباء منتظمة وميسورة التكلفة حدّ من قدرة المعلّمين على تقديم دروس عن بعد. في يونيو/حزيران 2020، قالت سارة (14 عاما)، وهي طالبة من صيدا، إنّ إغلاق المدارس بسبب جائحة كورونا في وقت سابق من ذلك العام دفع "معلّمة الإنغليزية إلى إلغاء الدرس بشكل متكرر لأنه لم يكن لديها كهرباء".[157] تأثرت المدارس أيضا بنقص الكهرباء، وأعيد بعض الأطفال إلى منازلهم حتى بعد استئناف الدروس الحضورية لأنّ فصولهم الدراسية كانت بلا إنارة، وفقا لتقارير إخباريّة.[158]
لمّا سألنا عن العلاقة بين التعليم والكهرباء، نصف الأسر فقط قالت إنّ السؤال ينطبق عليها، ما يعني أنّ نصف الأسر ليس لديها أيّ أفراد في المدرسة أو الجامعة أو أي نشاط تعليمي آخر. من بين الأسر التي أجابت على سؤالنا، قالت 50% منها تقريبا إنّ نقص الكهرباء أثر على قدرتهم على المشاركة في الدروس أو المحاضرات. حوالي 80% من الأسر التي تأثرت أنشطتها التعليميّة بنقص الكهرباء لديها أطفال دون 18 سنة، أما البقية فتضم على الأرجح أفراد هم طلاب في الجامعة أو متعلّمين راشدين آخرين.
قالت أمّ لأربعة أطفال (37 عاما): "تدرس ابنتي على مصباح الهاتف. من دون إنارة جيدة، الأمر كارثي، فهي متأخرة في جميع الدروس. نعيش وكأننا في حرب على جميع الصعد: الكهرباء والتعليم ومستقبل أطفالنا".[159]
قالت امرأة (38 عاما)، من البدّاوي شمال لبنان، إنّ نقص الكهرباء كان له تأثير كبير على تعليم ابن أخيها. قالت: "استمرّ في الدراسة عبر الانترنت لبعض الوقت، لكنه لم يكن قادرا على القيام بواجباته في الوقت المحدد بسبب نقص الكهرباء". كان الصبي (ثمانية أعوام) "يفهم ما يحدث" في لبنان، بحسب عمّته، وعندما تتوفر له فرصة الاتصال بالإنترنت، "كان يخاطب رئيس الجمهورية ويطالب بحلول لمشاكل البلاد".[160]
التأثير على سُبل العيش
قد تتأثر فرص العمل والانتاجيّة أيضا بالكهرباء. قالت 15% من جميع الأسر في كلّ أنحاء لبنان إنّ قدرتها على المشاركة في مكالمات أو اجتماعات تتعلق بالعمل تأثرت، لكن هذا العدد يشمل نصف المشاركين في المسح الذين قالوا إنّ السؤال لا ينطبق عليهم، مما يشير إلى أنّه ليس لهم أقارب يعملون من المنزل أو ليس لديهم عمل.[161] من بين الأسر التي قالت إنّ هذا السؤال ينطبق عليها، 29% فقط قالت إنّ عملها تأثر بنقص الكهرباء. ضمن هذه الفئة، قالت 30% إنّ انقطاع الكهرباء أثر على وضعها المهني أو قدرتها على كسب دخل.[162] 4% من كل الأسر اللبنانية أكدت أنّ وضعها المهني أو قدرتها على كسب دخل تأثرا بانقطاع الكهرباء عن المنازل. كانت الأسر الأكثر تضررا في الشريحة الخُمسيّة ذات الدخل المتوسط.
قالت امرأة تقيم في بيروت (59 عاما)، وتعيش مع أختها الخيّاطة، إنّ نقص الكهرباء أثر على معيشة أختها. قالت: "تقنين الكهرباء يؤثر على قدرة أختي على العمل وتشغيل ماكينة الخياطة. عندما تنقطع كهرباء المولّد، تقوم بأمور أخرى لا تحتاج إلى الكهرباء، مثل الخياطة باليد".[163]
قالت امرأة تقيم في البدّاوي أيضا، وكانت تعمل في قاعة رياضة لكنّها الآن عاطلة عن العمل، إنّ نقص الكهرباء أدّى إلى تقليص نوبات العمل في القاعة. اضطرّت إلى ترك عملها بسبب ارتفاع تكاليف النقل، التي جعلت ذهابها للعمل براتب زهيد أمر لا يستحق العناء.[164]
الآثار البيئية والصحية
يتسبب نظام الكهرباء في لبنان، الذي يعتمد على مولّدات تعمل بزيت الوقود الثقيل والديزل، في تلوث كبير للهواء، ما خلّف أضرارا فادحة على البيئة وتأثيرا كبيرا على صحة الناس، وربما تسبب في مقتل الآلاف كلّ عام في لبنان، بحسب تقديرات غرينبيس.[165]
حدّدت منظمة الصحة العالمية تلوث الهواء على أنّه "أكبر تهديد بيئي منفرد لصحة الإنسان"، حيث تشير التقديرات إلى أنه يتسبب في وفاة سبعة ملايين شخص مبكّرا سنويا، منهم 4.2 مليون بسبب تلوث الهواء الخارجي (أو المحيط).[166]
يتسبب حرق زيت الوقود الثقيل والديزل في إطلاق ملوثات كثيرة، مثل الجسيمات (PM2.5)، وثاني أكسيد الكبريت (SO2)، وأكاسيد النيتروجين (NOx)، والمعادن الثقيلة، وكلّها لها آثار كبيرة على صحّة الانسان بحسب معدّلات التعرّض لها.[167]
تأثير الجسيمات بي إم 2.5 على صحة الإنسان موثق بشكل جيّد سواء كان التعرض لها قصير أو طويل الأمد. قد تصل هذه الجسيمات إلى أعماق الجهاز التنفسي السفلي، مما يؤدي إلى زيادة خطيرة في احتمال حدوث مشاكل في الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، ويُمكن أن تدخل بسهولة في مجرى الدم وتخترق الرئتين، وهي مسؤولة عن معظم الوفيات الناجمة عن ملوثات في العالم.[168]
رغم أنّ تلوث الهواء يؤثر على الجميع، إلا أنّه يؤثر بشكل غير متناسب على المسنين والأطفال والأشخاص الذين لديهم أصلا مشاكل في الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية. تلوث الهواء يؤثر بشكل خاص على الأطفال، ويرجع ذلك في جزء منه إلى أنّ أجسامهم وأدمغتهم لا تزال في طور النموّ، ويتنفسون بسرعة أكبر من البالغين. على مستوى العالم، واحدة من كل عشر وفيات للأطفال دون الخامسة من العمر تقريبا سببها تلوث الهواء. وفقا لمنظمة الصحة العالمية، في 2016، توفي 600 ألف طفل من آثار تلوث الهواء.[169]
قال جوليان جريصاتي، مدير البرامج في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في غرينبيس، لـ هيومن رايتس ووتش إنّ الحكومة اللبنانية خفضت ميزانية وزارة البيئة في خضمّ الأزمة الاقتصادية، ما دفع الوزارة إلى تعليق عمل أجهزة مراقبة تلوث الهواء. قال: "جميع أجهزة مراقبة جودة الهواء التابعة لوزارة البيئة لا تعمل الآن، وهذا الوضع مستمر منذ بضع سنوات... ولذلك ليس لدينا أي معلومات عن الهواء الذي نتنفسّه".[170] الرصد الفعّال لجودة الهواء أمر ضروري لتقييم وتخفيف مخاطر المستويات العالية لتلوث الهواء على صحة الانسان.
لكن في 2020، قبل بدء أزمة الكهرباء، استخدمت غرين بيس مجموعات بيانات عالمية التي تصف تركيزات الجسيمات بي إم 2.5 والأوزون وثاني أوكسيد النيتروجين لتقييم الأثر الصحّي والتكلفة الاقتصادية لاعتماد بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الوقود الأحفوري.[171] وجدت المنظمة أنّ متوسّط عدد الوفيات المبكّرة في لبنان نتيجة تلوث الهواء بسبب إحراق الوقود الأحفوري بلغ 2,700 حالة في 2018، وهي أعلى نسبة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.[172] يرتبط تلوث الهواء بزيادة الإصابة بالأمراض، مثل مرض القلب الإفقاري (IHD)، والانسداد الرئوي المزمن (COPD)، وسرطان الرئة، والتهاب الجهاز التنفسي السفلي، والولادة المبكّرة، والسكري من النوع الثاني، والسكتة الدماغية، والربو.[173]
قدّر الدكتور آلان شحادة، عميد كليّة الهندسة والعمارة بالجامعة الأمريكية في بيروت، أن الجسيمات الملوثة المحمولة جوا في الهواء الطبيعي في بيروت، حتى في الأماكن البعيدة عن مصادر التلوث مثل محطات الطاقة، تتجاوز نسبتها الحدّ الأقصى للجسيمات الملوثة الذي أوصت به منظمة الصحة العالميّة بأكثر من 100%.[174]
تعاني المدن المجاورة لمحطات الطاقة التي تعمل بالوقود وغير الفعالة والقديمة والمتسببة في تلوث كبير من مستويات عالية جدا من تلوث الهواء. وجدت دراسة أجرتها غرينبيس في 2018 أنّ الهواء في جونية، وهي مدينة ساحلية في لبنان، هو من الأكثر تلوثا في العالم، ويعود ذلك جزئيا إلى وجود محطة معمل الذوق على شاطئها، والتي تنبعث منها مستويات كبيرة جدا من ثاني أكسيد النيتروجين.[175] كما أنّ رسو باخرة كهرباء قبالة المعمل فاقم مستويات تلوث الهواء في المنطقة.[176]
الاعتماد على مولّدات الديزل الخاصة عندما تعمد الدولة اللبنانية إلى تقنين التيار الكهربائي من مؤسسة كهرباء لبنان له تأثير مدمّر وقاتل على صحة السكّان. حتى قبل بدء أزمة الكهرباء في صيف 2021، كانت مؤسسة كهرباء لبنان تقوم بتقنين الكهرباء، ما يتسبب في انقطاعات تتراوح بين ثلاث ساعات و12 ساعة، بحسب المنطقة. كان السكان والشركات يعتمدون على المولدات الخاصة لسدّ هذه الفجوة (انظر فصل المولّدات الخاصة). منذ بداية الأزمة في 2021، بات انقطاع الكهرباء يستمر لـ22 ساعة في اليوم، مع ارتفاع ملحوظ لانتشار وساعات تشغيل مولّدات الديزل، مما تسبب في ارتفاع مستويات تلوث الهواء، لا سيما في المناطق الحضريّة المزدحمة بالسكان.
قدّر علي أحمد، خبير الطاقة لدى البنك الدولي، أنّ مولّدات الطاقة كانت تساهم في 2018، قبل أزمة الكهرباء، بحوالي 39% من إجمالي مخزون غازات الدفيئة الناتجة عن الكهرباء في لبنان.[177]
معظم المولّدات الخاصة في لبنان عادة تكون من صنف أقلّ من 500 كيلو فولت أمبير، وبالتالي فهي غير مشمولة بلوائح انبعاث الملوّثات. كما أنّ ارتفاع مداخن عوادم المولدات غير منظّم، وهذه المولودات موجودة في كل الارتفاعات، بما في ذلك على مستوى الأرض. عادة ما يتم تركيب هذه المولّدات داخل المباني السكنيّة أو بجوارها مباشرة، وفي المناطق الحضريّة، المكتظة بالسكان في أغلب الأحيان، حيث يدور الهواء بشكل سيء ويمكن أن تتراكم الملوثات وتتفاعل مع ملوثات من مصادر أخرى، مثل عوادم السيارات.[178]
في 2013، أجرت الجامعة الأمريكيّة في بيروت دراسة لقياس مستوى المواد المسرطنة المنقولة في الهواء عندما تكون مولّدات الديزل تعمل وعندما تكون متوقفة على شرفات 20 مسكنا في حيّ الحمراء المكتظ بالسكان في بيروت. كانت بيروت في 2013 تشهد انقطاعا للكهرباء لمدة ثلاث ساعات في اليوم. وجدت الدراسة أنّ استخدام مولدات الديزل في الحمراء كان السبب في 38% من نسبة التعرّض اليومي للمواد المسرطنة، رغم أن المولدات كانت تعمل ثلاث ساعات فقط في اليوم، ومثلت زيادة في التعرض بنسبة قاربت 60% مقارنة بالمستويات المرجعيّة المحددة عندما لا يكون هناك مولدات.[179]
وجد عبد القادر بعيون، الباحث في الجامعة الأمريكيّة في بيروت الذي درس تأثير المولّدات على تلوث الهواء في بيروت، أنّ "المدينة الوحيدة التي تستخدم مولّدات الديزل باستمرار مثل بيروت كانت دلهي في الهند. رغم أنّ دلهي تنبعث فيها ملوّثات تتجاوز بيروت بـ3.4 مرات، إلا أنّ نصيب الفرد من هذه الملوثات في 2018 كان أعلى في بيروت منه في دلهي بـ5.6 مرات".[180]
في خضمّ الأزمة الاقتصاديّة، ازداد الاعتماد على المولّدات الخاصّة بشكل كبير، حيث تراجعت كهرباء الدولة إلى أقلّ من ساعتين في اليوم. قدّرت الدكتورة نجاة عون صليبا، أستاذة الكيمياء في الجامعة الأمريكية في بيروت والنائبة الحالية في البرلمان، أنّ ارتفاع ساعات تشغيل مولّدات الديزل أدّى إلى ارتفاع نسبة تلوث الهواء ثماني مرّات، وارتفاع مستوى المواد المسرطنة المحمولة في الهواء بنسبة 300%.[181] ذكرت صليبا أنّ ذلك سيكون له "تداعيات خطيرة على الوضع الصحّي" وسيؤدي إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان والأمراض الأخرى.[182]
قالت أمّ لأربعة أطفال من طرابلس إنها تعتقد أنّ الرّبو لدى زوجها والحساسية لدى ابنتها قد تفاقما بسبب الدخان المنبعث من المولّدات. قالت: "زوجي لديه ربو، وكان يستخدم جهاز استنشاق من حين لآخر. لكن منذ انتشار المولّدات، أصبح بحاجة إلى هذا الجهاز صباحا ومساءً. ونفس الشيء بالنسبة لابنتي، فهي لديها حساسية في عينيها، وكانت الحساسية تزداد من أسبوع لآخر، أما الآن فقد صارت يومية، وأظنّ أنّ ذلك بسبب التلوث الناجم عن المولّدات".[183]
بالإضافة إلى الآثار الصحيّة، وجدت غرينبيس أنّ التكلفة السنويّة لتلوث الهواء الناجم عن الوقود الأحفوري في لبنان بلغت 1.4 مليار دولار، أي ما يتراوح بين 1.3 و4% من الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد في 2018 بسبب فقدان الوظائف وتكاليف الرعاية الصحية المتصلة بذلك.[184]
قال جوليان جريصاتي: "في بلد على وشك الانهيار الاقتصادي، تفرض هذه التكلفة ضغوطا إضافية على الأحوال المالية للمواطنين اللبنانيين وحكومتهم، وتكشف عن جانب جديد تماما من أزمتنا الاقتصاديّة. ميزانيتنا العامة لا تذكر هذه المسألة رغم أنها تتطلب إجراءات عاجلة وفورية من قبل الحكومة".[185]
مخاطر السلامة
انتشار مولّدات الديزل غير المنظمة في المناطق الحضريّة المكتظة يُشكّل خطرا جسيما على السلامة الجسديّة للسكّان بسبب خطر احتراق و/أو انفجار المولّدات المعطوبة أو العاملة بأكثر من طاقتها. قال الدفاع المدني اللبناني، الجهة الحكومية التي تتولى نقل المرضى وأنشطة البحث والإنقاذ والاستجابة للحرائق، لـ هيومن رايتس ووتش إنه تدخل في 2021 في 221 حالة احتراق أو انفجار لمولّدات.[186] أظهر توزيع تفصيلي شهري لهذه الحالات أن الحوادث تضاعفت تقريبا في صيف 2021، عندما بدأت أزمة الكهرباء ما أدى إلى تشغيل المولّدات لساعات طويلة لتعويض غياب كهرباء الدولة.[187]
أسفر الكثير من هذه الحوادث عن إصابات خطيرة. مثلا، في 20 يوليو/تموز 2021، اندلع حريق في مولّد في أحد فنادق بيروت، وانتشرت النيران إلى غرفة تخزين المازوت وغرفة تخزين الطعام في الفندق. تمكّن الدفاع المدني في إطفاء الحريق لكنّه أفاد أنه قدّم اسعافات أوّلية إلى 12 شخصا، منهم ثلاثة أطفال.[188] في مثال آخر، أصيب سبعة أشخاص بجروح بعد أن انفجر مولّد كهرباء داخل عيادة طبيب في مدينة صور جنوب لبنان.[189]
مؤسسة كهرباء لبنان
عجز مؤسسة كهرباء لبنان عن توفير تغذية مستمرة وموثوقة بالكهرباء لسكان لبنان يعود إلى حد كبير إلى ضعف هيكل الحوكمة فيها، وتدخل النخب السياسية، وسوء إدارة شؤونها من قبل هذه النخب، وانتشار الفساد الذي سمح للسياسيين والأفراد المرتبطين بالطبقة السياسية بجني أرباح ضخمة من عقود مربحة، غالبا على حساب الدولة. تساعد المنافع الهائلة التي تجنيها الطبقة السياسية من القطاع على تفسير سبب عدم تنفيذ وعود الإصلاح.
الإطار التنظيمي
تأسست مؤسسة كهرباء لبنان بموجب المرسوم رقم 16878 في 10 يوليو/تموز 1964، كمؤسسة تديرها الدولة لها تفويض حصري لإنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء في جميع أنحاء لبنان.[190]
دمج المرسوم كل مكوّنات قطاع الكهرباء في الدولة تحت إشراف مؤسسة كهرباء لبنان. باستثناء الأفراد الذين يريدون إنتاج الكهرباء على نطاق محدود لتلبية احتياجاتهم الخاصة، تمنع المادة 4 من المرسوم أي جهة أخرى من إنتاج الكهرباء.[191]
وُضِعت اتفاقيات الامتياز الحالية لإنتاج الكهرباء بحيث تُصبح لاغية عند انتهاء أمدها.[192] "شركة كهرباء زحلة" هي إحدى الاستثناءات، التي واصلت العمل بعد انتهاء أمد الامتياز في 2018 وفقا للقانون الخاص رقم 107 في 2018،[193] والذي تم تجديده بموجب القانون رقم 198 في 2020 والذي يسمح لمؤسسة كهرباء لبنان بالتعاقد مع شركة كهرباء زحلة لإنتاج الكهرباء وتزويدها داخل منطقة زحلة الجغرافية حتى نهاية 2022.[194] في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تم تمديد تاريخ انتهاء العقد إلى 8 مارس/آذار 2023 بما يتماشى مع توصية هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل. [195]
في 1974، قدم المرسوم رقم 7580 مجموعة من الإرشادات الفنية وإطار عمل لإدارة البنية التحتية للكهرباء.[196] فرض المرسوم توفير الكهرباء لجميع الأراضي اللبنانية في جميع الأوقات، مما يتطلب من مؤسسة كهرباء لبنان إنتاج الطاقة بنفسها أو شرائها من المرافق المحلية الأخرى أو منح امتيازات لتشغيل محطات الطاقة الحرارية أو المائية. [197]
في 2002، أصدر مجلس النواب القانون رقم 462 بشأن إعادة هيكلة وإصلاح قطاع الكهرباء. [198] كان الهدف الأساسي للقانون هو "تفكيك" عمليات إنتاج الكهرباء ونقلها وتوزيعها، والتي كانت كلها حكرا على مؤسسة كهرباء لبنان، وفتح قطاع الكهرباء أمام مشاركة القطاع الخاص في التوزيع والإنتاج، مع ضمان رقابة مستقلة من قبل هيئة جديدة مستقلة، تسمى "هيئة تنظيم قطاع الكهرباء"، بموجب توجيهات سياسات وزارة الطاقة والمياه (المُشار إليها فيما يلي بوزارة الطاقة).
من المفترض أن تتألف هيئة تنظيم قطاع الكهرباء من خمسة أعضاء وتتولى مسؤولية وضع خطة عامة للقطاع، وتنظيم وتحديد التعرفة، وإصدار التراخيص والتصاريح لمشاركة القطاع الخاص، وضمان الشفافية والمنافسة في القطاع.[199] مع ذلك، لم يتم تعيين أعضاء الهيئة بعد بسبب إحجام السلطة التنفيذية عن التخلي عن هيمنتها على القطاع، وبالتالي لم يُطبَّق القانون.[200]
في غياب هيئة تنظيم قطاع الكهرباء، منح البرلمان مجلس الوزراء في 2006 بشكل استثنائي صلاحية إصدار تصاريح وتراخيص لإنتاج الكهرباء بناء على اقتراح وزير الطاقة لمدة أقصاها سنة واحدة.[201] في 2014، أقر مجلس النواب قانونا آخر ينص على أن لمجلس الوزراء صلاحية إصدار التراخيص والتصاريح لإنتاج الكهرباء لمدة عامين بناء على توصية من وزيري الطاقة والمالية.[202] تم تمديد هذا القانون مرة أخرى في 2015 لمدة عامين إضافيين وفي 2019 لمدة ثلاث سنوات إضافية (والتي انتهت في أبريل/نيسان 2022).[203]
هيكلية مؤسسة كهرباء لبنان
رغم أن المرسوم رقم 16878 ينص على وجوب تمتع مؤسسة كهرباء لبنان بالاستقلال الإداري والمالي، إلا أن العديد من الهيئات الحكومية تشرف عليها. تقع مؤسسة كهرباء لبنان تحت سلطة وزارة الطاقة، المسؤولة عن التخطيط الاستراتيجي الشامل وتطوير السياسات للقطاع. تتولى وزارة المالية الإشراف المالي على مؤسسة كهرباء لبنان.[204]
يدير مؤسسة كهرباء لبنان مجلس إدارة يعينه مجلس الوزراء، بما في ذلك رئيس ومدير عام، يمكن أن يكونا الشخص نفسه. تم تحديد الهيكل التنظيمي للمؤسسة بموجب المرسوم رقم 13537/1998 ويتكون من عشر مديريات رئيسية و36 مصلحة و83 دائرة.[205]
تمارس وزارة الطاقة سلطة الوصاية على مرافق المياه والكهرباء العامة، بما في ذلك مؤسسة كهرباء لبنان، تماشيا مع:[206]
• المرسوم رقم 4517 لسنة 1972 بشأن النظام العام للمؤسسات العامة؛[207]
• القانون رقم 20 لسنة 1966 الذي أنشأ وزارة الموارد المائية والكهربائية، والذي بموجبه تمارس الوزارة سلطة "الوصاية الإدارية" على المؤسسات المستقلة العاملة في مجالات المياه والكهرباء والموانئ بالإضافة إلى "سلطة الرقابة "على الامتيازات.[208]
• القانون رقم 247 لسنة 2000 والذي بموجبه حلت وزارة الطاقة والمياه مكان ما كان يعرف بوزارة الموارد المائية والكهربائية.[209]
تمتلك مؤسسة كهرباء لبنان وتدير سبع محطات لتوليد الوقود الثقيل وزيت الديزل بالإضافة إلى خمس محطات للطاقة الكهرومائية، بطاقة إجمالية تبلغ حوالي ألفي ميغاواط، يتم توليد معظمها من زيت الوقود الثقيل المستورد.[210] بالإضافة إلى ذلك، تعاقدت مؤسسة كهرباء لبنان مع شركة تركية في 2013 لتوفير حوالي 370 ميغاواط من الطاقة في حالات الطوارئ من المحطات العائمة[بواخر الكهرباء]. تم تمديد هذا العقد في 2017 وانتهت صلاحيته في سبتمبر/أيلول 2021.[211]
مؤسسة كهرباء لبنان مسؤولة أيضا عن شبكة النقل في لبنان. رغم إعادة تأهيل الشبكة الوطنية بعد الحرب الأهلية اللبنانية، فقد تم تطويرها بطريقة "غير عملية دون القدرة على التكيف بسرعة مع التغيير، بالإضافة إلى كونها هشة أمام الصدمات ... ومبنية على متطلبات الطاقة القديمة ... وليس لديها عدد كافٍ من محطات النقل الفرعية".[212] أدى ذلك إلى خسائر فنية عالية في النقل والتوزيع، وهو ما ساهم بشكل كبير في أزمة الكهرباء في لبنان.[213] كانت هناك عدة خطط لتحديث شبكة النقل وزيادة الربط مع البلدان المجاورة، لكن بقيت هذه الخطط معلقة بسبب نقص التمويل والنزاعات في المنطقة.[214]
منذ 2012، اعتمدت مؤسسة كهرباء لبنان على ثلاث شركات خاصة للعمل كمزودي خدمات توزيع لتحديث شبكة التوزيع من خلال تركيب عدادات ذكية وتحسين تحصيل الفواتير وخدمة العملاء.[215] رغم أنه كان من المفترض أن تنتهي العقود في أغسطس/آب 2016، فقد تم تمديدها حتى 2018 ومرة أخرى حتى 2021.[216]
تغذية كهربائية غير كافية
بين نهاية الحرب الأهلية وبداية الأزمة الاقتصادية في 2019، عجزت مؤسسة كهرباء لبنان بشكل متزايد عن إنتاج ما يكفي من الكهرباء لتلبية الطلب في لبنان، وبالتالي لجأت إلى تقنين الكهرباء، وتزويد السكان بالكهرباء من 12 إلى 21 ساعة يوميا، بحسب المنطقة، حيث كان التقنين أكثر شدة في المناطق البعيدة عن العاصمة.[217] بين 2008 و2018، انتقلت مؤسسة كهرباء لبنان من توفير حوالي 78% من احتياجات لبنان من الكهرباء إلى حوالي 55-64%.[218] قُدّرت ذروة الطلب في لبنان في 2018 بحوالي 3,500 ميغاواط، لكن مؤسسة كهرباء لبنان كانت قادرة على إنتاج 2,334 ميغاواط فقط.[219] تم تأمين بقية احتياجات البلاد من خلال مولدات الديزل المُكلفة والتي تسبب تلوثا كبيرا. زاد هذا النقص بشكل كبير منذ الأزمة الاقتصادية في 2019، حيث توفر مؤسسة كهرباء لبنان الكهرباء لأقل من ثلاث ساعات يوميا في جميع أنحاء البلاد، وفقا للمسح الذي أجرته هيومن رايتس ووتش.[220]
قدر البنك الدولي أن "النقص في التغذية يرجع في الغالب إلى النقص المزمن في الاستثمار في قدرات الإنتاج الجديدة".[221] اقتصرت مقترحات السياسات لمعالجة فجوة الإنتاج على تدابير مؤقتة ومكلفة مثل استئجار بواخر كهرباء تركية متمركزة في مينائي الجية والذوق.[222] تزود الحكومة اللبنانية البواخر بزيت الوقود الثقيل والديزل ثم تدفع لشركة "كارادينيز" التركية مقابل كل كيلوواط ساعة لتحويلها إلى كهرباء.[223] قبل انتهاء العقد مع كارادينيز في سبتمبر/أيلول 2021، كانت بواخر الكهرباء هذه تشكل ما بين 16 و25% من إجمالي قدرة الإنتاج في لبنان.[224]
علاوة على ذلك، تعمل العديد من محطات إنتاج الكهرباء القديمة في لبنان بكفاءة منخفضة، حيث إن إنتاجها يقل بنسبة تتراوح بين 36 و68% عن طاقتها الإنتاجية المحددة بحسب تصميمها.[225]
يعتمد لبنان بشكل أساسي على واردات زيت الوقود والديزل المكلفة والمسببة لتلوث شديد لإنتاج الكهرباء. أفادت "الوكالة الدولية للطاقة" أن 96% من إمدادات الطاقة الأولية في لبنان تأتي من النفط، ويقدر البنك الدولي أن 60-74%من التكاليف الإجمالية لقطاع الكهرباء بين 2016 و2019 أُنفِقت على واردات الوقود.[226] لا يشكل ذلك خطرا جسيما على صحة السكان والبيئة فحسب، بل يجعل قطاع الكهرباء في لبنان أيضا عرضة بشدة للصدمات المالية وتقلبات أسعار الوقود الدولية.
منذ صيف 2021، في خضم أزمة مالية واقتصادية حادة، لم تعد الدولة اللبنانية قادرة على تأمين العملة الأجنبية اللازمة لشراء الوقود.[227] نتيجة لذلك، انخفض إنتاج المؤسسة للكهرباء من 2,334 ميغاواط في 2018 إلى حوالي 500-600 ميغاواط، وواجهت صعوبات في توفير الكهرباء أكثر من ساعة إلى ثلاث ساعات يوميا.[228]
نقص الجدوى المالية
رغم عدم توفير مؤسسة كهرباء لبنان لتغذية مستمرة بالكهرباء لسكان لبنان، تُظهر أرقام وزارتي المالية والطاقة أن مؤسسة كهرباء لبنان تعاني من عجز يتراوح بين 1.5 و2 مليار دولار سنويا على مدى السنوات العشر الماضية على الأقل.[229]
يقدر البنك الدولي أن التحويلات السنوية من الميزانية إلى مؤسسة كهرباء لبنان بلغت في المتوسط 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي للبنان على مدى العقد الماضي، أي ما يقرب من نصف العجز المالي الكلي.[230] بين 1992 و2018، بلغت قيمة التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان أكثر من 40 مليار دولار من الدين العام للبلاد.[231]
يرجع افتقار مؤسسة كهرباء لبنان إلى الجدوى المالية إلى ارتفاع تكاليف إنتاج الكهرباء وانخفاض استرداد التكاليف. كما نوقش أعلاه، يعتمد لبنان على زيت الوقود الثقيل والديزل باهظي الثمن لتوليد الكهرباء، رغم أن الخبراء يقدرون أن 77% على الأقل من محطات الطاقة تعمل على ثلاثة أنواع من الوقود، ويمكن أن تعمل بالغاز، مما يوفر حوالي 200-300 مليون دولار سنويا من تكاليف الوقود، استنادا إلى أسعار الوقود في 2018.[232] علاوة على ذلك، تنتج محطات الطاقة القديمة وغير الفعالة كهرباء بأقل من طاقتها الفعلية وتكلفة صيانتها وتشغيلها عالية.[233]
الإجراءات المؤقتة والارتجالية التي اتّخذها لبنان للتعامل مع نقص التغذية ساهمت أيضا في استنزاف موازنة الدولة. كلفت بواخر الكهرباء التي استأجرها لبنان من كارادينيز أكثر من 1.5 مليار دولار بين 2013 عندما وقعت الحكومة العقد ويوليو/تموز 2021، دون احتساب تكلفة زيت الوقود الثقيل الذي قدمته الدولة لتشغيل البواخر.[234] يقول الخبراء أنه كان من الممكن استخدام هذا المبلغ من المال لبناء ثلاث محطات طاقة أرضية.[235]
مع ذلك، فإن استرداد التكلفة في لبنان منخفض للغاية. وجد البنك الدولي أن لبنان لديه أكبر فجوة بفارق كبير بين التكلفة وتعرفة الكهرباء للمستخدم النهائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.[236]
هناك ثلاثة عوامل رئيسية تفسر انخفاض استرداد التكلفة. أولا، لم تتغير تعرفة مؤسسة كهرباء لبنان بين 1994، عندما كان سعر برميل النفط الخام حوالي 20 دولارا، والإعلان عن التعرفة الجديدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، رغم أنه لم يكن من الواضح وقت كتابة هذا التقرير ما إذا كان قد تم العمل بالتعرفة الجديدة. بحلول 2023، تضاعف سعر النفط أربع مرات، لكن التعرفة السابقة ظلت ثابتة عند 138 ليرة لبنانية/كيلو واط ساعة،[237] أي ما يعادل حوالي 9.5 سنت/كيلو واط ساعة قبل أن يبدأ هبوط قيمة الليرة اللبنانية في 2019، وكان يبلغ عند وقت نشر هذا التقرير حوالي 0.001 سنت/كيلو واط ساعة بسعر السوق الموازي الحالي البالغ حوالي 87 ألف ليرة لبنانية/ دولار أمريكي.[238]
مع ذلك، بلغ متوسط تكلفة الإنتاج في 2018، وفقا لأرقام وزارة الطاقة، 14.42 سنت/كيلو واط ساعة.[239] يقدر البنك الدولي أنه عند إضافة خسائر الشبكة وتكاليف التشغيل الأخرى، بلغ متوسط تكاليف مؤسسة كهرباء لبنان 27 سنت/كيلو واط ساعة.[240] لذلك، التعرفة المعتمدة كانت تغطي أقل من ثلث التكاليف التشغيلية للمؤسسة.
ثانيا، تم إصدار فواتير تغطي 62.5% فقط من الكهرباء التي تُنتجها أو تشتريها مؤسسة كهرباء لبنان بسبب الخسائر الفنية وغير الفنية العالية. أدى الافتقار إلى الصيانة المناسبة والاستثمار في البنية التحتية للنقل والتوزيع إلى خسائر فنية وصلت إلى 16.5% في 2018.[241] علاوة على ذلك، بلغت نسبة الخسائر غير الفنية من سرقة الكهرباء والتمديدات غير القانونية في 2018 حوالي 21%.[242]
ثالثا، حتى كمية الكهرباء التي تصدر مؤسسة كهرباء لبنان فواتير بها لا يتم تحصيلها بالكامل. يُقدر البنك الدولي أن حوالي 5% من الفواتير لا تُحصَّل، ويشير إلى أن هذا الرقم أعلى على الأرجح لأنه يستثني التحصيل من مؤسسات الدولة ومخيمات اللاجئين التي كانت معدلات التحصيل فيها منخفضة على مدى السنوات.[243] في 2019، قدّر صندوق النقد الدولي إجمالي المستحقات المتراكمة غير المسددة بملياري دولار.[244] في خضم الأزمة الاقتصادية ووباء كورونا، أوقفت مؤسسة كهرباء لبنان تحصيل الفواتير لمدة 18 شهرا تقريبا، مما تسبب في تراكم. وفقا لمارك أيوب، منسق برنامج سياسات الطاقة في "معهد عصام فارس"، كان 2017 آخر عام أرسِلت فيه جميع الفواتير.[245]
ضعف الحوكمة وسوء الإدارة
باعتراف الحكومة نفسها، "تقع حوكمة قطاع [الكهرباء] في صلب التحديات التي يواجهها، يضاف إليها عدم القدرة على التوظيف (مهندسين، فنيين إلخ...) وعلى تحقيق الاستقلالية في الإدارة المستدامة له، فضلا عن التدخلات السياسية التي تعيق اتخاذ القرارات وتطوير القطاع".[246] اعترفت خطة الحكومة للكهرباء لعام 2022 بوجود "تعقيدات بيروقراطية" في عمليات مؤسسة كهرباء لبنان، والتي حسبما ورد في الخطة تفاقمت بسبب "الضعف في نظم المعلوماتية والغياب شبه الكامل للأتمتة التي باتت، منذ عقود، من المسلمات في معظم المرافق عبر العالم". خلصت الخطة إلى أن اجتماع هذه العوامل، بالإضافة إلى "ضعف الإمكانات والتأثير السياسي" [أي الافتقار إلى الخبرة الفنية] قد خلق "نظاما عديم الكفاءة يؤدي إلى اللجوء إلى إدارة بيروقراطية على أعلى مستويات المؤسسة، ويحبط المبادرات ويعرقل المساءلة على مستوى الموظفين".[247]
وجد البنك الدولي أيضا أن "مؤسسة كهرباء لبنان تواجه عقبات كبيرة بسبب التحديات في هيكل حوكمتها (وحوكمة القطاع)".[248] كما نوقش في القسم الخاص بالإطار التنظيمي لمؤسسة كهرباء لبنان، لم يتم حتى الآن تعيين هيئة تنظيم قطاع الكهرباء المستقلة، التي ينبغي أن تنظم وتراقب القطاع. بدلا من ذلك، يمارس وزير الطاقة سلطته فعليا على القطاع، حيث يؤدي دور صانع السياسات والمشرف والمنظم، كما يوفر وزير المالية الإشراف المالي على القطاع. علاوة على ذلك، في ظل غياب الهيئة، فإن مجلس الوزراء لديه سلطة إصدار تراخيص وتصاريح الإنتاج.[249]
سلطات ومسؤوليات إدارة ومجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان محدودة نسبيا، وتركز تقاريرهما بشكل أساسي على العمليات اليومية، دونما مراعاة كافية للأداء العام للقطاع، مما يقلل من المساءلة عن تقاعس مؤسسة كهرباء لبنان عن ضمان تغذية كهربائية مستمرة وميسورة التكلفة في جميع أنحاء البلاد.[250]
قال علي أحمد، خبير الطاقة لدى البنك الدولي، لـ هيومن رايتس ووتش إن عملية صنع القرار الموزعة في القطاع هي "آلية مثالية لتجنب المساءلة".[251]
لا يمكنك إلقاء فشل القطاع على طرف معين. الناس يتهمون "التيار الوطني الحرّ" [حزب سياسي مسيحي أسسه الرئيس السابق ميشال عون عام 2005]، وهذا صحيح لأنهم أداروا وزارة [الطاقة] لفترة طويلة. لكن في الوقت نفسه، هناك أطراف أخرى لها سيطرة على وزارات مهمة، كوزارة المالية، التي تعتبر بالغة الأهمية هنا. لقد أتقنوا أسلوب إلقاء اللوم على الآخرين ... ومع ذلك، عند تقاسم المنافع، يكون الجميع سعداء".
علاوة على ذلك، ووفقا للبنك الدولي، فإن التعيينات في مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان كانت "تُتخذ، ومنذ زمن، من قبل الأحزاب السياسية على أساس نظام الحكم اللبناني القائم على أساس طائفي بدلا من الكفاءة"، مما أدى إلى تضارب المصالح واتخاذ قرارات قد لا تكون في مصلحة مؤسسة كهرباء لبنان.[252]
بالإضافة إلى ذلك، ليس لمؤسسة كهرباء لبنان سيطرة حقيقية على ميزانيتها، حيث تقوم وزارتي الطاقة والمالية بمراجعة ميزانية مؤسسة كهرباء لبنان والموافقة عليها، ودائما ما تتدخل الوزارتان في كيفية إنفاق هذه الميزانية، "مما يخلق تأخيرات كبيرة ومساحة كبيرة للاستغلال، سواء لتحقيق مكاسب سياسية أو شخصية".[253] مثلا، طلبت مؤسسة كهرباء لبنان في الماضي تغيير تعرفة الكهرباء من أجل موازنة ميزانيتها، لكن مجلس الوزراء رفض هذه الطلبات، مما قلل من الحوافز التي تدفع مؤسسة كهرباء لبنان لزيادة إنتاج الكهرباء.[254]
استفادت النخب السياسية في لبنان من ضعف هياكل الحوكمة في مؤسسة كهرباء لبنان، مستخدمة إياها لأغراض سياسية. يتضح هذا بشكل خاص في ممارسات التوظيف في المؤسسة. لاحظ الخبراء أن معظم العاملين في مؤسسة كهرباء لبنان يتم تعيينهم بعقود قصيرة الأجل ويتم توزيعهم من قبل القادة السياسيين كشكل من أشكال المحسوبية، وليس على أساس الجدارة والخبرة.[255] قال ممثل رفيع المستوى عن مؤسسة كهرباء لبنان لـ هيومن رايتس ووتش إن وزراء الطاقة كثيرا ما يرسلون إلى المؤسسة قوائم بأسماء أفراد مطلوب توظيفهم، وعلى مؤسسة كهرباء لبنان الامتثال.[256]
نتيجة لذلك، فإن موظفي مؤسسة كهرباء لبنان مدينون لقادتهم السياسيين بالأمن الوظيفي ويفتقرون غالبا إلى المهارات والخبرة المطلوبة لأداء وظائفهم بإتقان.[257]
رغم توزيع السياسيين للعقود قصيرة الأجل لمؤسسة كهرباء لبنان كخدمات سياسية، لا تزال مؤسسة كهرباء لبنان تعاني من نقص كبير في الموظفين، حيث يُقدر الخبراء أن المؤسسة تحتاج خمسة آلاف عامل لتعمل بكامل طاقتها.[258] لكن في 2021، كانت مؤسسة كهرباء لبنان توظف 1,690 عاملا فقط.[259]
مزاعم الفساد وسوء الإدارة
يتفشى الفساد وسوء الإدارة المزعومان في المؤسسات العامة اللبنانية ولذلك آثار مدمرة على القطاعات الرئيسية الحيوية للحقوق.[260] في 2022، وجد البنك الدولي في مراجعة 2022 للمالية العامة للدولة، أن "تقديم الخدمات العامة المتداعية هو مظهر رئيسي لتفريغ الدولة، وهو ما نجادل بأنه نتيجة مرغوبة/مقصودة تهدف إلى ترسيخ الامتيازات العامة والخاصة للمستفيدين الرئيسيين من اقتصاد لبنان بعد الحرب الأهلية".[261] أفاد البنك الدولي أن "استحواذ النخبة على موارد الدولة لتحقيق مكاسب خاصة تطلَّب إضعاف الخدمات العامة لكي (1) تحل محلها عقود القطاع الخاص المربحة والمتضخمة بالدولار الأميركي... و(2) تحكم الجماعات الطائفية قبضتها على المواطنين بأن تحل محل الدولة في تقديم هذه الخدمات".[262]
يؤثر الفساد على تقديم الخدمات ويزيد من عدم المساواة. على المستوى الأساسي، يسمح الفساد للنخب بالحصول على الموارد العامة التي كان ينبغي استخدامها لإفادة عامة الناس. أكّدت هيومن رايتس ووتش مرارا في التحقيقات المتعلقة بالفساد المالي وسوء الإدارة أنه بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، تعتبر الحكومات ملزمة بالاستثمار في الخدمات الاجتماعية الأساسية بما يتناسب مع مواردها المتاحة. عندما تُفقد مبالغ كبيرة تهدف إلى توفير الخدمات الأساسية ببساطة من خلال سوء الإدارة أو الفساد، بدلا من تخصيصها لبعض الأغراض الحكومية المشروعة الأخرى، يعني ذلك أن الحكومات تنتهك التزاماتها في مجال حقوق الإنسان.
أثبتت الدراسات التي أجراها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن الفساد يُفاقم عدم المساواة من خلال انخفاض النمو الاقتصادي، والأنظمة الضريبية المتحيزة لصالح الأثرياء وذوي العلاقات الجيدة، وانخفاض مستويات وفعالية الإنفاق الاجتماعي، وعدم المساواة في الحصول على التعليم والخدمات العامة.[263] في حالة لبنان، يبدو أن الفساد وسوء الإدارة المزعومان يتمثلان باستثمارات في قطاع الكهرباء، الأمر الذي يؤثر في المقام الأول على الأشخاص ذوي الدخل المنخفض الذين لا يستطيعون اللجوء بسهولة إلى مزودين بديلين للكهرباء.
أحد القطاعات الرئيسية المعرضة لخطر سوء الإدارة والفساد هي مشاريع البنية التحتية الضخمة التي تمولها الحكومة، وفقا لتقرير عام 2021 الصادر عن المركز اللبناني لدراسات السياسات وبرعاية "كلية لندن للاقتصاد" و"جامعة أكسفورد".[264] وثق الدكتور رينود ليندرز، الباحث الذي كتب كتابا عن الفساد وبناء الدولة في لبنان ما بعد الحرب، السهولة التي تحايلت بها النخب السياسية اللبنانية على آليات المساءلة العامة في عمليات الشراء، بغضّ النظر عن مواقفها السياسية الرسمية.[265] نتيجة لذلك، تمكنت تلك النخب من تخصيص موارد الدولة لأعوانها والشركات ذات الارتباطات السياسية مقابل الدعم السياسي والمالي (انظر قسم ما بعد الحرب الأهلية).[266]
قال مارك أيوب، منسق برنامج سياسات وأمن الطاقة في معهد عصام فارس، لـ هيومن رايتس ووتش إن العجز المالي الحاد لمؤسسة كهرباء لبنان سمح لوزارة الطاقة بممارسة هيمنة كاملة على الاستقلال القانوني والمالي لمؤسسة كهرباء لبنان. الحاجة إلى الحفاظ على قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على الوفاء بالتزاماتها نتج عنها تجاوز ممارسات الشراء المعتادة والسماح بدلا من ذلك لوزارة الطاقة بإجراء هذه المشتريات نيابة عن مؤسسة كهرباء لبنان وتمويلها من الخزانة العامة بعد الحصول على موافقات من مجلس الوزراء. أثار أيوب وخبراء قانونيون آخرون مخاوف بشأن الجوانب القانونية ومخاطر عمليات الشراء هذه.[267]
في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات "ماغنيتسكي العالمية" على جبران باسيل، الذي شغل منصب وزير الطاقة من 2011 إلى 2014. أشار وزير الخزانة الأمريكي آنذاك، ستيفن ت. منوشين، إلى أن "الفساد المنهجي في النظام السياسي اللبناني الذي مثله باسيل ساهم في تآكل أسس حكومة فعالة من شأنها أن تخدم الشعب اللبناني ... وهذا التصنيف يوضح أيضا أن الولايات المتحدة تدعم الشعب اللبناني في مطالبه المستمرة بالإصلاح والمساءلة".[268]
ذكرت وزارة الخزانة الأمريكية أيضا ما يلي:
شغل باسيل عدة مناصب رفيعة المستوى في الحكومة اللبنانية، بما في ذلك منصب وزير الاتصالات، ووزير الطاقة والمياه، ووزير الخارجية والمغتربين، وارتبط اسم باسيل بمزاعم كبيرة بالفساد. في 2017، عزز باسيل قاعدته السياسية من خلال تعيين أصدقاء في مناصب وشراء أشكال أخرى من النفوذ داخل الأوساط السياسية اللبنانية. في 2014، عندما كان وزيرا للطاقة، شارك باسيل في الموافقة على العديد من المشاريع التي وجّهت أموال الحكومة اللبنانية إلى أفراد مقرّبين منه من خلال مجموعة من الشركات الوهمية.
تم تصنيف باسيل لكونه مسؤولا حكوميا حاليا أو سابقا، أو شخصا يعمل لصالح أو نيابة عن هذا المسؤول، وهو إما مسؤول أو متواطئ، أو متورط بشكل مباشر أو غير مباشر في الفساد، بما في ذلك اختلاس أصول الدولة، ومصادرة الأصول الخاصة لتحقيق مكاسب شخصية، أو الفساد المتعلق بالعقود الحكومية أو استخراج الموارد الطبيعية، أو الرشوة.[269]
لم تُفصح الولايات المتحدة عن الأدلة الأساسية المتعلقة بفرض عقوبات على باسيل ولم تذكر ما عليه فعله لرفع العقوبات.
بالإضافة إلى عقوبات ماغنيتسكي الأمريكية، كان هناك تطوران محليان رئيسيان مؤخرا يتعلقان بعقود طاقة كبيرة ومربحة مُنِحت لشركات ذات ارتباطات سياسية، مما يسلط الضوء على الفساد وسوء الإدارة المزعومين في القطاع.
في يوليو/تموز 2020، أشار تحقيق قضائي لبناني إلى أنه منذ 2005، اشترت الحكومة ما قيمته مليارات الدولارات من الوقود الملوث والمغشوش بسبب مخطط تزييف مزعوم وفحوصات مخبرية للجودة يزعم أنها مزوّرة.[270] بحسب لائحة الاتهام الصادرة عن السلطات اللبنانية، يُزعم أن مسؤولي وزارة الطاقة وأفراد في المختبرات تلقوا رشاوي لإصدار تقارير مزورة تشير إلى أن الوقود الذي تم تسليمه يطابق المواصفات الدولية. [271] احتوى هذا الوقود الملوث على مواد كيميائية محظورة كانت تُضِرّ بمحطات توليد الكهرباء في لبنان وتشكل مخاطر صحية وبيئية جسيمة.[272]
أسفر التحقيق عن 17 مذكرة توقيف وتهم ضد أكثر من 20 فردا، بما في ذلك موظفين رفيعي المستوى في وزارة الطاقة، ومجموعة من الادعاءات بأنهم ارتكبوا جرائم خطيرة، بما في ذلك التزوير والاحتيال والرشوة وسوء السلوك المهني.[273] في سبتمبر/أيلول 2020، اُفرِج عن الأفراد المحتجزين في إطار التحقيق بكفالة تتراوح بين 5 إلى 20 مليون ليرة لبنانية [694 دولار إلى 2,777 دولار بحسب سعر الصرف الرسمي السابق والذي كان 1,500 ليرة لبنانية للدولار الأمريكي].[274] لغاية فبراير/شباط 2023، كانت لا تزال قضاياهم الجنائية قيد النظر أمام القضاء.
زعمت عريضة الاتهام أن لبنان دخل على ما يبدو في علاقة تعاقدية مع شركة النفط الحكومية الجزائرية، "سوناطراك"، لكن العقد تم توقيعه بالفعل مع شركة فرعية تحمل نفس الاسم ومقرها لندن ومسجلة في جزر فيرجن البريطانية، والتي تعاقدت بعد ذلك بدورها على تزويد الوقود مع شركتين لبنانيتين يُزعم أنهما مرتبطتان بنخب سياسية.[275] توفر سوناطراك 70% من زيت الوقود المستخدم في محطات توليد الكهرباء في لبنان.[276]
بحسب عريضة الاتهام، أدى هذا الترتيب إلى شحن وقود لا يطابق المواصفات ومغشوش إلى لبنان، مما ألحق أضرارا بمحطات توليد الكهرباء في لبنان بالإضافة إلى أضرار جسيمة بالبيئة والصحة العامة.[277]
رغم ما حدث، لم تُعلق الحكومة اللبنانية على الفور العقد مع سوناطراك، إلا أن سوناطراك أعلنت أنها قررت عدم طلب التجديد بعد انتهاء عقدها في 2020.[278]
في مايو/أيار 2020، نفى متحدث باسم الرئاسة الجزائرية أي تورط من جانب الدولة الجزائرية في الأمر، مضيفا أن التحقيق جار في القضية.[279]
القضية الثانية البارزة التي أدت إلى تحقيق قضائي وتدقيق حكومي آخر بسبب سوء الإدارة المزعومة تضمنت عقدا أبرمه لبنان مع شركة تركية في 2013. تم التعاقد مع "كارباورشيب"، وهي شركة تابعة لـ كارادينيز، لتوفير حوالي 370 ميغاواط من الكهرباء من محطتين عائمتين [بواخر الكهرباء] راسيتين في مرفأي الجية والذوق – أو ما بين 20 إلى 25% من الطاقة في لبنان.[280]
وجدت "هيئة التفتيش المركزي" في لبنان، الجهة الحكومية المسؤولة عن الإشراف على الإدارات العامة، أن بعض جوانب العقد قد خُرِقت، وأن بعض البنود يبدو أنها جاءت لصالح كارباورشيب على حساب مؤسسة كهرباء لبنان والدولة اللبنانية.[281]
وصف جبران باسيل، وزير الطاقة آنذاك، بواخر الكهرباء بأنها خيار "مناسب وسريع وموفّر" لزيادة توليد الكهرباء في لبنان مؤقتا، ريثما يتم إنشاء محطات طاقة ثابتة وإعادة تأهيل المحطات القديمة، وفقا لخطة الكهرباء التي وضعها لعام 2010.[282] مع ذلك، مُدِّد العقد حتى سبتمبر/أيلول 2021، ولم تُنفَّذ أي خطط أخرى لزيادة إنتاج الكهرباء في لبنان بشكل دائم خلال تلك الفترة.[283]
ووفقا للتفتيش المركزي، تضمن العقد بندا متعلقا بالمكافأة ينص على دفع مبلغ لـ كارباورشيب إذا استهلكت الباخرتان وقودا أقل مما التزمت الدولة اللبنانية بتزويده.[284] نصحت هيئة التفتيش المركزي بعدم إدراج هذا البند، حيث وجدت أن "تقليل استهلاك زيت الوقود الثقيل مفيد جدا للمقاول، في حين أن الفوائد التي تعود على المؤسسة [مؤسسة كهرباء لبنان] لا تكاد تذكر بالمقارنة".[285]
في مايو/أيار 2021، حجز المدعي العام المالي، القاضي علي إبراهيم، على باخرتي الكهرباء بعد تحقيق أولي في مزاعم فساد.[286] وأصدر مذكرة توقيف بحق ثلاثة متورطين تم اعتقالهم ثم أطلِق سراحهم بكفالة. [287]
رُفِع قرار الحجز عن الباخرتين وغادرتا المياه الإقليمية في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2021 عندما انتهى العقد.[288] لم تُوجَّه أي اتهامات أو تُتَّخَذ أي إجراءات أخرى ضد أي من الأطراف المعنية.
المولدات الخاصة
بسبب عدم قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على تلبية الطلب على الكهرباء في لبنان، ازدهر قطاع غير رسمي وغير منظم إلى حد كبير لمولدات الديزل الخاصة، والذي تقدر قيمته بنحو ثلاثة مليارات دولار، في جميع أنحاء البلاد. تساعد المبالغ المالية الكبيرة في سوق المولدات، فضلا عن المصالح المكتسبة لمستوردي الديزل، في تفسير سبب مقاومة قطاع الكهرباء للإصلاح وسبب استمرار الحكومة بتبني سياسات ترسخ اعتماد لبنان على النفط. يمارس مستوردو الديزل تأثيرا كبيرا على المستوى الوطني، ويرجع ذلك أساسا إلى التداخل بين المساهمين في هذه الشركات والمنظومة السياسية.
قطاع بقيمة ثلاثة مليارات دولار
نتيجة لعجز مؤسسة كهرباء لبنان على تلبية الطلب على الكهرباء في لبنان، انتشرت مولدات الديزل المُكلِفة والمسببة للتلوث الشديد في جميع أنحاء البلاد. رغم غياب أرقام رسمية حول حجم وعمليات قطاع مولدات الديزل، يقدر الخبراء حجم السوق بحوالي ثلاثة مليارات دولار.[289]
قدّر علي أحمد، خبير الطاقة بالبنك الدولي، قيمة سوق المولدات التجارية بحوالي 1.1 مليار دولار.[290] علاوة على ذلك، يُقدر أحمد أن القطاعات الداعمة، بما في ذلك استيراد وتوزيع الوقود، وبيع المولدات وقطع الغيار، وصيانة المولدات تُقدر قيمتها بنحو ملياري دولار.[291]
يضم القطاع أيضا قوة عاملة كبيرة. يُقدّر الحجم الإجمالي للقوى العاملة المرتبطة بعمليات مولدات الديزل بحوالي 13,200 شخص. من بين هذه الوظائف، هناك 4,200 وظيفة مرتبطة باستيراد وتوزيع وقود الديزل، وألفي وظيفة ببيع المولدات وخدمات الصيانة، وسبعة آلاف وظيفة مرتبطة بعمليات البيع بالتجزئة لشبكات المولدات الخاصة.[292]
يتوقع الخبراء أن هناك ما بين 33 ألف و37 ألف مولد كهربائي في لبنان، غالبا ما توجد في مناطق حضرية مكتظة بالسكان.[293]
تمنح القوانين اللبنانية (المرسوم 16878/1964 والقانون 462/2002) الحق في إنتاج الكهرباء وبيعها حصرا لمؤسسة كهرباء لبنان ومنتجي الطاقة المستقلين المرخص لهم. لذلك، فإن قطاع المولدات التجارية يعمل إلى حد كبير خارج الاقتصاد الرسمي ويقاوم التنظيم (انظر قسم مصالح راسخة تعيق الإصلاح). في حين أن الوقود المستورد لاستخدام المولدات أصبح مصدر دخل للحكومة من خلال الرسوم الجمركية والضرائب، لا يُعلن مشغلو المولدات عن عائداتهم ولا يدفعون الضرائب، مما أدى إلى خسائر كبيرة للدولة.[294] لكن الدولة اللبنانية غضّت الطرف عن القطاع بسبب عدم قدرة الحكومات المتعاقبة على معالجة النقص لدى مؤسسة كهرباء لبنان.
قبل الأزمة الاقتصادية في لبنان في 2019، كانت المولدات الخاصة توفر حوالي 40% من احتياجات لبنان من الكهرباء، بما في ذلك إمداد مؤسسات الدولة بالكهرباء. علاوة على ذلك، غالبا ما تمتلك السلطات المحلية، مثل البلديات، المولدات الكهربائية وتُشغّلها.[295]
منذ الأزمة الاقتصادية ونقص الوقود الذي نجم عنه توفير مؤسسة كهرباء لبنان أقل من ساعة إلى ثلاث ساعات من الكهرباء يوميا، ازدادت حصة الكهرباء التي توفرها المولدات الخاصة بشكل كبير، رغم عدم وجود أرقام حتى الآن حول حصتها من إجمالي إنتاج الكهرباء.
هناك ثلاثة نماذج لملكية مولدات الديزل في لبنان: مولدات الأحياء المملوكة لجهات تجارية والتي تقدم خدمات الاشتراك بالكهرباء للعملاء، والمولدات الخاصة ومولدات المباني التي يملكها السكان لتلبية احتياجاتهم الخاصة، والمولدات البلدية، حيث تشتري السلطات المحلية مولدا أو شبكة المولدات من مالك خاص، وتبدأ بتوفير الكهرباء كخدمة بلدية.[296] يُشير بحثنا إلى أن مولدات الأحياء هي أكثر أنواع المولدات استعمالا، حيث يحصل حوالي 83% من الأسر على الكهرباء من أحد هذه المولدات.[297]
محاولات فاشلة لتنظيم قطاع الكهرباء
فشلت المحاولات المتتالية لتنظيم قطاع الكهرباء. حاولت الحكومة لأول مرة تنظيم السوق والسيطرة عليه في 2011. أصدر مجلس الوزراء مرسوما في ديسمبر/كانون الأول 2011 كلّف فيه وزارة الطاقة، ووزارة الاقتصاد والتجارة، ووزارة الداخلية باتخاذ الخطوات اللازمة لتطبيق تعرفة مولدات الديزل التي تحددها وزارة الطاقة شهريا، لحماية المستهلكين من الفواتير المُبالَغ في قيمتها، ومحاسبة المخالفين.[298] مع ذلك، لم تتخذ الوزارات المعنية أي خطوات لتنفيذ القرار، وبقي المستهلكون يدفعون رسوما شهرية ثابتة وغير منظمة ومبالغ فيها في كثير من الأحيان يحددها أصحاب المولدات.[299]
لم تُنفَّذ أيضا القرارات المتتالية، بما في ذلك تعميم وزارة الاقتصاد الذي يحدد نسبة الانبعاثات المقبولة للمولدات، وقرار وزارة المالية بفرض ضريبة دخل بنسبة 30% على مالكي مولدات الديزل التجارية.[300]
في يوليو/تموز 2018، أصدر وزير الاقتصاد آنذاك رائد خوري تعميما يفرض على مالكي المولدات تركيب أنظمة عدادات لجميع مشتركيهم بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2018 والالتزام بالتعرفة التي حددتها وزارة الطاقة.[301] لأول مرة اتخذت الوزارات المعنية إجراءات لتنفيذ القرار، وفرضت غرامات على أصحاب المولدات غير الملتزمين، وصادرت عدة مولدات، بل وطالبت باستجواب بعض أصحاب المولدات.[302]
مع ذلك، رفض العديد من أصحاب المولدات هيكل التسعير الجديد، زاعمين أنه سينتقص من أرباحهم بشكل غير عادل، واتخذوا سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى الضغط على الحكومة للتراجع، بما في ذلك تعليق خدماتهم عن المستهلكين وقطع التيار الكهربائي الذي يقدمونه على نطاق واسع.[303] قال أحد أصحاب المولدات، الذي استُدعى للاستجواب واحتُجز لمدة 24 ساعة من قبل "أمن الدولة"، أحد أجهزة المخابرات اللبنانية، لوسائل الإعلام: "طُلب مني التوقيع على تعهّد بتركيب عداد والالتزام بالتعرفة خلال فترة ثلاثة أسابيع، لكنني رفضت".[304] علاوة على ذلك، أفادت وسائل الإعلام أن بعض أصحاب المولدات تلاعبوا بالعدادات أو أجبروا المشتركين على التوقيع على تنازل ودفع الرسوم الثابتة السابقة.[305]
وفقا لتقرير البنك الدولي صدر عام 2020، زعمت وزارة الاقتصاد في مارس/آذار 2019 أن 60% من جميع المشتركين ركّبوا عدادات وأن الفواتير انخفضت إلى النصف تقريبا.[306] مع ذلك، ظلت قضايا العدادات والتسعير مهمة بالنسبة للمستهلكين، واستمر العديد من أصحاب المولدات بفرض رسوم ثابتة مضخمة على عملائهم. وجد بحثنا أن ما يقرب من 70% من الأسر المشتركة لدى أحد مولّدات الأحياء تتلقى حاليا فاتورة بحسب قراءة العداد.[307] في سبتمبر/أيلول 202، وسط انقطاع حاد في التيار الكهربائي الذي توفره مؤسسة كهرباء لبنان والارتفاع الشديد في أسعار الديزل، حاولت الدولة مرة أخرى أن تفرض على أصحاب المولدات تركيب عدادات وإصدار فواتير بناء على الأسعار التي حددتها وزارة الطاقة، دون نجاح يذكر.[308]
حاول مجلس النواب فرض ضرائب على القطاع في 2019، حيث أقر ميزانية تُلزم أصحاب المولدات بدفع 50 ألف ليرة لبنانية (33 دولارا في حينها) سنويا على كل كيلوفولط أمبير من قدرة توليد الكهرباء لديهم.[309] قدّر أحد النواب أن هذه الضريبة يمكن أن تجلب للخزينة حوالي 66 مليون دولار سنويا. مع ذلك، رفض أصحاب المولدات الضريبة الجديدة، زاعمين أنها ستقتطع من أرباحهم بشكل كبير، وحذّروا من أن أصحاب المولدات "سيُضطرون" إلى عدم الامتثال.[310] لم تُطبّق الحكومة هذه الضريبة.
مصالح راسخة تعيق الإصلاح
تساعد المبالغ المالية الكبيرة التي ينطوي عليها قطاع المولدات وتأثيرها على الحكومة في تفسير سبب مقاومة القطاع للإصلاح واستمرار الحكومة بتبني سياسات تُرسخ اعتماد لبنان على النفط. أقرّ الدكتور خالد نخلة، مستشار وزير الطاقة، في بث تلفزيوني مباشر بأن "خراب قطاع الكهرباء له علاقة بالنفوذ الكبير الموجود في قطاع المولدات، وحجم الأعمال الهائل الذي يتعدى ملياري دولار ... لا أعتقد أن كل هذه الأعمال، هذه الأعمال الضخمة، ستُسهّل وصول كهرباء [الدولة] وأن يتوقف كل هذا العمل".[311]
قال علي أحمد لـ هيومن رايتس ووتش إنه مع أن أصحاب مولدات الديزل يتلقون أكبر قدر من الاهتمام الإعلامي السلبي، فإنهم يمثلون جزءا صغيرا نسبيا من السوق.[312] قال إن أكبر الرابحين من هذا القطاع هم مستوردو الديزل الذين يُمثلون حوالي 1.784 مليار دولار من حصة القطاع من السوق البالغة ثلاثة مليارات دولار.[313]
يصل الديزل إلى لبنان إما عن طريق الواردات بموجب مناقصات تطرحها منشآت النفط الخاضعة لإشراف الدولة في طرابلس والزهراني، أو عبر احتكار قلة يضم 13 مستوردا للفيول من القطاع الخاص المرخص لهم، والذين يملكون مرافق تخزين وشبكات توزيع خاصة بهم.[314]
حسبت إحدى وسائل الإعلام اللبنانية، "لوريان توداي"، أنه بين عامي 2010 و2021، أنفقت الدولة اللبنانية عشرة مليارات دولار على واردات الديزل للمولدات. خلال الفترة نفسها، أنفق لبنان 16.8 مليار دولار على مشتريات مؤسسة كهرباء لبنان من الوقود. هذا يعني أن الديزل للمولدات شكَّل 40% من إجمالي فاتورة الوقود للكهرباء في لبنان، وأنتج حوالي 33% من كهرباء البلاد.[315]
أوضح أحمد أن مستوردي الديزل هؤلاء، الذين شكّلوا "تجمع الشركات المستوردة للنفط" للضغط من أجل مصالحهم، يمارسون نفوذا كبيرا على المستوى الوطني، خصوصا بسبب التداخل بين المساهمين في هذه الشركات والمنظومة السياسية.[316]
أضاف أحمد أن هذه الشركات لها تأثير أيضا من خلال التبرعات للمؤسسات السياسية والدينية والعمل الخيري والمحسوبية.[317]
على مدى سنوات، استفادت هذه الشركات من سياسات الدولة التي رسّخت اعتماد لبنان على واردات الوقود، بما في ذلك الديزل. منذ 2010، عندما أعلن وزير الطاقة آنذاك جبران باسيل عن خطته لتوفير الكهرباء على مدار 24 ساعة، حتى اندلاع الأزمة الاقتصادية في 2019، تضاعف عجز الكهرباء في مؤسسة كهرباء لبنان، وفقا لأرقام الإنتاج وتقديرات الطلب التي أصدرتها المؤسسة.[318] عوّضت المولدات التي تعمل بالديزل عن العجز المتزايد. زادت واردات الديزل من 1.18 مليون طن في 2010 إلى 2.35 مليون طن في 2019، وفقا لبيانات "المديرية العامة للنفط" بوزارة الطاقة.[319] يُعزى الكثير من هذه الزيادة إلى الشركات الـ13 من مستوردي الوقود من القطاع الخاص. في 2010، استوردت الشركات 27% من الديزل الذي يدخل لبنان، وبحلول 2019، كانت تستورد ما نسبته 75%.[320]
لم يقتصر الأمر على استفادة هذه الشركات من قطاع الكهرباء المتداعي في البلاد لزيادة حصتها في السوق، ولكنها استفادت أيضا من الدعم الحكومي. منذ تسعينيات القرن الماضي، دعمت الدولة استيراد الوقود إما بشكل مباشر بتحويلات نقدية إلى مؤسسة كهرباء لبنان وإعفاء من ضريبة القيمة المضافة على الديزل منذ 2012، أو بشكل غير مباشر من خلال سياسات حافظت بشكل مصطنع على ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأمريكي.[321] كان نظام دعم الوقود يعني أن الشركات تبيع الوقود لمؤسسة كهرباء لبنان وللمستهلكين بالسعر الذي تفرضه الدولة، والذي كان أقل بكثير من السعر العالمي، وكانت الحكومة تُغطي الفرق، ما سمح في الوقت نفسه للشركات بتغطية المصروفات العامة وتحقيق هوامش ربح.[322]
منذ بداية الأزمة الاقتصادية في أكتوبر/تشرين الأول 2019 وما نتج عنها من انخفاض في قيمة الليرة اللبنانية، قدمت الدولة دعما جديدا لواردات الوقود، حيث استخدم المصرف المركزي احتياطاته من الدولار لتزويد المستوردين بالدولار بأسعار صرف أقل بكثير من السعر الحقيقي لليرة اللبنانية.[323] قدرت "رويترز" أن هذه السياسة تكلف الدولة حوالي ثلاثة مليارات دولار سنويا وانتهت في أغسطس/آب 2021 عندما قال المصرف المركزي إنه ليس لديه أموال لمواصلة هذا الدعم.[324]
مع أن هذه السياسة تهدف إلى ضمان استمرار الإمداد بالوقود بأسعار معقولة في لبنان، إلا أن البلاد شهدت نقصا حادا في الديزل أدى إلى قيام أصحاب المولدات بتقنين تغذية الكهرباء.[325] ألقى وزير الطاقة اللبناني آنذاك، ريمون غجر، اللوم في هذا النقص على التهريب إلى سوريا، حيث كان الوقود المدعوم يباع بأسعار أعلى بكثير.[326] في النهاية، وفقا لتحليل أجرته لوريان توداي اللبنانية، أنفقت الدولة في 2021 أموالا على واردات الديزل للمولدات أكثر مما أنفقته على وقود مؤسسة كهرباء لبنان.[327]
في حين أن مستوردي الفيول يحصلون على حصة الأسد من أرباح هذا القطاع، يستفيد أصحاب المولدات أيضا بشكل كبير من النظام الحالي ولديهم مصلحة في الحفاظ على الوضع الراهن. قبل الأزمة الاقتصادية، قدّر علي أحمد أن الإيرادات التي يدرها مولد واحد ينتج 500 كيلوفولت أمبير، وهو مولد متوسط الحجم ويمثل أكثر من 70% من المولدات في لبنان، تتراوح بين 17 ألف دولار إلى 22 ألف دولار شهريا، أو 240 ألف دولار سنويا، حوالي 164 ضعف ما كان عليه متوسط الدخل السنوي للأسرة في أوائل 2022.[328] في الوقت نفسه، قدر أحمد أن المالكين "الكبار"، الذين يملكون مولدات كبيرة توفر الكهرباء لآلاف العملاء، يدرون إيرادات تتراوح بين 160 ألف دولار و211 ألف دولار شهريا، أو أكثر من 2.2 مليون دولار كل سنة.[329]
في أغسطس/آب 2017، اجتمع أصحاب المولدات معا لتشكيل "نقابة أصحاب المولدات" من أجل التنسيق بشكل أفضل فيما بينهم والضغط من أجل تحقيق مصالحهم. رغم أن الهيئة تشير إلى نفسها على أنها نقابة، إلا أنها لا تتمتع بأي صفة قانونية، حيث إن القطاع غير قانوني.[330] حوالي 50% من أصحاب المولدات – ومعظمهم من صغار الملاك – هم أعضاء فيها. أما المالكين "الكبار"، فلهم قنواتهم الخاصة في التأثير.[331]
لعبت نقابة أصحاب المولدات دورا رئيسيا في حشد الاستجابة لمحاولات الحكومة إجبارهم على تركيب العدادات والالتزام بتعرفة وزارة الطاقة في 2018 (انظر قسم المحاولات الفاشلة لتنظيم القطاع)، واتخذوا سلسلة من الإجراءات المنسقة هدفت إلى الضغط على الحكومة للتراجع، بما في ذلك تعليق خدماتهم عن المستهلكين وفرض قطع للكهرباء واسع النطاق.[332]
يمارس أصحاب المولدات أيضا تأثيرا كبيرا على المستوى المحلي، مما يسمح لهم بالحفاظ على عملياتهم التجارية وتوسيعها، وفي بعض الحالات، الالتفاف على التعليمات الحكومية. قال اثنان من خبراء الطاقة لـ هيومن رايتس ووتش إن أصحاب المولدات يتبرعون بالكهرباء مجانا للبلديات والمؤسسات الدينية والجيش والشرطة.[333] في بعض الحالات، يمتلك المسؤولون المحليون شبكة المولدات ويقومون بتشغيلها. قال موظفون في وزارة الاقتصاد لعلي أحمد إن البلديات التي لم تتعاون مع مطلب الوزارة بتركيب عدادات غالبا ما يكون رؤساء بلدياتها يمتلكون شبكة المولدات أو مقربون من أصحابها.[334]
قال أحد الخبراء لـ هيومن رايتس ووتش إن بعض أصحاب المولدات يتبرعون بالمال مباشرة للأحزاب السياسية.[335] قال أيضا إن الأحزاب السياسية نفسها تدير شبكات المولدات في مناطق نفوذها، مما يمنحها أيضا مصلحة راسخة في الحفاظ على الوضع الراهن.[336]
الطاقة المتجددة
يتمتع لبنان بإمكانيات غير محدودة تقريبا من الطاقة المتجددة، لا سيما من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. قال الدكتور سفين تيسكي، المهندس ومدير الأبحاث في "معهد المستقبل المستدام"، لـ هيومن رايتس ووتش إن "لبنان لديه موارد طاقة شمسية رائعة وموارد رياح متوسطة إلى جيدة".[337] وافق الأستاذ في "جامعة ستانفورد" مارك ز. جاكوبسون على أن لبنان يمكن أن ينتقل إلى طاقة متجددة بنسبة 100% باستخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية بحلول 2035 باستخدام التقنيات الحالية.[338]
مع ذلك، فإن 7.83% فقط من مزيج الطاقة في لبنان يُنتج من مصادر متجددة. رغم الالتزامات الحكومية العديدة بزيادة حصة الطاقة المولدة من مصادر الطاقة المتجددة، فإن لبنان لا يقترب من تحقيق هذه الأهداف. من شأن زيادة حصة الطاقة المولدة من المصادر المتجددة أن تقلل من الآثار الصحية وآثار تغير المناخ التي يتسبب بها حرق الوقود الأحفوري، وتساعد على موازنة العجز المالي في لبنان من خلال خفض كمية الوقود الأحفوري التي يجب شراؤها باحتياطيات ثمينة من العملات الأجنبية، وحماية المستهلكين من تقلب الأسعار المتأصل في الوقود الأحفوري.
مَوْرِد غير مستغل
في السبعينيات، شكلت الطاقة الكهرومائية ما بين 70 إلى 75% من إنتاج الكهرباء في لبنان.[339] لكن بحلول 2019، قدّر "المركز اللبناني لحفظ الطاقة"، وهو هيئة داخل وزارة الطاقة تعمل كذراع فني للحكومة اللبنانية في جميع القضايا المتعلقة بكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، أن حصة مصادر الطاقة المتجددة من إجمالي توليد الكهرباء في لبنان هي 7.83% فقط، منها 0.73% فقط من الطاقة الشمسية و1.82% فقط من الطاقة الكهرومائية.[340]
يوجد في لبنان العديد من محطات الطاقة الكهرومائية القديمة والمتهالكة والتي تبلغ طاقتها الإجمالية 286 ميغاواط.[341] مع ذلك، فإن العديد من هذه المحطات تعمل بخسارة نظرا للتعرفة المنخفضة المحددة البالغة 0.1 دولار لكل كيلوواط ساعة، وبالتالي لم تتم صيانتها كما يلزم منذ سنوات، مما أدى إلى خسائر في الإنتاج تبلغ حوالي 30-40%.[342] لذلك، يقدر المركز اللبناني لحفظ الطاقة أن قدرة التوليد الفعلية لهذه المحطات أقرب إلى 190 ميغاواط.[343] يتوقع المركز أن إعادة تأهيل محطات الطاقة الكهرومائية الحالية سيؤدي إلى زيادة بنسبة 25% في قدراتها الإنتاجية.[344]
مع ذلك، في حين أن العديد من الحكومات تروّج لمشاريع الطاقة الكهرومائية كاستجابة لتغير المناخ وتم توفير التمويل لمشاريع الطاقة الكهرومائية بموجب أدوات مالية دولية مختلفة، فإن بعض هذه المشاريع – لكن ليس في لبنان – ارتبطت بمخاوف خطيرة تتعلق بحقوق الإنسان. تشمل هذه المخاوف تهجير السكان المحليين، والتأثيرات على نوعية المياه وكميتها، وانخفاض تدفق الأنهار، وفقدان سبل العيش.[345]
علاوة على ذلك، فإن تأثيرات تغير المناخ، التي أدت في السنوات الأخيرة إلى الجفاف وجفاف الأنهار، تضيف مزيدا من عدم اليقين بشأن جدوى محطات الطاقة الكهرومائية.[346]
حاليا، لا يتم توليد كهرباء في لبنان من خلال الرياح رغم وجود إمكانات كبيرة لطاقة الرياح. في 2018، وقعت وزارة الطاقة أول اتفاقية لشراء الطاقة لثلاثة مشاريع طاقة رياح مخطط لها على مستوى المرافق في محافظة عكار الشمالية بقدرة إجمالية قدرها 226 ميغاواط، لكن تم تعليق هذه المشاريع وسط الأزمة الاقتصادية.[347]
يقدر المركز اللبناني لحفظ الطاقة و"المؤسسة اللبنانية للطاقة المتجددة" أنه يمكن توليد حوالي خمسة آلاف ميغاواط من الكهرباء سنويا من خلال طاقة الرياح بناء على سرعة الرياح في لبنان وتوافر الأراضي العامة – وهو ما يكفي لتزويد البلاد بأكملها بالطاقة.[348]
جاءت معظم الزيادة الأخيرة في الطاقة المتجددة في لبنان في السنوات الأخيرة من نشر أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية.[349] بين 2010 و2020، نمت القدرة التراكمية للطاقة الشمسية الكهروضوئية المركبة بنسبة 27,200% في عشر سنوات من 330 كيلوواط في 2010 إلى 89.84 ميغاواط في 2020.[350] طاقة الرياح لها تكاليف أولية مرتفعة، لكن تكاليف التشغيل منخفضة للغاية ويمكن التنبؤ بها بشكل عام. لا توجد انبعاثات مباشرة ولا يوجد أي تلوّث ناتج عن حرق الوقود الأحفوري، لكنه مصدر طاقة متقطع ولا ينتج الطاقة إلا عندما تهب الرياح. في حين أن هناك تحديات في تحديد موقع طاقة الرياح بشكل مناسب، إلا أنها تنطوي على القليل من المخاطر على حقوق الإنسان. يمكن أن تكون طاقة الرياح مساهمة مهمة في مزيج الطاقة في لبنان.
رغم الزيادة الكبيرة في النسبة المئوية، لا تزال الطاقة الشمسية تشكل أقل من 1% من مزيج الطاقة في لبنان. أطلقت الحكومة مشروعين للطاقة الشمسية مرتبطين بشبكة الكهرباء الوطنية: "مشروع نهر بيروت للطاقة الشمسية"، الذي تم ربطه منذ سبتمبر/أيلول 2015، و"مشروع منشآت النفط في الزهراني لتوليد الطاقة الشمسية"، والذي تم ربطه منذ 2016.[351] مع ذلك، فإن كلا المشروعين ينتجان فقط 1.08 ميغاواط و1.09 ميغاواط على التوالي.[352] تتألف بقية القدرة على توليد الطاقة الشمسية الموجودة من أنظمة لامركزية صغيرة الحجم للاستهلاك الشخصي أو التجاري.[353] الطاقة الشمسية لها تكاليف أولية عالية، لكن تكاليف تشغيلها وصيانتها منخفضة للغاية ويمكن التنبؤ بها بشكل عام. مثل الرياح، لديها انبعاثات معدومة تقريبا ولا تسبب التلوث. قد يكون للطاقة الشمسية على مستوى المرافق مساهمة مهمة في مزيج الطاقة في لبنان، بينما يمكن أن تساهم الطاقة الشمسية المنزلية في أمن الطاقة للأسر. تمتلك الصين قدرا كبيرا من الطاقة الإنتاجية العالمية للمواد اللازمة للانتقال العالمي إلى الطاقة المتجددة بما في ذلك الألواح الشمسية. وبحسب تقارير تتم معالجة بعض هذه المواد في شينجيانغ، مما يثير مخاوف بشأن استخدام العمالة بالسخرة.
في خضم الأزمة الاقتصادية، وإلغاء الدعم عن الديزل، والانهيار شبه الكامل لقدرات التوليد لمؤسسة كهرباء لبنان، كان هناك طفرة في أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية. قال المركز اللبناني لحفظ الطاقة إن المكالمات التي تلقوها بشأن تركيب أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية زادت من حوالي مكالمة هاتفية واحدة في الأسبوع في 2018 إلى متوسط خمس مكالمات في اليوم في 2021.[354] علاوة على ذلك، فإن "الجمعية اللبنانية للطاقة الشمسية"، وهي منظمة غير حكومية تُحصي عدد الشركات التي تستورد تقنيات الطاقة الشمسية وتقدم خدمات الصيانة، قالت إنه منذ بداية الأزمة في 2019، دخل ما يقرب من 100 شركة جديدة إلى السوق – أي ما يساوي تقريبا عدد الشركات التي دخلت السوق في السنوات العشر السابقة.[355]
كما لاحظت الشركات التي تقوم بتركيب أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية زيادة هائلة في المبيعات السكنية. قالت "شركة إيكو سيس"، وهي شركة توفر أنظمة الطاقة المتجددة، إنها وقعت بمفردها عقودا لنحو مئة نظام شمسي سكني على مدار شهرين تقريبا في الرُبع الثالث من 2021. بالمقارنة، بين 2008 ونهاية عام 2020، وقعت الشركة فقط ما بين خمسة إلى عشرة عقود سكنية.[356]
مع ذلك، أثار الخبراء مخاوف من أن الازدهار في سوق الطاقة الشمسية الكهروضوئية لم يخضع لأي لوائح أو مراقبة. أشارت خبيرة الطاقة جيسيكا عبيد:
يعمل العشرات الآن في مجال [الطاقة الشمسية]، والعديد منهم لديهم سجل سيء أو ليس لديهم خبرة أصلا... والنتيجة هي سوق فوضوي مليء بمجموعة واسعة من أنواع التكنولوجيا والآثار المترتبة على الشبكة، وجودة المنتجات التي تتراوح من المستوى المتوسط إلى المستوى العالي، بالإضافة إلى نشر الأنظمة ذات الحجم الصغير والتي لا توّلد الكهرباء بالقدر المزعوم. كل هذا يخلق خطرا على الشبكة وأداء الأنظمة وخطرا على سلامة المستهلكين، خاصة عند التعامل مع المواد الكهروكيميائية كالبطاريات.[357]
وفقا لرئيس المركز اللبناني لحفظ الطاقة، تم بدء محادثات حول وضع المعايير والإشراف الفني لأنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية مع نقابة المهندسين، لكن حتى الآن، لم يتم إصدار أي لوائح.[358]
في 2022، وافق مجلس الوزراء اللبناني على مشروع قانون إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة، والذي سيقدم شكلا جديدا من نظام العداد الصافي على أساس عقود الطاقة المتجددة (الموزعة) من فرد إلى آخر، مما يسمح لمالكي أنظمة الطاقة الشمسية بالحصول على رصيد من الكهرباء مقابل الكهرباء الفائضة التي يوفرونها للمستخدمين الآخرين المتصلين بالشبكة.[359] مثلا، إذا كان للمالك السكني نظام شمسي على سطح منزله ويولد كهرباء أكثر من استهلاك المنزل خلال ساعات النهار، فيمكن "شراء" الطاقة الزائدة من قبل مستخدمين آخرين متصلين بشبكة الكهرباء، ويمكن لهذا العميل الحصول على رصيد من الكهرباء، مع تحصيل رسوم نقل من قبل مشغل المرفق. في النهاية، تتم محاسبة العملاء فقط على استخدامهم "الصافي" للطاقة. لم يُعتمد القانون في مجلس النواب حتى الآن.
العامل الوحيد الذي يحول دون بناء نظام يعمل بالكامل على مصادر الطاقة المتجددة هو التكلفة. مع ذلك، على المدى الطويل، يجب أن يوفر الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة المال لأن الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح أرخص بكثير من اعتماد لبنان الحالي على الديزل والغاز المكلفين. قال خبير الطاقة الدكتور تيسك لـ هيومن رايتس ووتش: "الطاقة الشمسية الكهروضوئية أرخص بكثير من حيث تكلفة التوليد لكل كيلوواط ساعة من الديزل. في الواقع الديزل، مع الطاقة النووية، هو إلى حد بعيد أغلى طريقة لتوليد الكهرباء. استخدام الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح (لتوليد الكهرباء) أرخص أيضا من محطات الطاقة التي تعمل بالغاز في جميع الحالات تقريبا. الغاز بالتأكيد ليس جسرا إلى مصادر الطاقة المتجددة لأنه يحتاج إلى بنية تحتية جديدة – ولا يمكن استخدام البنية التحتية النفطية الحالية".[360]
الخطط الحكومية للطاقة المتجددة
منذ 2010، تبنت الحكومة اللبنانية عدة خطط عمل وسياسات تهدف إلى زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة في لبنان. مع ذلك، لم تتحقّق معظم هذه الخطط، ولا يزال يُنظر إلى الطاقة المتجددة على أنها الملاذ الأخير وليس جزءا لا يتجزأ من قطاع الكهرباء في لبنان.
التزم لبنان أول مرة بزيادة إنتاجه من الطاقة المتجددة خلال "مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي لعام 2009" ("مؤتمر المناخ في كوبنهاغن") عندما حدد هدفا بأن تشكل الطاقة المتجددة 12% من مزيج الطاقة بحلول 2020.[361] مع ذلك، كما قالت وزارة الطاقة في 2016، "لم تكن الحكومة واضحة في تحديد هدف الـ 12%" وكان التزام الحكومة "أشبه برؤية سياسية لتعزيز الطاقة المتجددة في لبنان".[362]
في 2010، أدرجت وزارة الطاقة هذا الالتزام في ورقة سياسة الكهرباء، وأوضحت التزام لبنان بـ "إطلاق ودعم وتعزيز جميع المبادرات العامة والخاصة والفردية لاعتماد استخدام الطاقة المتجددة للوصول إلى 12% من إمداد الكهرباء والحرارة" وإنشاء آلية تمويل وطنية لتشجيع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.[363] في العام نفسه، أطلقت الوزارة، بالتعاون مع المصرف المركزي، "الآلية الوطنية لكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة". أتاحت الآلية الوصول إلى القروض المدعومة (بمعدل فائدة 2.5%) لجميع مشاريع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، مع سقف قرض قدره عشرة ملايين دولار لكل مشروع ومدة أقصاها 14 عاما.[364] بحلول يونيو/حزيران 2020، أفاد المركز اللبناني لحفظ الطاقة أن الآلية مولت أكثر من ألف مشروع بقيمة استثمار إجمالية تزيد عن 600 مليون دولار.[365]
في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، اعتمد مجلس الوزراء أول خطة عمل وطنية لكفاءة الطاقة للفترة 2011-2015، والتي حددت استراتيجية لتحقيق هدف الـ12% من الطاقة المتجددة بحلول 2020.[366] مع ذلك، وباعتراف وزارة الطاقة، فإن العديد من المبادرات الواردة في خطة العمل الوطنية 2011-2015 "شهدت بعض التأخيرات أو العقبات"، ونقص البيانات الأساسية الواضحة جعل تقييمها صعبا.[367]
في 2016، وضعت وزارة الطاقة خطة العمل الوطنية الثانية لكفاءة الطاقة (2016-2020) لمعالجة القضايا المتعلقة بكفاءة الطاقة وكذلك خطة العمل الأولى للطاقة المتجددة في لبنان، والتي كررت الهدف المعلن للحكومة بشأن أن تشكل الطاقة المتجددة 12% من "إجمالي كمية الطاقة اللازمة لتلبية الطلب على الكهرباء والتدفئة في البلاد" بحلول 2020 وتوفر بعض المسارات الملموسة لتحقيق هذا الهدف.[368] بناء على تقييم للأراضي المتاحة والمناسبة لبناء مزارع الطاقة الشمسية، وجدت خطة عمل الطاقة المتجددة أن هناك "إمكانات غير محدودة" تقريبا لمزارع الطاقة الشمسية التي يمكن أن تنتج أكثر من 87.6 غيغاواط من الطاقة – أي أكثر من تسعة أضعاف الطلب على الطاقة في لبنان في 2010.[369] مع ذلك، فإن الخطة تحدد هدف إنتاج 150 ميغاواط فقط من الطاقة من الطاقة الشمسية بحلول 2020، بالإضافة إلى 100 ميغاواط أخرى من الطاقة الشمسية من خلال الإنتاج الموزّع (أي يتم تركيبها من قبل جهات خاصة لاستهلاكهم الشخصي).[370] وضعت خطة عمل الطاقة المتجددة أيضا أهدافا لطاقة الرياح والطاقة المائية والطاقة الحرارية الأرضية. فيما يلي مزيج الطاقة المتجددة للبنان الذي حددته الخطة لعام 2020.
مع ذلك، لم تتحقق الأهداف التي حددتها خطة عمل الطاقة المتجددة، وبحلول 2019، كانت حصة مصادر الطاقة المتجددة من إجمالي إنتاج الكهرباء في لبنان 7.8% فقط، بزيادة قدرها 2.4% عما كانت عليه في 2010 (5.2%).[371]
رغم التقدم الضئيل في تحقيق التزام لبنان المتواضع بالوصول إلى توليد 12% من الكهرباء من مصادر متجددة، أعلن رئيس الوزراء في 2018 عن هدف أكثر تفاؤلا، لكنه غير كافٍ، للطاقة المتجددة يتمثل في توليد 30% من الكهرباء المستهلكة من الطاقة المتجددة بحلول 2030، وقد انعكس ذلك في ورقة إصلاح الكهرباء لعام 2019 الصادرة عن وزارة الطاقة.[372] صادق لبنان أيضا على "اتفاقية باريس" في مارس/آذار 2019، وهي اتفاقية عالمية لمكافحة تغير المناخ من خلال السعي إلى إبقاء الاحتباس الحراري العالمي أقل بدرجتين مئويتين، مع تعهد الدول بالحد التدريجي لانبعاثات غازات الدفيئة، من بين أهداف أخرى.[373] في المساهمات المحددة وطنيا المحدثة لعام 2020، وهي خطة عمل مناخية ملزمة منبثقة عن اتفاقية باريس يتم تحديثها كل خمس سنوات، كرّر لبنان التزامه بالوصول غير المشروط إلى 18% والوصول المشروط إلى 30% من الطلب على الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة في 2030.[374]
في مارس/آذار 2022، وافقت الحكومة اللبنانية على ورقة سياسة أخرى لوزارة الطاقة لقطاع الكهرباء، تهدف إلى توفير ثماني إلى عشر ساعات من التغذية الكهربائية يوميا في النصف الأول من 2022، وما بين 16 إلى 18 ساعة يوميا بحلول 2023 – أعلى بكثير من مستوى التغذية الحالي البالغ حوالي ساعتين.[375] تلتزم الخطة أيضا بـ "بناء مشاريع الإنتاج من الطاقة المتجددة عن طريق مشاركة القطاع الخاص بما يؤمن إدخال حوالي 15% من الطاقة المتجددة على مزيج الانتاج بنهاية العام 2026، بهدف الوصول إلى 30% بحلول العام 2030".[376]
مع ذلك، فإن الإجراءين الرئيسيين اللذين توردهما الخطة لزيادة إنتاج الكهرباء في لبنان على المدى القصير هما استجرار الكهرباء التي تعمل بالوقود الأحفوري من الأردن واستيراد غاز الميثان من مصر. حتى على المدى المتوسط والطويل، يبدو أن الخطة تعتمد بشكل أساسي على الوقود الأحفوري كمصدر أساسي للكهرباء، مع بقاء المصادر المتجددة محدودة نسبيا في مزيج الطاقة في لبنان، حيث يُنظر إليها إلى حد كبير على أنها الملاذ الأخير.[377] سيؤدي تنفيذ الخطة بشكلها الحالي إلى تأمين قدرة إنتاج لمحطات تعمل بالوقود الأحفوري وتقليل الحوافز لإدخال مصادر الطاقة المتجددة في وقت لاحق بمجرد تلبية احتياجات لبنان من الطاقة.
حتى يناير/كانون الثاني 2023، لم تحرز الحكومة تقدما كبيرا في زيادة توليد الكهرباء وتحقيق أهدافها، ولا يزال السكان يحصلون على أقل من ثلاث ساعات يوميا من كهرباء الدولة.
يتعين على لبنان الاستفادة من الأزمة المالية وأزمة الكهرباء الحالية لتكثيف مشاريع إنتاج الطاقة المتجددة المحلية وعلى مستوى المرافق على الفور لتقليل اعتماده على الوقود الأحفوري المستورد والمكلف والمسبب للتلوث بشدة. وفقا لـ"الوكالة الدولية للطاقة المتجددة"، إذا حقق لبنان 30% من الاستهلاك من الطاقة المتجددة بحلول 2030، فيمكنه توفير 250 مليون دولار سنويا في قطاع الطاقة، وذلك بشكل أساسي من خلال تجنب واردات الوقود الأحفوري.[378]
علاوة على ذلك، أظهر تحليل غرينبيس للشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن وصول نسبة الطاقة المتجددة من استهلاك الكهرباء إلى 31.2% بحلول العام 2026 ... سيرفع من الربح الذي تحققه مؤسسة كهرباء لبنان بنسبة 14% بالمقارنة مع الربح الذي ستحققه من خلال خطة الوزارة. لا يشمل هذا التحليل الفوائد البيئية والصحية العامة للانتقال إلى الطاقة المتجددة، والتي ستحقق أيضا وفورات كبيرة للدولة اللبنانية.[379]
خطة قطاع الكهرباء في لبنان - 2022
منذ 2010، وافقت الحكومة على ثلاث أوراق سياسات متتالية لإصلاح قطاع الكهرباء قدمتها وزارة الطاقة.[380] مع ذلك، لم تًنفَّذ هذه الخطط. كما أشرنا سابقا، تهدف الخطة الأخيرة [الخطة الوطنية للنهوض المستدام بقطاع الكهرباء]، التي وافقت عليها الحكومة في 16 مارس/آذار 2022، إلى توفير ثماني إلى عشر ساعات من التغذية الكهربائية يوميا في النصف الأول من 2022، وما بين 16 إلى 18 ساعة يوميا بحلول 2023، وكهرباء دون انقطاع في غضون أربع سنوات.[381] يتوقع بيان السياسة أن كل تأخير في الموافقة على البنود يكلف الحكومة 70 مليون دولار شهريا، أو أكثر من 800 مليون دولار سنويا.[382]
تستند الخطة إلى خمس ركائز أساسية:[383]
1- زيادة ساعات التغذية الكهربائية خلال النصف الأول من 2022 عن طريق استجرار الكهرباء من الأردن واستيراد غاز الميثان من مصر. في 2023، تأمين قدرة إنتاج إضافية من خلال إمداد محطة الزهراني بالغاز من خلال وحدة تخزين وتغويز عائمة، وإضافة قدرة إنتاج مؤقتة في موقع محطة كهرباء دير عمار مما يؤمن ما بين 16 إلى 18 ساعة من التغذية بالكهرباء يوميا.
2- زيادة الإنتاج في لبنان من خلال تشغيل ثلاث محطات جديدة لتوليد الطاقة بمشاركة القطاع الخاص، وتفكيك معملي الذوق والجية القديمين وغير الفعالين، وبناء مشاريع إنتاج من الطاقة متجددة – ضمان إدخال حوالي 15% من الطاقة المتجددة على مزيج الانتاج بنهاية 2026.
3- تحسين أداء شبكة الكهرباء وتخفيض الهدر غير التقني وتفعيل الجباية [تحصيل الفواتير] لتحسين استرداد التكلفة.
4- تحقيق الاستدامة المالية للقطاع من خلال زيادة تعرفة الكهرباء. وسيتم ربط التعرفة الجديدة بسعر النفط العالمي وفقا لسعر صرف الدولار الأمريكي المحدد على منصة صيرفة التابعة للمصرف المركزي.[384] سيتم العمل بالتعرفة الجديدة بشكل تدريجي بمجرد تحسين التغذية إلى ما بين ثماني إلى عشر ساعات في اليوم. أصدر مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان بتاريخ 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 القرار رقم 420-26/2022 الذي حدد فيه أن الاستهلاك لكل كيلوواط ساعة سيُحتسب بـ 0.10 دولار لأول 100 كيلوواط و0.27 دولار لكل كيلوواط ساعة إضافي مستهلك فوق هذا الحد، بالإضافة إلى 0.21 دولار لكل واحد أمبير قدرة اشتراك، ورسوم الصيانة [بدل تأهيل للاشتراكات] التي تتراوح بين 4.3 دولار و8.6 دولار. ألغى القرار أيضا جميع فئات التعرفة الاستثنائية للقطاعات الصناعية والزراعية والسياحية، محددا أنه سيتم احتساب 0.27 دولار لكل كيلوواط ساعة يُستهلَك بغض النظر عن نطاق الاستهلاك.[385]
5- إصلاح الأطر التنظيمية والتشريعية للقطاع، بما في ذلك عن طريق تعيين أعضاء هيئة تنظيم قطاع الكهرباء، وهي هيئة رقابية مستقلة لها سلطة تنظيم وتحديد التعرفة وإصدار التراخيص وضمان الشفافية والمنافسة في القطاع، وكذلك فتح مؤسسة كهرباء لبنان لاستثمارات القطاع الخاص. تدعو الخطة أيضا إلى إجراء تعديلات على القانون 462 لجعله يتماشى مع المعايير الدولية وأفضل الممارسات، دون تحديد شكل تلك التعديلات.
مع ذلك، انتقد خبراء حقوقيون وخبراء في الطاقة خطة الحكومة للكهرباء لعام 2022. أشار المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، أوليفييه دي شوتر، بعد زيارته للبنان في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إلى أنه مع أن مشاركة القطاع الخاص قد تُحسِّن الشفافية، فإن هدف الشركات الخاصة هو زيادة الأرباح إلى أقصى حد بدلا من تقديم الخدمات الأساسية. أشار أيضا إلى أنه بينما تفترض خطة الحكومة أن القطاع الخاص سيموّل البنية التحتية الأساسية الجديدة، فإن هذا الافتراض "غير واقعي"، حيث إن 80% من إجمالي الاستثمارات في البنية التحتية للطاقة في جميع أنحاء العالم تأتي من مصادر عامة. دعا إلى "خطة أكثر واقعية".[386]
أعرب دي شوتر أيضا عن قلقه بشأن تأثير زيادة تعرفة الكهرباء على المجتمعات ذات الدخل المنخفض. بينما تفترض خطة الحكومة أن التعرفة الجديدة ستوفر 70% على الأسر ذات الاستهلاك المعتدل مقارنة بتكلفة المولدات الخاصة، يشير دي شوتر إلى أن الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع لا يستطيعون الاشتراك في المولدات، "مما يجعل المقارنة أمرا لا معنى له".[387] طالب الحكومة بتبني استراتيجية واضحة لحماية ذوي الدخل المنخفض من الزيادات في التكاليف.[388]
علاوة على ذلك، فإن غاز الميثان غير ضروري في نهاية المطاف إذا تم دعم لبنان في انتقال كامل وسريع إلى الطاقة المتجددة بنسبة 100%، وهو هدف تدعمه مؤسسات الإقراض الدولية، بما في ذلك البنك الدولي.[389] خلال هذا الانتقال، يجب النظر في التكاليف الكاملة للغاز، بما في ذلك الخسائر التي تلحق بحقوق الإنسان.[390] في حين أن الغاز أقل تلويثا عند حرقه من النفط، إلا أنهما يُنتَجان بنفس الطريقة، حيث يتقاسمان العديد من الأضرار التي تلحق بحقوق الإنسان للمجتمعات المحلية في مراحل الاستكشاف والإنتاج والنقل، بما في ذلك الحقوق المتعلقة بالصحة والحياة والأرض والمياه والحق في بيئة مستدامة.[391] يتسبب الغاز الطبيعي المسال أيضا بأضرار صحية للمجتمعات المحلية في نقاط التصدير والاستيراد، وكما هو الوضع بالنسبة لقطاع الوقود الأحفوري، غالبا ما يكون موجودا في المجتمعات المهمشة أصلا.[392] يتكوّن الغاز الطبيعي بالكامل تقريبا من الميثان (وبالتالي غالبا ما يشار إليه باسم "غاز الميثان")، وهو أحد غازات الدفيئة القوية والذي قد يزيد الاحترار العالمي على مدى 20 عاما 85 ضعف ما يفعله غاز ثاني أكسيد الكربون.[393] ينبعث الميثان في جميع مراحل إنتاج الغاز واستخدامه، ويتسرب من الأنابيب وحاويات التخزين، ويتم حرقه أو تنفيسه بشكل روتيني أثناء العمليات بكميات هائلة، مما يلغي أي مزايا مناخية مزعومة للغاز على النفط.[394] بدلا من أن يكون بمثابة "جسر" إلى الطاقة المتجددة، يميل الغاز إلى أن يكون بمثابة "حاجز" يقيّد الدول في ظل استثمارات أوّلي عالية ودعم وتكاليف انتقالية تؤدي إلى عرقلة الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة.[395] غالبا ما يُعتبر الغاز شرطا لتنظيم الحمل الأساسي للشبكة عندما لا تتوفر طاقة كافية من مصادر الطاقة المتجددة. لكن تخزين الطاقة المتجددة عبر البطاريات والأجهزة الأخرى قد تقدم بسرعة كبيرة على صعيد السعة وتوفير التكاليف (رغم أن التكلفة تظل أكبر عقبة)، فإن هذه الحجة لصالح الغاز تفقد أفضليتها بشكل متزايد، خاصة عندما تقترن بتدابير كفاءة الطاقة.[396] تتطلب مصادر الطاقة المتجددة في نهاية المطاف إنتاجا أقل للطاقة الإجمالية، وتوظف عددا أكبر من الأشخاص مقارنة بالوقود الأحفوري، وتوفر المال في تكاليف الصحة والمناخ، وتقدم قدرا أكبر من أمن الطاقة – حيث يمكن أن تعمل حتى في المنازل.[397] إذا اختار لبنان استخدام الغاز في تحول الطاقة، فعلى الحكومة أن تضع قيودا على الاستخدام والحماية لضمان أن يكون الانتقال السريع ممكنا وملحوظا للداعمين المحتملين للطاقة المتجددة والمستثمرين وضمان حماية حقوق الإنسان من الأذى. قال الدكتور مارك جاكوبسون لـ هيومن رايتس ووتش: "استخدام الغاز كوسيط يؤدي إلى حبس الغاز في البلاد لعقود قادمة. يجب تجنبه بأي ثمن. يجب إنفاق الأموال على مصادر الطاقة المتجددة".[398]
مارك أيوب، منسق برنامج سياسة وأمن الطاقة في معهد عصام فارس، أثار أيضا مخاوف بشأن خطة الحكومة لقطاع الكهرباء لعام 2022. بينما أقرّ أيوب بأن الخطة تقدم بعض الاعترافات غير المسبوقة، بما في ذلك ضرورة تعيين أعضاء هيئة تنظيم القطاع وتنفيذ القانون 462، إلا أنه قال إن القراءة الشاملة للخطة تكشف عن "غموض" و"ودهاء" مقصودين.[399] على وجه الخصوص، قال أيوب إن الخطة تبدو وكأنها "شكلية" أمام البنك الدولي أكثر من كونها خطة واقعية يمكن تنفيذها في السياق الحالي للبنان. أشار إلى أن الخطة تنص على مراجعة القانون 462، الذي دعا إلى إنشاء الهيئة الناظمة، دون تحديد ماهية تلك التعديلات. كان قلقه من أن التغييرات المحتملة في القانون من شأنها أن تستهدف الهيئة وتقلل من سلطاتها، مما يجعلها هيئة استشارية أكثر من كونها كيانا مستقلا.[400]
بشكل عام، أثار أيوب مخاوف بشأن احتمالات تنفيذ الخطة، بالنظر إلى أنها تتطلب استثمارات كبيرة من القطاع الخاص سيكون من الصعب تحقيقها في ضوء الأزمة الاقتصادية الحالية في لبنان.[401] قال لـ هيومن رايتس ووتش: "من سيموّل محطات الطاقة أو [مشاريع] الطاقة الشمسية على مستوى المرافق إذا لم يعرفوا سعر الصرف الذي سيدفعونه؟ هذه مشاريع مدتها 25 عاما، وسيتم بيعها بسعر محدد لسنوات قادمة. البيئة ليست مواتية للاستثمارات".[402]
سبل المضي قدما
لدى لبنان فرصة نادرة لتحويل قطاع الكهرباء المتداعي جذريا إلى قطاع أكثر عدلا واحتراما للبيئة وحقوق الجميع. في الماضي، اعتمد لبنان على إجراءات مؤقتة ومكلفة لسد الثغرات من أجل معالجة المشاكل داخل القطاع، لكن الأزمة الاقتصادية الحالية كشفت عن عدم استدامة القيام بذلك والتكاليف اللازمة له. بالتالي، ينبغي للبنان أن ينتهز هذه الفرصة لمعالجة القضايا الهيكلية وقضايا الحوكمة في قطاع الكهرباء، مع زيادة قدرة الإنتاج بشكل عاجل وضمان حصول الجميع على الكهرباء ميسورة التكلفة بشكل مستمر.
كخطوة أولى، على لبنان زيادة الشفافية والمساءلة داخل قطاع الكهرباء من خلال تنفيذ القانون 462 العالق منذ فترة طويلة والذي ينشئ هيئة مستقلة، وهي هيئة تنظيم قطاع الكهرباء، لتوفير الإشراف الفني على القطاع وتقليل الهيمنة الحالية للسلطة التنفيذية عليه. تقاعس مجلس الوزراء حتى الآن عن تنفيذ القانون برفضه تعيين أعضاء الهيئة.
في موازاة ذلك، يتعيّن على لبنان زيادة قدرته في الإنتاج على الفور بغية زيادة ساعات التغذية بالكهرباء التي توفرها الدولة للسكان. بما أن أكثر من 60% من محطات الطاقة الحالية في لبنان يمكن أن تعمل بغاز الميثان، قالت الحكومة إنها ستسعى لاستيراد الغاز وتركيب وحدات تخزين وتغويز عائمة لتزويد محطات الطاقة الحالية بالغاز. ينبغي للبنان أيضا إيقاف تشغيل محطات الطاقة القديمة غير الفعالة والمسببة للتلوث الشديد والتي لا يمكن تحويلها إلى غاز الميثان وعليه أن يُطلق مباشرة عملية شراء شفافة وتنافسية لمحطات الطاقة الدائمة الجديدة.
ينبغي أن تلعب الكهرباء المنتجة من مصادر متجددة، لا سيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، دورا رئيسيا في مزيج الطاقة في لبنان من خلال شراء وتركيب محطات طاقة شمسية ومزارع طاقة شمسية محلية على مستوى المرافق. لهذه الغاية، ينبغي أن يُطوّر نظم الضوابط اللازمة لضمان تحديد المواقع والسلامة بشكل مناسب، وإدارة المسائل المتصلة باستقرار الشبكة، وضمان الجودة والكفاءة التي تمتثل لأحدث المعايير التقنية. على مجلس النواب اللبناني أن يتبنى بسرعة مشروع قانون توليد الطاقة المتجددة الموزعة، والذي حظي بالفعل بموافقة مجلس الوزراء، والذي من شأنه زيادة الجاذبية المالية لمشاريع الطاقة الشمسية صغيرة الحجم، مما يساهم بشكل أكبر في تطوير بيئة مواتية لاعتماد واسع النطاق للطاقة الشمسية. وفقا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، إذا حقق لبنان نسبة متواضعة من استهلاك الطاقة المتجددة تصل إلى 30% بحلول 2030، فيمكنه توفير 250 مليون دولار سنويا في قطاع الطاقة، وذلك بشكل رئيسي من خلال تجنب واردات الوقود الأحفوري. على لبنان والمؤسسات المالية الدولية العاملة معه ضمان تركيز أي تمويل طويل الأجل لقطاع الكهرباء على الانتقال الكامل إلى المصادر المتجددة.
على المدى المتوسط، يتعين على لبنان تحسين الحوكمة والشفافية والمساءلة داخل قطاع الكهرباء من خلال إنشاء إدارة تخطيط للبنية التحتية داخل وزارة الطاقة ووضع إطار تخطيطي يشمل ويعيد تحديد أدوار جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين في مختلف مراحل عملية التخطيط. يتعين على لبنان أيضا أن يجعل عمليات مؤسسة كهرباء لبنان أكثر حداثة وكفاءة من خلال تحسين ترتيبات الحوكمة الخارجية والداخلية، وتعزيز العمليات التجارية الأساسية، وتحسين الأداء الإداري لمؤسسة كهرباء لبنان. يجب أن يسعى لبنان أيضا إلى خفض الخسائر الفنية وغير الفنية في الشبكة من خلال تحديث شبكة النقل وتحسين تحصيل الفواتير.
في حين أنه لا مفر من أن يضطر لبنان إلى زيادة تعرفة الكهرباء المنخفضة ظاهريا، يجب أن تكون التعرفة تصاعدية وتتماشى مع التحسن في التغذية. من الضروري ألا يزيد لبنان التعرفة قبل تعزيز نظام الحماية الاجتماعية فيه حتى تتمكن الأسر ذات الدخل المنخفض من دفع فواتير الكهرباء دون أن تؤثر هذه النفقات على قدرتها على تحمل تكلفة الاحتياجات الأساسية الأخرى، مثل الطعام والرعاية الطبية والمياه. يجب أن يضمن لبنان أيضا عدم قطع التيار الكهربائي عن أي شخص بسبب عدم القدرة على الدفع.
على المدى القريب، يتعيّن على لبنان تنظيم وتنفيذ الأنظمة الخاصة بقطاع المولدات الخاصة لحماية المستهلكين من دفع التعرفة المتضخمة التي تمنع الكثير من الناس، وخاصة ذوي الدخل المنخفض، من التمتع بالكهرباء بشكل مستمر. ينبغي أن يشمل ذلك تحديد تعرفة لمولدات الديزل لجميع أنواع المولدات، وتقديم التراخيص والتصاريح فقط لأصحاب المولدات الذين يستوفون شروطا أساسية معينة، مثل تركيب العدادات والفلاتر لخفض الانبعاثات.
خلال عملية إصلاح وإعادة هيكلة قطاع الكهرباء، يتعين على السلطات اللبنانية ضمان استشارة المنظمات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني بشكل هادف، وإعلان القرارات التي تؤثر على السكان بشكل واضح. هذه الإجراءات ضرورية لتقليل فجوة الثقة بين السلطات والسكان.
جعلت المؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، إصلاح قطاع الكهرباء ركيزة أساسية لأي مساعدة واسعة النطاق للبنان. ينبغي لهذه المؤسسات أن تحث الحكومة اللبنانية على إصلاح قطاع الكهرباء مع ضمان ألا تؤدي هذه الإجراءات إلى تفاقم عدم المساواة في البلاد وضمان احترام حقوق السكان في الكهرباء والبيئة الصحية ومستوى معيشي لائق والاعتراف صراحة بها، بما في ذلك منح الجميع وسائل انتصاف فعالة عند انتهاك هذه الحقوق.
ينبغي أن تعترف التشريعات الدولية والمعايير الوطنية بأن الحصول على كهرباء آمنة ونظيفة ومتاحة وميسورة التكلفة هو حق أساسي من حقوق الإنسان. على لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الاعتراف بأن الحصول على كهرباء نظيفة وميسورة التكلفة هو حق مستقل من حقوق الإنسان وصياغة تعليق عام حول الحق في الكهرباء، مع التشديد على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والجندرية المرتبطة بالحصول على الكهرباء. ينبغي أن يُكرس لبنان الحق في الكهرباء في الدستور.
دفاعا عن الحقّ في الكهرباء
المعايير الدوليّة
الحق في الكهرباء
تعترف المادة 11 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة" بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية". رغم أنّ هذه المادة لا تعترف صراحة بالحق في الكهرباء، فإنّ الكهرباء ضرورية لتحقيق مستوى معيشي كاف. لبنان مثال صارخ على الآثار التي تطال حقوق الإنسان عندما لا تكون الكهرباء مضمونة.
لذلك تُدرك هيومن رايتس ووتش بأنّ الحق المكفول دوليا في مستوى معيشي كاف يشمل حق كل شخص، دون تمييز، في الحصول على كهرباء كافية وموثوقة وآمنة ونظيفة ويُمكن الحصول إليها بتكلفة ميسورة. الحصول على الكهرباء أمر بالغ الأهميّة لضمان الحقوق الأساسية الأخرى، بما في ذلك الحق في الصحة والسكن والماء والتعليم، على سبيل الذكر لا الحصر.
أشارت بعض الهيئات الحقوقيّة الدوليّة أو الإقليميّة صراحة إلى الحق في الطاقة أو الكهرباء. تشمل الهيئات التي تطرقت إلى هذه المسألة "اللجنة الأفريقيّة لحقوق الإنسان والشعوب" (اللجنة الأفريقيّة) وقرارها في "قضيّة ﻓﺭﻴﻕ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺩﺓ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﺠﺎﻨﻴﺔ ﻭﺁﺨﺭﻭﻥ ﻀﺩ ﺯﺍﺌﻴﺭ (1995)"؛ و"لجنة الأمم المتحدة المعنيّة بالقضاء على التمييز ضدّ المرأة" ("لجنة سيداو") في تعليقها العام رقم 24 (1999)؛ و"اللجنة الأوروبيّة للحقوق الاجتماعيّة"، المستمدّة من "الميثاق الاجتماعي الأوروبي المعدّل" الصادر عن "مجلس أوروبا" (1996)؛ والمقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بالسّكن اللائق كجزء من الحق في مستوى معيشي كاف في تقرير أصدره عام 2002.[403]
أشارت اللجنة الأفريقية في قرارها إلى الحق في الكهرباء من خلال الاستشهاد بعدم تنفيذ حكومة زائير للمادة 16 من "الميثاق الأفريقي" (الحق في الحصول على أفضل مستوى من الصحّة الجسديّة والبدنيّة يُمكن بلوغه). قالت اللجنة: "ينبغي للدول الأطراف أن تتخذ التدابير اللازمة لحماية صحّة شعوبها"، و"عدم توفير الحكومة للخدمات الأساسية مثل الماء الصالح للشرب والكهرباء... يُعدّ انتهاكا للمادة 16".[404]
تمّ تناول الحق في الكهرباء في المادة 14(2)(ح) من "اتفاقيّة القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة"، كجزء من حق المرأة الريفية في التمتع بظروف معيشية لائقة. تتناول التوصية رقم 24 للجنة سيداو هذا الحق في معرض الإشارة إلى حصول المرأة إلى الرعاية الصحيّة، مع التأكيد على التزام الدول الأطراف "باتخاذ جميع التدابير المناسبة التي تكفل للمرأة التمتع بظروف معيشية ملائمة، ولا سيما فيما يتعلق بالإسكان والإصحاح والإمداد بالكهرباء والماء" لمنع الأمراض والحفاظ على الصحّة.[405]
في ملاحظاته الختامية لعام 2015 بشأن تنفيذ أذربيجان للمادة 16 من الميثاق الاجتماعي الأوروبي المعدّل، أكد مجلس أوروبا على أنّ الدول الأطراف ملزمة بتوفير السكن الملائم للأسر، "والتأكد من أن يكون السكن الحالي بمستوى ومساحة كافيين، مع مراعاة تركيبة الأسرة المعنيّة، ويشمل الخدمات الأساسية (مثل التدفئة والكهرباء)".[406]
وضع تقرير المقرّر الخاص للأمم المتحدة لعام 2002 الحق في الكهرباء ضمن الحق في السكن الملائم. يدعو التقرير إلى التعاون الدولي لمساعدة الدول على "وضع استراتيجيات لتحقيق العدالة الاجتماعية وتعميم الفرص والفوائد الناشئة عن التنمية على نحو منصف، بما في ذلك... الإنفاق الاجتماعي الموجه فعلا نحو الخدمات المدنيّة الأساسيّة مثل الحصول على الإئتمانات، ومياه الشرب، والكهرباء، والتدفئة، والصرف الصحّي".[407] إضافة إلى ذلك، دعا المقرّر الخاص الدول إلى تعزيز "تكافؤ فرص الحصول على الخدمات الاجتماعيّة التي لا غنى عنها لإعمال الحقّ في السّكن الملائم – بما في ذلك المياه الصالحة للشرب والكهرباء والمرافق الصحيّة".[408]
الحصول على الكهرباء ضروري لإعمال حقوق أخرى
الحق في السكن اللائق والصحة
العلاقة بين الحق في السكن اللائق والحق في الكهرباء مذكور ضمنيا في المبادئ التوجيهيّة المعدّلة بشأن تقديم تقارير الدول الأعضاء إلى لجنة الأمم المتحدة المعنيّة بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة.[409] في المبادئ التوجيهيّة المعدّلة ،أكّدت اللجنة على أنّه "يُرجى بيان ما إذا كانت الدولة الطرف قد أجرت دراسة استقصائية وطنية لظاهرة التشرّد والسكن غير اللائق، ولا سيما عدد الأفراد والأسر المحرومين... ولا يتوفر لهم الوصول إلى الهياكل الأساسية والخدمات مثل الماء والتدفئة والتخلص من النفايات ومرافق الصرف الصحي والكهرباء".[410]
قبل هذه المبادئ التوجيهيّة المعدلة، ذكرت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أنّ الحق في السكن اللائق ينبغي أن يُفسّر على نطاق واسع، ولا يقتصر على التحقق المادي للمأوى. أكّد التعليق العام رقم 4 للجنة أن جزءًا من السكن اللائق يشمل "إمكانيّة الحصول بشكل مستمر على الموارد الطبيعية والعامة ومياه الشرب النظيفة، والطاقة لأغراض الطهي والتدفئة والإضاءة، ومرافق الإصحاح والغسل، ووسائل تخزين الأغذية، والتخلص من النفايات، وتصريف المياه، وخدمات الطوارئ". الكهرباء جانب أساسي من جوانب الطاقة في المنزل، لا سيما في ما يتعلق بالماء الصالح للشراب، والطهي والتدفئة والإنارة وتخزين الأكل، وبالتالي فإنّ الإستراتيجية التي يمكن للدول اعتمادها لضمان هذه المكوّنات قد تكون في توفير فرص الوصول الشامل والميسور التكلفة إلى الكهرباء.
الحصول على الكهرباء ضمن الحق في السكن اللائق يُمكن ربطه أيضا بالحق في الصحّة. اعترفت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالحق في السكن اللائق كعنصر ضروري للحق في أعلى مستوى من الصحة يُمكن بلوغه. نصّ التعليق العام رقم 14 للجنة على أنّ الحق في الصحّة "حق شامل... يشمل أيضا المقوّمات الأساسية للصحة، مثل الحصول على مياه الشرب المأمونة والإصحاح المناسب، والإمداد الكافي بالغذاء الآمن والتغذية والمسكن، وظروف صحيّة للعمل والبيئة، والحصول على التوعية والمعلومات في ما يتصل بالصحّة".[411] كما هو الحال في التعليق العام رقم 4، تلخص اللجنة التزام الدولة في "كفالة المساواة في التمتع بالمقومات الأساسية للصحة، مثل الأغذية السليمة من الناحية التغذوية والمياه الصالحة للشرب، والإصحاح الأساسي والسكن الملائم والظروف المعيشية المناسبة".[412]
حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
حق الأشخاص ذوي الإعاقة في مستوى معيشي لائق والعيش المستقل
في تعليقها العام رقم 5 (1994) حول الأشخاص ذوي الإعاقة، أكّدت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أنّ الحق في مستوى معيشي لائق في المادة 11 لا يشمل فقط المساواة في الحصول على الغذاء الكافي والسكن بتكلفة ميسورة وغير ذلك من الاحتياجات الماديّة الأساسيّة، بل يشمل أيضا توافر خدمات الدعم والأجهزة والتكنولوجيات المساعِدة التي تحترم بالكامل حقوق الإنسان للأشخاص ذوي الإعاقة.[413]
غالبا ما تتطلّب الأجهزة والتكنولوجيات المساعِدة الكهرباء لتعمل، مثل الكراسي المتحرّكة الكهربائيّة، والسكوترز، والمعينات السمعيّة، وشاشات عرض برايل، وغيرها من وسائل الاتصال، والأجهزة الخاصة بالضغط الإيجابي المستمر في المسالك الهوائية، والأطراف الصناعية وأجهزة التهوية وغيرها من أجهزة المساعدة الشخصيّة. بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة الذين يعيشون في مناطق حضريّة، تعتمد المصاعد أيضا على الكهرباء، ما يؤثر على قدرتهم على الخروج من منازلهم والتنقل والمشاركة في المجتمع.
أقرّت "اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة" الحق في العيش المستقلّ والادماج في المجتمع (المادة 19)، والحق في التنقل الشخصي (المادة 20) والحق في مستوى المعيشة اللائق والحماية الاجتماعية (المادة 28).[414] تُلزم المادة 20 على وجه الخصوص الدول باتخاذ "تدابير فعالة تكفل للأشخاص ذوي الإعاقة حرية التنقل بأكبر قدر ممكن من الاستقلالية". يُحدّد التعليق العام رقم 5 لـ"اللجنة المعنيّة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة" بشأن الحق في العيش بشكل مستقل الصلات بين المستوى المعيشي اللائق والوصول إلى الأجهزة المساعدة، التي يحتاج الكثير منها إلى الكهرباء.
بحسب التعليق العام رقم 5 للجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، "لضمان تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بمستوى معيشي لائق (المادة 28)، ينبغي للدول الأطراف أن تتيح، مثلا، سبل الحصول على خدمات الدعم التي تمكنهم من العيش المستقل. ولذلك، يقع على عاتق الدول الأطراف التزام بضمان توفير الخدمات المناسبة والميسورة التكلفة، والأجهزة وأشكال المساعدة الأخرى ذات الصلة باحتياجات ذوي الإعاقة، لا سيما من يعيشون في فقر".[415]
في تعليقها العام، تطرّقت اللجنة أيضا إلى توفير الأجهزة المساعدة باعتبارها ضرورية للحق في العيش بشكل مستقلّ: "توفير الوسائل والأجهزة المساعدة على التنقل، والتكنولوجيات المعينة... شرط أساسي لإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة ومشاركتهم على نحو كامل في مجتمعاتهم".[416]
كما تطرّقت اللجنة إلى الكهرباء في ملاحظاتها الختامية، ودعت إلى اتخاذ "تدابير ملموسة بحيث يحصل ذوو الإعاقات على مستوى معيشي لائق، لا سيما كي يتسنى لهم الحصول على مياه الشرب والكهرباء وشبكات المجاري، وللحد من آثار الحرمان المرتبط بالإعاقة".[417]
الحق في الغذاء الكافي
على غرار الحق في السكن اللائق، يُمكن دعم الحق في الغذاء الكافي عبر توفير الحصول على الكهرباء. يُحدّد التعليق العام رقم 12 للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بشأن الحق في الغذاء الكافي معايير سلامة الأغذية.[418] على وجه التحديد، يستوجب هذا الحق تدابير عامة وخاصة "لمنع تلوث المواد الغذائية بشوائب و/أو بسبب انعدام الشروط البيئية الصحية أو المناولة غير السليمة في مختلف المراحل التي يمرّ بها إنتاج الأغذية".[419] رغم أنّ الكهرباء غير مذكورة بشكل صريح، إلا أنّ التبريد الذي يعتمد على الكهرباء يظلّ وسيلة مفيدة وضروريّة لمنع أنواع التلوث.[420]
الحق في الكهرباء والوصول إلى الانترنت في سياق جائحة كورونا
دعا بيان لجنة الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة بشأن جائحة كورونا الدول إلى تخفيف التأثيرات السلبية للجائحة على الفئات الأكثر هشاشة.[421] تشمل بعض هذه التدابير الوصول إلى الانترنت والمعلومات المتاحة. فيما يتعلّق بالوصول إلى الانترنت، دعت اللجنة الدول إلى اعتماد "تدابير خاصة ومحدّدة الهدف، بما في ذلك من خلال التعاون الدولي... وتشمل هذه التدابير... ضمان جعل خدمات الانترنت اللازمة للأغراض التعليميّة في متناول الجميع على قدم المساواة".[422] دعت اللجنة أيضا الدول إلى ضمان توفير معلومات دقيقة ويسهل الوصول إليها حول الوباء "على أساس منتظم وفي شكل يسهل الاطلاع عليه". ومن العناصر المكوّنة لذلك "التعجيل بجعل خدمات الانترنت والأجهزة التقنية الضرورية في متناول جميع الطلاب، لا سيما أولئك الذين يعيشون في المجتمعات والمناطق الأكثر فقرا، حتى يتمكنوا من الاستفادة على قدم المساواة من برامج التعليم عبر الانترنت".[423] الدعوة إلى إتاحة الحصول على الانترنت، كأداة لتسهيل التعليم والحصول على المعلومة، تتطلب من الدول ضمان حصول الجميع على الكهرباء بأسعار معقولة.
الكهرباء والبيئة، بما في ذلك تغيّر المناخ
تقرّ هيومن رايتس ووتش بأنّ الدول ملزمة بتبنّي وتنفيذ سياسات بخصوص تخفيف آثار تغيّر المناخ والتكيّف معه تكون قويّة وتحترم الحقوق وتتماشى مع أفضل المعطيات العلميّة المتاحة. هناك تفاعل معقّد بين الحصول على الكهرباء وإنتاجها وتوفيرها والتغيّر المناخي. يُعدّ استخدام الوقود الأحفوري لإنتاج الكهرباء واحدا من أكبر المساهمين في انبعاث غازات الدفيئة المتسبّبة في تغيّر المناخ. يتم إنتاج معظم الكهرباء (حوالي الثلثين) حاليا من الوقود الأحفوري. زيادة استخدام الكهرباء تعني زيادة انبعاث غازات الدفيئة، إلا إذا كانت المصادر المستخدمة في إنتاج الكهرباء نظيفة وذات انبعاثات منخفضة.
أجرت هيومن رايتس ووتش أبحاثا حول الآثار الضارة لتغيّر المناخ على السكان المعرّضين للخطر والأضرار التي تطال البيئة والصحّة بسبب الاعتماد على الوقود الأحفوري.[424] تدرك هيومن رايتس ووتش أيضا أنّه في المناطق التي لا تكون فيها الكهرباء بشكل عام متاحة أو موثوقة، يعتمد الكثير من الناس والأعمال التجاريّة على مولّدات الديزل لإنتاج الكهرباء أو استخدام وقود الطبخ كثير التلوث، وهو ما يساهم أيضا في تغيّر المناخ. عند الدعوة إلى الاعتراف بالحق في الكهرباء، من المهمّ الضغط على الدول للوفاء بهذا الالتزام من خلال توليد الكهرباء بطرق قليلة التلوث وذات انبعاثات منخفضة ومحترمة للحقوق، وهي ضرورية لإعمال حقوق الأجيال المقبلة، وليس بطرق من شأنها أنتفاقم تغيّر المناخ.
توليد الكهرباء ومسؤولية الأعمال التجارية في احترام حقوق الإنسان وحمايتها
تلعب الشركات الخاصة، بما في ذلك من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، دورا كبيرا في إنتاج الطاقة على المستوى العالمي، ومن المرجح أن يتزايد هذا الدور مع زيادة الجهود المبذولة للتحول إلى طاقة متجددة ونظيفة. لذلك من الضروري أن تخضع جميع الشركات العاملة في مجال إنتاج الطاقة وإمدادها وتوزيعها، بما في ذلك الكهرباء، للمساءلة عن مسؤولياتها الحقوقية، لا سيما كما هي محدّدة في "المبادئ التوجيهيّة للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان". تنصّ هذه المبادئ التوجيهيّة على أنّ الشركات تتحمّل مسؤولية تحديد ومعالجة المخاطر والآثار السلبية التي يُمكن أن يُخلّفها نشاطها على حقوق الإنسان بمعناها الشامل. من هذه الآثار تلك المتعلّقة بحقوق العمل، والبيئة، وتغيّر المناخ، والفساد. بالنسبة لشركات الطاقة، تشمل التدابير التي يُتوقع أن تتخذها للوفاء بمسؤولياتها في مجال حقوق الإنسان:
· الاستثمار في الانتقال إلى توليد الطاقة النظيفة بما يتماشى مع مسؤولية معالجة مساهمتها في تغيّر المناخ.
· استخدام أفضل التقنيات المتاحة لتقليص تلوث الهواء والتلوث السمعي من توليد الكهرباء.
· احترام وحماية الحق في التشاور عندما يتم التخطيط لمشاريع البنية التحتية، مثل السدود، على أراضيها.
· ضمان إتاحة الطاقة بتكلفة ميسورة لجميع المستهلكين، بما في ذلك ذوو الدخل المنخفض.
التزامات الدول بموجب الحق في الكهرباء
تتحمّل الدول واجب حصول كل شخص على أراضيها وتحت ولايتها على الكهرباء. وهذا يعني ضمان توليد الكهرباء بشكل كاف وتزويد الناس بها بشكل مستدام، والتعاون الدولي لضمان توفير كهرباء موثوقة وبتكلفة ميسورة للمستخدم النهائي.
في إطار الوفاء بالالتزامات المتعلّقة بإنتاج وتوفير الكهرباء بشكل كاف، يتعين على الدول ألا تنتهك حقوقا أخرى، مثل الحق في الصحّة وفي بيئة صحيّة. ينبغي لها أيضا أن تضمن تماشي سياساتها التي تهدف إلى إنتاج وتوفير الكهرباء مع التزامها بمعالجة تغير المناخ، بما في ذلك الانتقال من الوقود الأحفوري كمصدر لإنتاج الكهرباء إلى مصادر أخرى متجددة.
يتعيّن على الدول اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لضمان حصول الجميع على الطاقة من خلال إمدادات متجددة من الكهرباء، ومتابعة ذلك من خلال القوانين والسياسات وغيرها من التدابير التي تقلّل من تأثير إنتاج الكهرباء وتوزيعها واستخدامها على البيئة وحقوق الإنسان.
ينبغي للدول أن تضمن تنظيم كيانات القطاع الخاص، مثل أصحاب المولّدات، بشكل مناسب لضمان الحق في الكهرباء للجميع.
إذا لم تنجح الطرق المعتمدة حاليا في إنتاج وتوفير كهرباء موثوقة وميسورة التكلفة للجميع، فإنّ الدولة ملزمة باتخاذ إجراءات لضمان الحصول على الكهرباء، بما في ذلك من خلال السماح باعتماد أشكال توليد وإمداد جديدة، أو السماح بالإمداد من دول أخرى. على الدولة ضمان توافق هذه البدائل مع التزاماتها الحقوقيّة الأخرى.
شكر وتنويه
كتب هذا التقرير وتولى إجراء البحوث كل من آية مجذوب، وهي باحثة سابقة في شؤون لبنان في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبريان روت، كبير المحللين الكميين، ولينا سيميت، باحثة أولى ومناصِرة لشؤون الفقر وعدم المساواة في قسم العدالة والحقوق الاقتصادية. ساهم في هذا التقرير فيليكس هورن وأنتونيا جوهاس، باحثان رئيسيان في قسم البيئة وحقوق الإنسان. كما قدّم شربل سلوم، وهو مساعد باحث أول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مساعدة جوهرية في إجراء البحوث وساهم أيضا في إعداد التقرير.
راجع التقرير آدم كوغل، نائب المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. قدم باحثو هيومن رايتس ووتش إمينا سيريموفيتش وبيل فان إسفلد وجوليا بليكنر وبريدجيت سليب مراجعة متخصصة. قدم المراجعة القانونية كلايف بالدوين، وهو مستشار قانوني أول. كما قدم توم بورتيوس، نائب مدير البرامج، مراجعة برامجية.
قدم مساعدان في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمساعدة السابقة في مجال التكنولوجيا وحقوق الإنسان، كيرين شيلا، المساعدة في إنتاج وإتمام التقرير. أعد التقرير للنشر، المنسق الأول، خوسيه مارتينيز، والمدير الإداري، فيتزروي هوبكنز.
قدمت المتدربة في هيومن رايتس ووتش ميليسا صافي مساعدة في إجراء البحوث.
شكر خاص لمارك أيوب على دعمه وخبرته، ولصحيفة لوريان توداي على مشاركة المعلومات والوثائق.
تود هيومن رايتس ووتش أيضا أن تشكر مؤسسة البحوث والاستشارات على إجراء المسح التمثيلي على المستوى الوطني الذي استندت إليه نتائج هذا التقرير.