(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنّ السلطات اللبنانية بيّنت عن إهمال قاسٍ لحماية عمّال وعاملات القطاع الصحي في الخطوط الأمامية لمواجهة فيروس "كورونا". شهدت البلاد موجة مقلقة من ارتفاع الحالات، ما يهدّد بإنهاك النظام الصحي.
تدين المؤسسات الحكومية، بما فيها وزارة الصحة، و"الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي"، والأجهزة الأمنية مثل الجيش و"قوى الأمن الداخلي"، بمبالغ مالية كبيرة للمستشفيات الخاصّة والحكومية. عدم احترام هذه الجهات التزاماتها المالية يقيّد بشدّة قدرة المستشفيات على المحافظة على مستويات كافية من التوظيف وحماية الموظّفين من العدوى. كذلك لم توقف السلطات الاعتداءات العنيفة على عمّال وعاملات القطاع الصحي، الذين أثّر فيهم الوباء نفسيا وعاطفيا بشكل كبير.
قالت آية مجذوب، باحثة لبنان في هيومن رايتس ووتش: "عمّال وعاملات القطاع الصحي هم العمود الفقري للبنان مع تفجّر حالات فيروس كورونا في مختلف أنحاء البلاد، لكنّ الدولة أظهرت تجاهلا سافرا لصحّتهم وسلامتهم. إذا كانت الدولة تريد أن يتحمّل النظام الصحي هذه الأزمة، عليها دفع مستحقّات المستشفيات وضمان حصول عاملي الرعاية الصحية على الحماية والدعم اللذين يستحقّونهما".
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع مسؤولَيْن كبيرين في مستشفى، وخمسة طبيبات وأطبّاء، بمَن فيهم نقيب الأطبّاء، وعشر ممرّضات وممرّضين في البلاد، بمَن فيهم نقيبة الممرّضات والممرّضين. طلب معظم العاملين عدم ذكر أسمائهم خوفا من أن يهدّد ذلك وظائفهم.
الأزمة الاقتصادية في لبنان سبقت الوباء. فقدت العملة الوطنية أكثر من 80% من قيمتها خلال العام الماضي. تضاعفت معدّلات الفقر بينما ارتفعت البطالة بشكل هائل، وتخطّى التضخّم الـ100%.
خلّفت الأزمة الاقتصادية أثرا اقتصاديا مدمّرا على القطاع الصحي. بحيث تعاني البلاد من نقص في تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية التي يُستورد معظمها. تراجعت قيمة رواتب الطواقم التمريضية والطبية بسرعة، ما أدّى إلى هجرة جماعية. جاء الوباء ليزيد الضغط على قطاع الرعاية الصحية المأزوم أصلا. استُنزفت قدرات المستشفيات، وارتفعت تكاليفها. مع ذلك، لا تزال الحكومة لم تصرف الأموال التي تدين بها للمستشفيات.
قال د. فراس أبيض، مدير "مستشفى رفيق الحريري الجامعي" الحكومي، وهو أكبر مركز لعلاج المصابين بفيروس كورونا في لبنان، لـ هيومن رايتس ووتش إنّ الدولة تدين للمستشفى بنحو 20 مليار ليرة لبنانية (13.3 مليون دولار أمريكي بسعر الصرف الرسمي ونحو 2.5 مليون دولار بسعر الصرف غير الرسمي) على شكل فواتير غير مسدّدة عن 2020. أضاف: "لدينا بعض المال من منظمات دولية مثل مفوضية الأمم للاجئين والصليب الأحمر الدولي. لولاهم، لكنّا في ورطة".
تدين الحكومة أيضا بنحو 2,500 مليار ليرة لبنانية، أو 1.6 مليار دولار بسعر الصرف الرسمي أي 300 مليون دولار بسعر الصرف غير الرسمي، لأكثر من 120 مستشفى خاصّ، وفق نقيب أصحاب المستشفيات الخاصّة سليمان هارون. قال إنّ وزارة المالية في 2020 صرفت فقط 8.5% من المبلغ المستحقّ عليها. أضاف أنّهم لم يروا بعد قرشا واحدا من الاعتماد الإضافي لموازنة 2020 بقيمة 450 مليون ليرة لبنانية، والذي أنشأه البرلمان للمستشفيات في أبريل/نيسان.
قال د. جورج غانم، المدير الطبي في "المركز الطبي للجامعة اللبنانية الأمريكية - مستشفى رزق"، أحد أكبر المستشفيات الخاصّة في لبنان، لـ هيومن رايتس ووتش إنّ الدولة تدين للمستشفى بنحو 22 مليار ليرة لبنانية (14.5 مليون دولار بسعر الصرف الرسمي و2.8 مليون دولار بسعر الصرف غير الرسمي)، ما يخلق "وضعا صعبا للغاية". قال: "لا شفافية على الإطلاق في كيفية توزيع المال على المستشفيات".
في أبريل/نيسان، خصّص "البنك الدولي" 40 مليون دولار لمساعدة لبنان على الاستجابة لفيروس كورونا، بما يشمل حماية عمّال قطاع الصحة. قال د. أبيض إنّ المستشفى لم يتلقَّ أيّة أموال من هذا القرض بعد. أضاف د. غانم أن "لا يستطع حتى الآن أي أحد إخبارنا كيف صُرف هذا المال".
الأجور التي تصل إلى يد معظم الأطبّاء تأتي من رسوم التأمين الخاصّ أو العام للعملاء، وليس الرواتب. قال نقيب الأطبّاء في لبنان د. شرف أبو شرف لـ هيومن رايتس ووتش إنّ نحو 20% من المستحقّات للمستشفيات هي أتعاب الأطبّاء، ويعود بعضها إلى 2017. شرحت نقيبة الممرّضات والممرضين ميرنا ضومط أنّه، منذ بدء الأزمة الاقتصادية في أواخر 2019، طُرد أكثر من 40% من الممرّضين والممرّضات من وظائفهم في المستشفيات الحكومية والخاصة، ما زاد الضغط على القوة العاملة المتبقية. قالت إنّ المستشفيات خفّضت رواتب الطاقم التمريضي أيضا. كما أدّى الهبوط السريع في قيمة العملة خلال العام الفائت إلى تراجع الدخل الفعلي للعاملين بنسبة 80%.
أجمع أبو شرف وضومط على أنّ بعض المستشفيات الحكومية والخاصة لم تكُن تؤمّن لموظفيها الكميات اللازمة من المعدّات الوقائية الشخصية، ما أدّى إلى ارتفاع عدد الإصابات بين الأطبّاء والممرّضين. حتى 6 ديسمبر/كانون الأوّل، سُجّلت إصابة 1,792 موظفا في القطاع الصحي بفيروس كورونا، بما في ذلك 10% من ممرّضي/ات البلاد. توفّي على الأقل ستّة من الطواقم الطبية والتمريضية.
قال جميع المسؤولين والأطبّاء في المستشفيات الذين تمّت مقابلتهم إنّ المعدّات الوقائية الشخصية متوفّرة في السوق، على عكس الوضع خلال الأشهر الأولى من الوباء، لكنّ ثمنها هو العامل المقيّد الأبرز. أضافوا أنّ لوازم أساسية كثيرة، منها القفازات والكمامات الجراحية، غير مدعومة من الدولة، وأنّ أسعارها ارتفعت كثيرا بسبب تراجع قيمة العملة الوطنية.
قال غانم وأبيض إنّه بعد انفجار المرفأ في 4 أغسطس/آب، تلقّى مستشفياهما كميات كبيرة من المعدّات الوقائية من جهات مانحة دولية. لكنّ المساعدات التي مرت عبر الدولة وليس المستشفيات وجدت طريقها مباشرة إلى السوق السوداء، على حدّ قول غانم، وبيعت بأسعار مضخّمة. لم تتمكّن هيومن رايتس ووتش من التحقّق من هذه المزاعم، لكن ثمّة حالات أخرى معززة بالوقائع تؤكّد عدم توزيع الحكومة المساعدات الدولية على النحو المنشود.
بموجب "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، الذي صادق عليه لبنان، الدولة اللبنانية ملزمة بالحدّ من خطر الحوادث والأمراض خلال ممارسة المهنة، بما في ذلك الحرص على تأمين المعلومات الصحية والمستلزمات والملابس الوقائية المناسبة للعمّال، ما يعني أيضا منح عمّال الرعاية الصحية وغيرهم من المعنيين في الاستجابة لفيروس كورونا تدريبا ملائما حول السيطرة على العدوى وتزويدهم بالمعدّات الوقائية اللازمة. في سياق الحقّ في الحياة، حيث قد يهدّد غياب المعدّات الوقائية الشخصية المناسبة الحياة، قد يشكِّل عدم تأمين هذه المعدّات لعمّال القطاع الصحي المعرّضين لفيروس كورونا انتهاكا لالتزامات الدول بحماية الحياة.
قالت هيومن رايتس ووتش إنّه ينبغي أن تصرف وزارة المالية بشكل طارئ المبالغ المستحقّة للمستشفيات. في ضوء مزاعم الفساد الموثوقة في قطاع الصحة والتقاعس المستمرّ للسلطات اللبنانية عن معالجة الأزمة الاقتصادية التي تهدّد حصول الناس على هذه الرعاية، على الجهات المانحة الدولية توجيه المساعدات الطبية الطارئة مباشرة إلى المستشفيات بأقصى قدر ممكن.
قالت مجذوب: "إذا لم تضع الدولة اللبنانية سياسات منسّقة وفعّالة لمعالجة الأزمة الاقتصادية، قد تعجز المستشفيات قريبا عن تأمين الرعاية المنقذة للأرواح. على الدولة أن تسدّد بشكل طارئ مستحقّاتها للمستشفيات وتخفّف الضغط عن موظفي القطاع الصحي".
يواجه لبنان زيادة هائلة في الإصابات بفيروس كورونا والوفيات المرتبطة بها منذ أكتوبر/تشرين الأول. لم تُطبّق الإقفالات التامة أو الجزئية العديدة جيّدا، كما لم تحدّ من ارتفاع الإصابات، وذلك يعود بشكل كبير إلى غياب شبكة أمان اجتماعية للطوارئ تمكّن العاملين من التزام المنزل. اتّهم المنتقدون الحكومة بعدم امتلاك استراتيجية متماسكة وطويلة الأمد للتعامل مع الوباء.
تقاعست السلطات اللبنانية أيضا عن معالجة الأزمة الاقتصادية التي تهدّد الحقوق الأساسية للناس. صرّح البنك الدولي أنّ "الافتقار المقصود إلى إجراءات سياسية فعالة من جانب السلطات إلى تعريض الاقتصاد لكساد شاق وطويل". أضاف البنك أنّه نتيجة هذا التلكّؤ، "من المرجّح أن تكون الأزمة الاقتصادية في لبنان "أعمق وأطول من معظم الأزمات الاقتصادية".
إجهاد مفرط لقاء أجور قليلة
زاد تفشي فيروس كورونا الضغوطات على نظام الرعاية الصحية المأزوم أصلا بسبب تقاعس الحكومة عن معالجة الأزمة الاقتصادية ودفع مستحقّاتها للمستشفيات. تغطّي مؤسسات عديدة في القطاع العام، بما فيها وزارة الصحة، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وقوى الأمن الداخلي، والجيش بعض التكاليف الطبية لموظّفيها أو السكّان الذين تغطّيهم بعض خطط التأمين الصحي، لكنّ الحكومة لم تصرف جزءا كبيرا من هذه الدفعات للمستشفيات.
دفع الوضع الاقتصادي غير المستقر للمستشفيات العديد منها إلى صرف عدد ملحوظ من الموظفين في 2019، ما حدّ من جهوزيتها لمواجهة فيروس كورونا. إضافة إلى ذلك، بسبب التأخّر في دفع رواتب الطواقم الطبية والتمريضية، والتراجع 80% في قيمة الدخل الفعلي لموظّفي القطاع الصحي، وفقدانهم الثقة في قدرة الدولة على معالجة الأزمات العديدة التي تعصف بلبنان، غادر لبنان عدد كبير من الأطبّاء والطبيبات والممرّضين والممرّضات، علما أنّ كثيرين منهم من بين الأكثر كفاءة.
قال أبو شرف، نقيب أطباء لبنان، إنّ 400 طبيب هاجروا هذا العام. كما أفاد طبيب في طرابلس، إحدى أفقر مدن البلاد، أنّ نسبة ملحوظة من الأطبّاء في قسم طرابس لنقابة الأطبّاء غادروا البلاد هذا العام بسبب الأزمة الاقتصادية وأنّ الباقين يخطّطون للرحيل.
أضافت ضومط أنّ القطاع التمريضي يشهد هجرة "جماعية"، أدّت، بالإضافة إلى العدد الكبير من الإصابات في صفوف عمّال القطاع الصحي، إلى زيادة عبء آخر على أعباء القوة العاملة المتبقية. اضطُرّ عدد كبير منهم إلى العمل دوام إضافي ولساعات أطول.
قالت ضومط إنّه توجد ممرّضة واحدة لكلّ 20 مريض في بعض المستشفيات، على الرغم من أنّ المبادئ التوجيهية لنقابة والممرضات والممرّضين تنصّ على وجود ممرّض/ة لكلّ ثمانية مرضى في الأجنحة العادية. روَت إحدى الممرّضات في جناح لفيروس كورونا أنّ المستشفى حيث تعمل فيه ممرضّ واحد فقط لكلّ ستّة أو سبعة مرضى في وحدة العناية الفائقة، ما ينتهك معايير المستشفى نفسه والمبادئ التوجيهية للنقابة التي تفرض وجود ممرّض لكلّ مريضَيْن في هذه الوحدة.
قالت ممرّضة الطوارئ في مستشفى خاصّ: "المشكلة الأكبر التي نواجهها هي نقص الموظفين. بصراحة، [إدارة المستشفى] يحاولون فقط توفير المال. لدينا عدد كبير من المرضى في غرفة الطوارئ. [عادةً] عليّ أن أداوم [في المستشفى] ثلاث أو أربع مرّات في الأسبوع. لكن أحيانا الآن أتواجد هناك خمس أو ستّ مرّات، حتى أيّام السبت التي يجب أن تكون أيام عطلتي. أحيانا، أُضطرّ إلى البقاء من الصباح حتى المساء، مع أنّ دوامي ليليّ".
قالت جميع العاملات والعاملين في القطاع الصحي الذين تمت مقابلتهم إن أحد الأسباب الرئيسة للتوتر هو رؤية قيمة رواتبهم تتراجع لدرجة أنها بالكاد تكفي لتغطية كلفة الأساسيات، بما فيها الإيجار والفواتير. قال طبيب رئة في جنوب لبنان: "يمكن أن يكون لديك مزيد من المرضى، لكن لم يعد لدينا دخل حقيقي".
تبلغ تكلفة استشارة الطبيب ما بين 100 ألف و150 ألف ليرة، والتي كانت تساوي سابقا 67 إلى 100 دولار. لكن، وبسبب انخفاض قيمة العملة، تساوي الآن ما بين 12 إلى 19 دولار بأسعار السوق الفعلية.
قالت ممرضة طوارئ بالقرب من بيروت: "الراتب لم يعد كافيا مع انخفاض قيمة الع. تُدفع الرواتب بالليرة اللبنانية. لذا مليون ليرة لبنانية بالكاد تعادل 200 دولار الآن". كانت قيمة هذا الراتب سابقا 667 دولار.
قالت الممرضة: "كل شيء أصبح أكثر تكلفة والرواتب تنتهي بسرعة. لم يكن هناك تعديل، ولا مكافآت، ولا شيء أبدا".
قالت ممرضة واحدة فقط ممن قوبلوا إنها تلقت "زيادة طفيفة في الراتب بسبب كورونا" في المستشفى الخاص الذي كانت تعمل فيه.
اعتمدت المستشفيات الخاصة والحكومية تدابير لتوفير التكاليف أثرت سلبا على موظفيها. خفّضت بعضها الرواتب أو أجبرت الموظفين على العمل بدوام جزئي. بدأت أخرى بالتعامل مع ساعات العمل الإضافية على أنها ساعات منتظمة، بدلا من دفع قيمة مرة ونصف مقابل العمل الإضافي، كما ينص قانون العمل اللبناني. مع ذلك، تحولت أخرى من دفع رواتب موظفيهم بالدولار الأمريكي إلى الليرة اللبنانية إما بسعر الصرف الرسمي أو بسعر أعلى قليلا وأقل بكثير من نصف سعر السوق غير الرسمي.
قالت ممرضتان تعملان في مراكز عزل كورونا إنهما تعملان بدون عقود أو مستحقات، بما فيها الضمان الاجتماعي أو إجازة مدفوعة الأجر، وأنهما لم تتقاضيا أجورهما منذ أكتوبر/تشرين الأول. قالت إحداهما إنه عندما اشتكت، قال لها منسق المستشفى: "إذا لم يعجبك، يمكنك المغادرة".
نقص معدات الحماية الشخصية
أدى عدم سداد الحكومة مستحقات المستشفيات إلى صعوبة في شراء الإمدادات الكافية من معدات الحماية الشخصية، والتي ارتفعت أسعارها بشكل كبير بسبب انخفاض قيمة العملة الوطنية.
قالت ضومط، نقيبة الممرضات، لـ هيومن رايتس ووتش إنه لا توجد مبادئ توجيهية وطنية لتوفير معدات الحماية الشخصية، لكن كل مستشفى تضع معاييرها الخاصة. بينما قالت أربع ممرضات وأطباء قوبلوا إن مستشفياتهم كانت تزودهم بمعدات الوقاية الشخصية التي يحتاجونها، وصف ستة منهم نقصا حادا، خاصة في أقنعة التنفس. قال أربعة إنهم اضطروا لشرائها بأنفسهم، من بينهم طبيب وممرضة يعملان في جناح كورونا وغرفة الطوارئ.
قال طبيب طوارئ في محافظة جبل لبنان إن مستشفاه الخاص واجه نقصا حادا خلال بعض الفترات، بما فيه القفازات، وأقنعة التنفس، والكمامات الجراحية. قال إن المستشفى أعطتهم ذات مرة قفازات نايلون رقيقة وشفافة "تُستعمل لتحضير السندويشات"، بدلا من قفازات اللاتكس المعيارية للاستخدام الطبي. قال إنه اضطر إلى شراء أقنعة التنفس "إن 95" بنفسه، والتي تكلف 55 ألف ليرة (36.70 دولار بسعر الصرف الرسمي).
قالت رئيسة الممرضات في وحدة كورونا بمستشفى خاص على أطراف بيروت، حيث ثبتت إصابة ستة ممرضين وأحد المرضى بفيروس كورونا في عشرة أيام في سبتمبر/أيلول، إن المستشفى أعطاهم كمامات غير مصممة للاستخدام الطبي ولا تستوفي معايير "إدارة الأغذية والعقاقير" الأمريكية. قالت: "كانت هذه هي النهاية بالنسبة لي. استقلت لأنني استسلمت. في بداية [الوباء]، لم أكن خائفة جدا. لكن عندما حدث التفشي في المستشفى، شعرت بالخوف الشديد. كنت خائفة من نقل فيروس كورونا إلى والدَيّ وعمرهما 65 عاما".
قالت ممرض آخر، في مركز للعزل وعلاج كورونا في ضاحية بيروت الجنوبية إن الموظفين مسموح لهم بارتداء رداءين واقيين فقط في اليوم. قالت "هذا مستحيل"، حيث تتعامل مع حوالي عشر حالات دخول يوميا. قالت أيضا إن جودة معدات الحماية الشخصية المقدمة انخفضت مع الوقت. قال إن بعض القفازات كان بها عيوب، إصبع مفقود أو ممزق. قال أيضا إن الأردية الواقية تتمزق بسهولة وإن الكمامات الجراحية التي وُزعت فيها طبقة واحدة فقط مقابل ثلاثة في بداية الوباء، والتي شعر أنها توفر حماية أفضل.
قال الدكتور غانم من مستشفى رزق والدكتور أبيض من مستشفى الحريري إنه من خلال التخطيط الدقيق، والتبرعات المباشرة بعد انفجار مرفأ بيروت، تمكنا من ضمان حماية جميع موظفيهما بشكل كاف. أقرّا بأن هذا قد لا يكون هو الحال في المستشفيات الأصغر أو النائية بمواردها المحدودة أكثر.
أصدرت "منظمة الصحة العالمية" إرشادات مؤقتة بشأن كورونا فيما يتعلق بحقوق، وأدوار، ومسؤوليات العاملين في الرعاية الصحية. على أصحاب العمل والمديرين تزويد العاملين بكمامات الوقاية من العدوى ومكافحتها، والقفازات، والنظارات الواقية، والأردية الواقية، ومعقمات اليدين، والصابون والماء، ومستلزمات التنظيف بكميات كافية بحيث لا يضطر العاملون إلى تحمل نفقاتها. للعاملين الحق في إبعاد أنفسهم عن موقف لديهم مبرر معقول للاعتقاد بأنه يمثل خطرا وشيكا وخطيرا على حياتهم أو صحتهم، وفي الحماية من أي انتقام ناتج.
في يونيو/حزيران، قالت منظمة الصحة العالمية إنه يجب ارتداء الأقنعة الطبية من قبل جميع العاملين في الرعاية الصحية الذين يتفاعلون مع مرضى كورونا، وأنه يجب ارتداء أقنعة التنفس من قبل الذين يجرون إجراءات تؤدي إلى توليد الرذاذ الهوائي. يقول "مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" الأمريكي إن أقنعة الوجه العادية "لا توفر لمرتديها مستوى موثوقا من الحماية من استنشاق الجزيئات الصغيرة المحمولة في الهواء و[لا تعتبر] حماية للجهاز التنفسي"، ويوصي بأن يرتدي العاملون الصحيون أجهزة التنفس حيثما أمكن ذلك.
الهجمات على العاملين الصحيين
خلال الوباء، أصبح بعض العاملين في الرعاية الصحية أهدافا لهجمات عنيفة من قبل المرضى وعائلاتهم، خاصة وأن المستشفيات لم تعد قادرة على قبول مرضى جدد. قال نقيب الأطباء أبو شرف إن هناك هجوما خطيرا واحدا على الأقل على طبيب كل شهر، وسط "تراخِ قضائي" في محاسبة المهاجمين، وهم غالبا أشخاص يتمتعون بـ "الدعم السياسي".
في إحدى الحالات، قال أبو شرف إن عائلة مريض هاجمت طبيبا في مستشفى حكومي بعد أن طلب منهم ارتداء كمامة، ما اعتبروه "إهانة". أصيب الطبيب بكسر في الفك، وكسر في عظمة قرب عينه، وارتجاج في الدماغ. قال أبو شرف إن الجاني أطلق سراحه بعد شهرين.
قال أربعة من بين 15 طبيب )ة( وممرض )ة( قوبلوا إن المرضى أو أسرهم اعتدوا عليهم لفظيا أو بدنيا أثناء قيامهم بعملهم، وقال آخرون إنهم يعرفون عاملين في الرعاية الصحية عانوا من مثل هذه الاعتداءات.
قالت طبيبة بغرفة الطوارئ في مستشفى خاص في صيدا إنه بعد أن امتلأ جناح كورونا، كان الموظفون يتعرضون للاعتداءات اللفظية بانتظام. قالت أيضا إنه، في عدة مناسبات، هاجمت أسرُ المرضى العاملين الصحيين أو حطّموا وحدة العناية المركزة لأنه لم يُسمح لهم بزيارة أفراد أسرهم المرضى.
في إحدى الحوادث، كسر الناس الحاجز الزجاجي للوحدة وهاجموا العاملين. قالت إن قوى الأمن أبلغت وسجّلت إفادات الموظفين، لكنها أضافت: "بالطبع لن يستطيعوا فعل أي شيء". في حادثة أخرى في نوفمبر/تشرين الثاني، بحسب الطبيبة، هددت أسرة بإحضار 200 رجل "لتكسير المستشفى" إذا لم يسمحوا بدخول قريبهم.
التأثير على الصحة النفسية
تسبب الوباء، وانتشاره المستمر في جميع أنحاء البلاد، وعدم استجابة السلطات بشكل مناسب للوباء ودعم العاملين في مجال الرعاية الصحية، بأذى نفسي وعاطفي.
قال عديد من العاملين في الرعاية الصحية إنه منذ بدء انتشار المرض في لبنان، ظهرت عليهم أعراض الاكتئاب والقلق. قالت إحدى ممرضات جناح كورونا: "هذه التجربة تجعلك تشعر بالاكتئاب، خاصة عندما ترى الموت يوميا".
تحدثت ممرضة في جناح كورونا تركت وظيفتها بعد العمل في المستشفى لأكثر من عقد عن الإرهاق والشعور بعدم الحماية وعدم الدعم:
تعاملوا [إدارة المستشفى] مع طاقم وحدة كورونا وكأن لديهم طاعون... نحن [الممرضات] لا نُقّدر كما ترون في وسائل الإعلام... الجهد الذي بذلناه كان ضعفا بل ثلاثة أضعاف في الأيام العادية. تركت وظيفتي بعد 14 عاما، إنه قرار صعب جدا. لكني لم أعد أستطيع. كنت متعبة. ضغوط كورونا والتعامل مع الموظفين والإداريين غير المتعاونين. أعرض نفسي للخطر، ومن أجل ماذا؟ إذا متّ، كل ما سيفعلونه هو وضع ميدالية على نعشي".
وصفت طبيبة الطوارئ تأثير الأزمة الاقتصادية، والتعب، والإحباط على صحتها النفسية:
بدأت بتناول مضادات الاكتئاب. لاحظت أنني أصبحت أكثر قلقا وأسرع انفعالا ... تذكر أنني أعمل من 16 إلى 24 ساعة في بعض الأحيان في غرفة الطوارئ. أعود إلى المنزل مدمرة. بدأت باستخدام مضادات الاكتئاب منذ ثلاثة أشهر. انظر، ليس أنا فقط. أنا متأكدة من أن معظم الزملاء يستخدمونها. أصابنا الإجهاد على ثلاث مراحل. أولا، كانت هناك الأزمة الاقتصادية. انخفض دخلي بطريقة مروعة. خمسة آلاف دولار أمريكي أصبحت فجأة 900 دولار. ثم جاءت كورونا، ثم أغلقت البلاد. لم يعد بإمكانك الخروج، القيام بأشياء تحبها، لتغيير مزاجك. أضف إلى ذلك، لدي كثير من المسؤوليات والواجبات العائلية. لم يعد بإمكاني تلبية احتياجات أسرتي كما اعتدت بسبب الأزمة الاقتصادية. أصبحنا جميعا متشائمين.
لتقليل المخاطر وحماية أحبائهم، قرر بعض العاملين في الرعاية الصحية إبعاد أنفسهم اجتماعيا. قال ممرض في مركز للعزل وعلاج كورونا إنه قرر عدم رؤية والديه المعرضين للخطر في حال الإصابة بالفيروس وإنه نأى بنفسه عن طفله:
لم أر والديّ منذ ستة أشهر. لا أستطيع الذهاب إلى القرية ورؤيتهما. فقط عبر الهاتف. أعتقد أنني قوي. لكنني أكون أقوى عندما أرى والديّ. لدي ابن عمره ثماني سنوات ويجب أن أتخذ الاحتياطات اللازمة بقربه. علّمته ألا يركض نحوي ليعانقني عندما أعود إلى المنزل. أشعر أحيانا أن لدي اكتئاب. لكن الأمور تتحسن في اليوم التالي.
قالت هيومن رايتس ووتش إن هذا الاضطراب الكبير في الدعم الاجتماعي في محاولة لحماية الآخرين له تأثير كبير على رفاهية العاملين الصحيين.
أقرّ غانم وأبيض بأن الإرهاق وأضرار الصحة العقلية كانت مصدر قلق كبير في مستشفاهما، لكن كليهما قالا إنهما يضعان برامج لدعم موظفيهما. لكن معظم العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين قوبلوا لم يتلقوا أي دعم من مستشفياتهم. قال طبيب في طرابلس ضاحكا: "لدينا مشاكل أكثر خطورة" عندما سُئل عما إذا كان مستشفاه يوفر للعاملين في مجال الصحة العقلية والدعم النفسي-الاجتماعي.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة اللبنانية التحرك عاجلا لدعم العاملين الصحيين أثناء الوباء من خلال توفير أفضل لخدمات الصحة النفسية المجتمعية والدعم النفسي الذي يحترم الحقوق، وإزالة الوصمة عن مشاكل الصحة العقلية.